يصف الطاهي أرنو دونكيل كيف أنه استنشق مرة نفحات من عطر أحد المارة، فتأهبت حواسه انبهارًا بذلك العبق الآسر. نجلس مع الطاهي في زاوية خلفية من مطعم بلينيتود Plénitude في فندق شوفال بلان الباريسي الفاخر، الواقع قبالة جسر بون نوف Pont Neuf، والذي افتُتح في موسم الخريف الفائت ليشكل أول ملكية لمجموعة إل في إم إتش في العاصمة الفرنسية، ويسألني: "هل اختبرت مثل هذا الشعور يومًا؟". لكنه يستطرد من دون انتظار إجابتي ليستعيد تلك اللحظة عندما استثار ذاك العبير العابق في الأجواء أحاسيسه إلى حد أنه توقف لبرهة ليسترجع رباطة جأشه.
يقول دونكيل: "يشبه الأمر الوقوع في الحب من النظرة الأولى، ولكن سرًا فيما أمضي في سبيلي. ألتفت وفجأة يتملكني الشعور بالانبهار كأن شعاعًا من ضوء الشمس قد سطع". يقصد الطاهي البالغ من العمر 44 عامًا في حديثه هذا أثر العطر الخفي الذي يخلّفه صاحبه في المكان.
وفي مطعم بلينيتود، يعمل دونكيل مثل صانع عطور يسعى إلى استثارة انفعالات مختلفة تحرّض عليها رائحة متفرّدة، ولكن من خلال وسيلته الخاصة: الصلصات. تُعد أصناف المرق العطري، والنقيع، والقشدة، وصلصة الكريما البيضاء، نجوم الأطباق في المطعم، وكل صنف منها يشكل طبقًا يتكامل مع السمك والكركند والدجاج التي تُعد ببساطة "توابل للصلصة" على ما يقول.
مطعم Plénitude
يُنصح الزائرون بأن يتذوّقوا أولاً الصلصات المرافقة لأصناف الطعام والتي تُقدم في أطباق مبتكرة متنوّعة، بما في ذلك ما في مِرشّة مصغّرة مصنوعة من النحاس. يقول دونكيل: "نريدهم أن يدركوا عمق الصلصة وثراءها في حالتها الطبيعية بداية. بعد ذلك، سيُسهم المضغ في الارتقاء بالمذاق".
مطعم Plénitude
يشكل هذا المفهوم تحوّلاً كبيرًا عمّا يُقدم في مطعم لا فاغ دور La Vague d’Or في فندق شوفال بلان سان تروبيه حيث حاز دونكيل سنة 2013 ثلاث نجوم ميشلان تقديرًا لقائمة طعامه التي تركّز على مطبخ بروفانس. لكن ذاك المطعم المتميز بمذاقات فريدة هو أيضًا المكان نفسه حيث أثمر ابتكاره لصلصة الخل - المكوّنة من الزنجبيل الساخن وعصير اليوسفي المنكّه بالأعشاب، وبشر الليمون الحامض والليمون الهندي وزيت الزيتون بخلاصة اليوسفي – عن بداية ولعه بإبداع الصلصات. تندرج اليوم هذه الوصفة على قائمة الطعام الموسمية في المطعم الفرنسي (يبدأ فيه سعر خيار Symphony المكوّن من ستة أطباق من 450 دولارًا تقريبًا للشخص الواحد) حيث تُقدّم مع السمك والخضراوات.
مطعم Plénitude
يقول دونكيل: "لا أشعر اليوم بأني طاه بقدر ما أنا صانع صلصات". فيما تتوافر طرائق كثيرة لإعداد السمك أو شواء قطعة من اللحم، فإن تطوير أصناف جديدة من المرق والحساء الصافي يوفّر للطاهي منفذًا للابتكار لا يُستنسخ فيه أي شيء مرتين، على ما يقول، وعلى ما هو عليه حال عطر متفرّد ينبعث منه عبق تتباين نفحاته بحسب الشخص الذي يتزيّن به.
يقول دونكيل: "قد تستخدم الكمية نفسها من الماء والأعشاب، لكن النتيجة لن تكون نفسها في كل مرة. فالمذاق سيختلف في حال حُفظت الأعشاب في الثلاجة ليومين أو قُطفت في الصباح أو في فترة ما بعد الظهيرة. وهذا ما أحبه".