أبصر مطعم Trèsind Studio النور في عام 2018 من حيث كونه ملحقًا بوجهة الطعام الهندي الفاخر تريسند في فندق فوكو بدبي، ولكن بعدد أقل من المجالس وباعتماد مفهوم تجريبي أكثر حصرية يرتكز إلى قائمة تذوّق متعددة الأطباق كرّست حضوره على خارطة أفضل خمسين وجهة للطعام في منطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا.
نزور استوديو تريسند في أعقاب انتقاله إلى سطح الجناح الشرقي لمجمّع نخيل مول التجاري في جزيرة النخلة بدبي، مستشرفين لذاك المستوى الرفيع من التمايز الذي أتقن استوديو تريسند صياغة معالمه، وربما يحثّنا على هذا الإدراك المبكّر فوز المطعم أخيرًا بنجمته الأولى من دليل ميشلان.
لكننا سرعان ما نستكشف في سياق تجربتنا الغامرة أن هذه النجمة لم تكن كافية لنستشرف ذاك الشعور بالانبهار الذي يستأثر بحواسنا على مرّ نحو ساعتين ونيّف من الوقت.
بل إن تصميم المطعم نفسه - الذي ينفتح على شرفة خارجية بمساحة 5000 قدم مربعة استُنبتت فيها حديقة حضرية بهدف تكريس مفهوم "من المزرعة إلى المائدة" – لا يشي بأي تفصيل عن تلك الرحلة التي تستلبنا إليها هذه الواحة: يبدو التصميم غاية في البساطة، ويكاد يقتصر على ست طاولات تتسع لما مجموعه 16 إلى 20 ضيفًا فقط وتواجه المطعم المفتوح حيث ينهمك فريق من الطهاة بمهامهم بكثير من الهدوء والتأني.
يقول مدير المطعم فيبين باوار: "لا نريد للمؤثرات التصميمية أن تشتت انتباه الضيوف عن الطعام. فهو النجم الحقيقي في هذه التجربة، ولوحة ألوان الهند تتجسّد هنا في الأطباق".
يعكس طبق زلابية الدجاج Tandoori Chicken Dumpling بمرق الطماطم البراعة في الارتقاء بهذا المكوّن المتواضع.
لا نلبث أن نستكشف هذا التوجّه فيما يتوالى على مائدتنا 17 طبقًا كل صنف منها يخاطب الأبصار إذ يرتسم لوحة فنية تصخب بحيوية ألوانها، فيما النكهات التي تختبرها ذائقتنا تكشف عن تناغم أضداد يكرّس عبقرية الطاهي هيمانشو سايني الذي يُعد اليوم واحدًا من أبرز صنّاع المذاقات الشباب على ساحة المطبخ الهندي. فسايني، الذي يرى في كل طبق رحلة للتطور المستمر، نجح في أن يغيّر المنظور العام للمطبخ الهندي وفي الارتقاء بتجربة اختبارنا لتنوّع الهند الثقافي من خلال الطعام، لذا يعد من أفخم المطاعم في دبي.
كانت بداية هذا الاختبار مقبلات متنوّعة بحجم لقمة واحدة في كل مرة، منها على سبيل الذكر وليس الحصر كرات باني بوري تُسكب فوقها سلطة بوميلو التي أعدت في هيئة شراب مدخّن، وكعكة دائرية من خبز رومالي روتي ولحم الضأن ونبات اللفت تختصر مذاقات جنوب الهند، وقطعة من لحم البط المدخّن تُقدّم مع الملفوف المدخّن واللومي الأسود العماني فوق ورقة من نبات الكبوسين وتشكل نسخة الاستوديو من شطائر التاكو الشهيرة ولكن بنكهة تستلهم مطبخ غووا، فضلاً عن قطعة من الكباب والشمندر النيء يكمّل طيبها تعارض مذاقات الشوكولاته البيضاء وخل الكرز البلسمي وصلصة التوت الأحمر.
طبق Duck Cafreal المكوّن من لحم البط والملفوف المدخن والمقدم داخل ورقة الكبوسين على نسق شطائر التاكو.
وفي نسخة مبتكرة من أطعمة الشارع الشعبية في الهند، يتربع على عرش هذه المقبلات طبق Blossom Chaat الذي يستحضر في الذاكرة واحدًا من أشهر أطعمة الشارع الهندية الشعبية، البطاطس بتوابل الشات المقدمة هنا مع هريس اليقطين وثلاث صلصات مختلفة إلى جانب مقرمشات من البطاطس نُحتت في هيئة فراشات.
وفيما يزيد الطابع الدرامي ولكن غير المتكلف الذي يعتمده فريق المطعم في تقديم إبداعات سايني، مظهرين في سياق ذلك مستوى متميزًا من الكياسة في الخدمة والمعرفة المعمقة بمكوّنات كل طبق وتقنيات إعداده، يستأثر بالحواس كلها التوازن المدروس بدقة بين مذاقات متجذرة في تقاليد المبطخ الهندي، تستلهم تنوع الأطباق بين منطقة وأخرى في شبه القارة الهندية، لكنها تكشف في الوقت نفسه عن مقاربة أكثر تفردًا وحس ابتكار أعلى تميزًا.
احتفاء بتقاليد تخليل المانغو، قرن من الفلفل المخلل يُقدم مع المثلجات بنكهة الكاري.
تتجلى هذه المعادلة المتقنة أيضًا في ما نختبره من أطباق رئيسة تشمل بداية قرنًا من الفلفل المخلل يحتفي بتقاليد تخليل المانغو في الهند ويُقدم مع مثلجات بنكهة مخيض الحليب والكاري، وقطعًا من السلطعون المشوي التي نلتقطها من داخل عود قرفة مدخّن، وزلابية تندوري الدجاج المقدّمة مع مرق الطماطم ومنقوع العدس الأسود والمنكهة بتوابل من مناطق الهند الشمالية.
نستسيغ أيضًا ثراء المذاقات في أصناف مثل ذيل الكركند مع عصيدة الذرة بالكاري، وكباب غالوتي المرفق مع الخبز المخمر طبيعيًا والذي يستنسخ الأطايب في محال الكباب بالهند، والأرز بالفطر والبصل الأخضر الذي يصاحبه شاي أسام بالفلفل الأحمر وحبات الصنوبر.
وإذ نختتم أمسيتنا بحلوى أعدت من شرائح العنب والمثلجات، تليها مكعبات من أقراص العسل تتربّع فوق مصباح على هيئة قمر وضّاء، فيما تنبعث في الأرجاء أنغام رائعة لفرانك سيناترا Fly Me to the Moon (حلقي بي إلى القمر)، ندرك أن ما تعد به هذه الوجهة ليس تجربة طعام ذات بعد درامي بقدر ما هو رحلة استكشافية عصية على الاستنساخ تشي بما يمكن لموهبة إبداعية فذة أن تحققه بمكوّنات تقليدية.