وفي ما يشبه فسيفساء من الجماليات البصرية التي تحتفي بالحرف اليابانية التقليدية، تتناغم عبر المساحة الداخلية للمطعم مواد طبيعية مثل الحجر والخشب، وجدران تصوّر حقول الأرز في موسم الحصاد، وألواح تتشابك خطوطها على نسق نمط كوميكو الياباني، وحواجز تبدو طافية في الهواء مثل شلالات من ضياء تستحضر في الأذهان إرث استخدام الذهب في قرية كامازان. 

وفوق المجالس المصنوعة حسب الطلب، تتمايل ستائر ذهبية ناعمة كأنها ألسنة لهب انعتقت من المطبخ المفتوح قبالتنا. ثمة حكاية أخرى تستأثر بنا في حجرة توياما الخاصة والتي تتسع لمجموعة من 18 ضيفًا يمكنهم تناول الطعام في خصوصية تامة. 

ففي تجسيد بديع لمهارة الحرفيين اليابانيين، يمتد فوق طاولة الطعام ذات الحواف غير المصقولة حبل شيميناوا ابتُكر يدويًا في مدينة توياما باليابان. 

حبل شيميناوا يمتد بطول 7.3 متر فوق مائدة الطعام في حجرة توياما الخاصة.

يُعد هذه الحبل الذي يحمل دلالات ثقافية ودينية عميقة في اليابان، الأكبر من نوعه على الإطلاق، إذ إنه يمتد بطول 7.3 متر ويزن 830 كيلوغرامًا. 

تكسو أرضية الغرفة أيضًا سجادة منسوجة يدويًا بأطراف خيوط مقصوصة، وخيوط على شكل حلقات، وتفاصيل من الحرير تتباهى بتدرجات اللونين الأخضر والذهبي في إيحاء مبتكر إلى حقول الأرز اليابانية والمزارع الجبلية. 

أما عبر السقف والجدار ذي الكسوة الحريرية، فتتابع فصول قصة ترجع بنا إلى الأزمنة الغابرة، بداية من الحقبة التي كانت فيها كيوتو هي عاصمة اليابان، ووصولاً إلى حقبتي الإيدو والميجي اللتين تستحضرهما مشاهد الزراعة والحياة الريفية. 

ترتار التونة الذي يُقدّم فوق طبقة من رقائق موناكا المقرمشة.

وإذا ما كانت هذه المؤثرات التصميمية التي تتزيّن بها أرجاء المطعم تشكل ترجمة متقنة لإرث ثقافي وفني وحرفي، فإن تجربة الطعام نفسها متجذرة في أرض هذه الإرث. 

على ما يوحي به الاسم، يحتفي مطعم Strawfire بأسلوب الطهي الياباني التقليدي واراياكي Warayaki أو "الطهي على نيران القش"، الذي يرجع إلى مئات السنين والذي أبصر النور في مقاطعة كوشي جنوبي البلاد.  

وفيما يتراقص لهيب النيران أمام أنظارنا في المطبخ المفتوح، تستأثر بذائقتنا مجموعة منتقاة من الأطباق التي نستكشف في ثرائها تفوّق روس شونهان في الاحتفاء بخيرات الطبيعة والحرفية في الطهي من خلال إبداعات تتلاقى فيها تقاليد اليابان الأصيلة وحيوية المطبخ المعاصر. 

تعكس الأطباق تفوق شونهان في المواءمة بين تقاليد اليابان الأصيلة وحيوية المطبخ المعاصر.

هذا ما تشهد عليه في مستهل رحلتنا الاستكشافية مقبلات نثني على مذاقاتها الجريئة ولكن المتوازنة، بداية من طبق ساشيمي لحم واغيو الياباني الذي يوازن طعمَه المذاقُ العشبي لنبات خردل ميزونا، وصلصة ياكينوكي الحلوة والمالحة، ومسحوق بونيتو المعد من التونة المجففة والمدخنة. 

يحضر هذا الإتقان لمعادلة التوازن أيضًا في طبق ترتار التونة الذي يُقدّم فوق طبقة من رقائق موناكا المقرمشة، منكهًا بطعم البصل الأخضر ومايونيز واسابي الحار، وفي طبق احتفالي بأبوظبي باسم Kanazawa X Abu Dhabi  يناغم بين السلطعون الملكي والكافيار ورقائق الذهب الصالحة للأكل.  

طبق Crab Don المعدّ من البيض على الطريقة اليابانية وبيض السلمون وصلصة أيولي المعززة بدهن السلطعون.

وبالرغم من أن لفائف السوشي وساشيمي الأسماك التي تحمل إشارة واضحة إلى المطبخ الياباني تستحق التجربة، إلا أنكم لن ترغبوا في تفويت الفرصة للانغماس في فلسفة إبداعية تختزلها قائمة مطوّلة من الأطباق التي تحكي قصة شغف شونهان بالابتكار ورحلاته المختلفة إلى اليابان. 

نختبر من هذه القائمة مأكولات بحرية غنية بالعصارة، مثل سمك القاروص المنكّه بصلصة ميزو الحارة ومخلل الخيار، وأطباقًا جانبية غير تقليدية في طليعتها طبق Crab Don الذي تتناسق فيه طبقات من البيض المعدّ على الطريقة اليايانية، وبيض السلمون وصلصة أيولي المعززة بدهن السلطعون. أما على عرش الأطباق الرئيسة، فيتربّع طبق شرائح لحم واغيو الياباني الذي تتصاعد الأبخرة منه محمّلة برائحة صلصة الشواء اليابانية. 

حلوى Strawberry Kagigori المكوّنة من المربّى والموشي والمثلجات بطعم الفانيليا.

نختتم تجربتنا بأصناف من الحلويات يتصدرها طبق The Icon الذي يزاوج بين مذاق الفواكه الاستوائية وجوز الهند والمرينيغ، وطبق Strawberry Kagigori المعدّ من المربّى والموشي والمثلجات بطعم الفانيليا، لكننا لا نتعجّل الانعتاق من الترجمة المتقنة لموسم حصاد ياباني تتعاقب حكاياته في إبداعات شونهان وعلى ألسنة أفراد طاقم المطعم الذين يظهرون مستوى خدميًا رفيعًا ومعرفة وثيقة بأدق التفاصيل، من التوجّه التصميمي إلى أسرار كل طبق ومكوّناته والمصادر التي ألهمته.