تتمثل إحدى المزايا الكبرى للطيران الخاص في الخصوصية، ولكن القدرة على الابتعاد عن أعين المتطفلين تسري داخل المقصورة فحسب. لقد نجحت حسابات التواصل الاجتماعي التي تتبّع رحلات كبار الشخصيات، أمثال دريك وتايلور سويفت ونانسي بيلوسي وكيم كارداشيان ورئيس مجموعة لويس فويتون برنارد أرنو، فضلاً عن نخبة من الشخصيات الروسية الخاضعة للعقوبات، في جذب ملايين من المتابعين، حتى إن حساب @ElonJet على تويتر حظي باهتمام عالمي قبل أن يوقف إيلون ماسك الحساب.
ويجري تسليط الضوء على هذه الشخصيات إما بدافع الهواية أو الفضول الشديد، أو للتشهير بمسببي الانبعاثات. بل إن أرنو سئم من هذا الترصد إلى حد بيعه طائرته من طراز Global 7500 من بومباردييه في الخريف الماضي، لينتقل إلى استئجار طائرات خاصة من شركات تبقي أسماء الركاب طي الكتمان.
على أن رجال الأعمال والمشاهير والسياسيين ليسوا وحدهم المعنيين بما يحدث، إذ إن كل من يسافر على متن طائرة خاصة يشارك معلوماتٍ تُنقل عبر الصندوق الأسود للطائرة. لأسباب متصلة بالسلامة، يرسل نظام "البث التلقائي للرصد" (ADS-B) إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي، والارتفاع، والسرعة الأرضية، وغيرها من البيانات إلى مراقبي الحركة الجوية والطائرات القريبة. ويترتب على هذا مخاطر محتملة، مثل توظيف بعض الشركات هذه البيانات للتجسس، أو استغلالها لإرسال تهديدات باستخدام العنف.
يقول دوغ كار، نائب الرئيس الأول في قسم شؤون السلامة والأمن والاستدامة والشؤون الدولية في الاتحاد الوطني للطيران الخاص (NBAA): "يشبه هذا الأمر حصول أي شخص على رقم لوحة سيارتك في أثناء القيادة على الطريق السريع ليعرف بناءً عليها من في السيارة ووجهتها". ويتابع قائلاً: "لا يتعلق الأمر بنمط حياة الأثرياء والمشاهير فحسب، ولكن بالحد الأدنى من الأمان واستحالة التتبع الفوري للأشخاص، وهو بالمناسبة أمر غير قانوني في بلدان أخرى".
برزت هذه المشكلة قبل عقد من الآن، إذ تعرض الرئيس التنفيذي لشركة متخصصة في بيع معدات المطاعم للملاحقة والتعقب عبر الإنترنت من قبل منافسيه، في أثناء استخدامه للطائرات لإجراء معاملاته التجارية. حدث الأمر نفسه حينما عاد الجنود الجرحى إلى مدنهم.
فما إن حطوا أقدامهم في المطار حتى وجدوا أنفسهم أمام متظاهرين مناهضين للحرب. مارثا كينغ، التي تدير أكاديمية كينغ سكولز King Schools لتدريب الطيارين مع زوجها جون، كانت ضحية مضايقات كثيرة، أبطالها أفراد غير متزنين من خارج الولاية. في إحدى المرات، ظهر أحدهم بغتة وهددها.
وفي هذا تقول كينغ: "قد تبدو الخصوصية قيمة مجردة، ولكنها سرعان ما اكتسبت سمة شخصية تمسنا عن قرب". وتضيف كينغ قائلة: "إننا اليوم نتوخى قدرًا أكبر من الحذر عندما نحطّ في مطارات غير مألوفة".
تحاول إدارة الطيران الفيدرالية تقديم المساعدة. فبعد أن أصبح استخدام نظام ADS-B إلزاميًا في يناير من عام 2020، أنشأت الإدارة برامج عدة تسمح لشركات الطيران بالعُدول عن مشاركة رقم ذيل طائراتها، ما يساعد على إخفاء هوية الركاب. سجلت العديد من شركات الطيران الخاص للحصول على برنامج "العرض المحدود لبيانات الطائرات" (LADD)، ولكن المزودين الذين لا يستخدمون بيانات إدارة الطيران الفيدرالية ليسوا ملزمين بالامتثال لتلك القيود وبوسعهم نشر المعلومات المنبعثة من جهاز المرسل المجيب في الطائرة.
عملت إدارة الطيران الفيدرالية على إصلاح هذه الثغرة عن طريق إخفاء رقم ذيل الطائرة مؤقتًا باستخدام برنامج "عناوين منظمة الطيران المدني الدولي الخاصة" (PIA). لكن الاشتراك في هذا البرنامج أشد تعقيدًا من الاشتراك في برنامج LADD، لأنه يتطلب إجراء تعديلات يدوية على جهاز المرسل المجيب واستخدام رموز اتصال مؤقتة.
وعندما يتعلق الأمر بهذه الرموز، تقول هايدي ويليامز، المديرة المسؤولة عن خدمات النقل الجوي في الاتحاد الوطني للطيران الخاص: "من المرجح أن تحتاج إلى تغيير هذا الرمز دوريًا". يُضاف إلى ذلك أن هذه الرموز الجديدة غير معروفة خارج المجال الجوي للولايات المتحدة الأمريكية.
تقودنا ثقافة تتبع المشاهير إلى حقيقة حاسمة، مفادها أن المتعقبين سيجدون سبيلاً إلى تلك البيانات إذا توفر الاهتمام العام. فعلى سبيل المثال، لا تستطيع إدارة الطيران الفيدرالية منع المتحمسين والمصورين من متابعة حركة الطيران في مطار محلي ثم مشاركة أرقام ذيل الطائرات مع العامة.
ويقول متحدث باسم الإدارة إنها وسعت نطاق استخدام برنامج PIA في الطائرات المسجلة في الولايات المتحدة ليشمل المجال الجوي الدولي الذي تديره الإدارة. ولكن لا توجد حاليًا آلية قادرة على إخفاء رموز الاتصال، لأن أنظمة ADS-B لا تحتوي على مفتاح للتشغيل والإيقاف.
في الوقت نفسه، يجري الاتحاد الوطني للطيران الخاص NBAA محادثات مع الاتحادات التجارية في كندا والاتحاد الأوروبي، حيث يتوزع نحو 40% من نشاط الطيران الخاص العالمي، لإنشاء برنامج دولي على غرار برنامج PIA. لكن التبني العالمي لهذا البرنامج سيتطلب، على ما يرى كار، "توسيع نطاق المحادثات ليشمل العالم كله، وذلك بغية تحديد مقاصده وكيفية تفاعله مع أنظمة مراقبة الحركة الجوية".
كل هذا يُشعر طيارين مثل جون كينغ، الذي تعرضت زوجته لتهديد جسدي، بالإحباط والغضب، ما دفعه إلى التساؤل: "لماذا ينبغي أن نتخلى عن خصوصيتنا كلما ركبنا طائرة؟"