في إحدى الأمسيات الماتعة في صيف 2019، جمعت علامة ميشلان، شركة إطارات السيارات ذات التأثير البالغ في قطاع المطاعم، كبار الطهاة في الولاية الذهبية لإطلاق أول دليل للنجوم مخصص بالكامل لكاليفورنيا. وحدهم أولئك الذين تلقوا دعوة لحضور هذا الحدث ينتمون حقيقة إلى نادي هذا الدليل. لكن الطهاة يتساءلون: إلى أي مستوى من البراعة عليهم الوصول لضمان قبولهم في هذا النادي؟
كان الطاهي ويليام برادلي حاضرًا، وبدا أن المطعم الفرنسي المعاصر أديسون Addison الذي تولى إدارته في سان دييغو لعقد كامل يوشك على الفوز بنجمتين. غير أن ميشلان كان لها رأي آخر.
فبراعة برادلي الأنيقة في الطهو والتي ترتكز على الابتكار التقني أكسبت مطعم أديسون موقعًا في الدليل، ولكن ضمن فئة المطاعم الحائزة نجمة واحدة.
صحيح أن هذا التصنيف شكل إنجازًا مهمًا للطاهي المولود في سان دييغو، لكنه كان مخيبًا أيضًا على ما يقرّ برادلي قائلاً: "اعتقدت أننا قد نتمكّن من الفوز بنجمتين".
في قطاع يتدثّر فيه العديد من الطهاة برداء التواضع الزائف أو يراوغون في إظهار رغبتهم في كسب النجوم، أو حتى ما عادوا يأبهون حقيقة لرأي ميشلان في إبداعهم، يبوح برادلي، البالغ من العمر 46 عامًا، بوضوح برغبته القصوى: الفوز بثلاث نجوم ميشلان.
وفي هذا يقول: "الأمر أشبه ببلوغ قمة إيفرست. فالنجمة الثالثة هي الهدف الأسمى للمطعم وحلمه". بعد أن اجتاز الطاهي العقبات الأولية لضمان إدراج اسمه في الدليل، يبدو اليوم مستعدًا لإعادة ابتكار نفسه ومطبخه بهدف الفوز بهذه النجوم الثلاث.
عندما غادر برادلي الاحتفال وعاد أدراجه إلى مطعم أديسون، أدرك أنه لا يمكن للمطعم أن يستمر في المسار نفسه. لن يتأتى لمطعم أديسون الفوز بثلاث نجوم ميشلان إذا ما واصل تقديم طعام فرنسي في سان دييغو.
لا شك في أن هذا المطعم تفوق تقنيًا من خلال أطباق مثل الهليون وكافيار أوسيترا، وصلصة البيض الباردة (Sauce Gribiche) ومخفوق البيض، وباستا أنيوليتي المحشوة بجبن ماسكاربوني والمقدمة مع البازلاء والفطر. غير أن هذه الأصناف متوافرة بسهولة أيضًا في نابا فالي وهونغ كونغ وباريس. لذا حدد برادلي لنفسه هدفًا جديدًا يتمثّل بإثراء مطعم أديسون بحس المكان "الجدير برحلة خاصة" على حد تعبير ميشلان.
حوّل الطاهي كامل اهتمامه إلى حرفته، حتى أنه لم يعد يجد الوقت لركوب الدرّاجة بالرغم من أنه من أشد المتحمسين لهذه الرياضة وكان منذ وقت غير بعيد يقود درّاجته لمسافة تصل إلى 200 ميل أسبوعيًا. يقول برادلي ضاحكًا: "لم أعد أشارك في بطولة تور دو فرانس (Tour de France). من الصعب القيام بالمهمتين في آن واحد، وأنا اليوم أحاول تسلق جبل آخر".
تغيّرت أيضًا محاور اهتمام المطعم الذي طرأ تعديل على أسلوبه. تقول كبيرة الطهاة ستيفاني دي بالما: "انتقلنا من تقديم قائمة للتذوق إلى جانب قائمة الطعام التقليدية إلى الاكتفاء بقائمة التذوق فحسب. كان السبب في ذلك رغبتنا في تعزيز الثبات".
تضافرت جهود برادلي وفريقه حول أسلوب في الطبخ يطلقون عليه اسم "فن الطهو في كاليفورنيا" (California Gastronomy). تجلت الإيحاءات إلى هذا التوجه الجديد قبل الحظر العالمي سنة 2020 من خلال أطباق تشمل السلطعون بصلصة الكاري وجوز الهند مع ثمار زهرة الآلام.
الطاهي ويليام برادلي لن يألو جهدًا للانضمام إلى العظماء في دليل ميشلان.
مطعم أديسون في سان دييغو.
لكن فيما أعاد برادلي وفريقه افتتاح المطعم بعد انحسار الجائحة، شرعوا يتعمقون أكثر في المكونات المحلية المميزة للولاية الذهبية، وفي مذاقات عالمية مستلهمة من مجتمعات المهاجرين في جنوب كاليفورنيا. وبالرغم من الحفاظ على الدقة المميزة لمطبخ بلاد الغال، إلا أن قائمة التذوق المكونة من عشرة أصناف باتت تضم اليوم أطباقًا مثل حساء جوز الهند التايلندي Tom Kha Gai، الذي طورّه برادلي ودي بالما خلال أسوأ أيام جائحة كورونا عندما أقفل المطعم أبوابه وشرع الطاهيان يبحثان عن أطباق يبيعانها في هيئة طلبيات للخارج.
لكن التغييرات لا تشكل عملية إصلاح شاملة. صحيح أن الكافيار لم يكن غريبًا عن المطعم قبل تغيير توجهاته، إلا أن هذه الوجهة تحاول اليوم اكتساب شهرة جديدة من خلال طريقتها المتفردة في تقديم كافيار Regiis Ova فوق طبقة من أرز كوشيهيكاري القشدي إلى جانب صلصة سابايون المدخنة وبذور السمسم. يرتكز هذا الطبق إلى جذور المطعم الفرنسي وإلى "التقنيات اليابانية الأقل تعقيدًا التي طورّنا مهاراتنا في استخدامها" على ما تقول دي بالما.
ثمة مطاعم فاخرة تقدّم أطباقًا "مثيرة للاهتمام" تستثير حاسة الذوق، لكن نادرًا ما تبتكر هذه الوجهات أطعمة تثير البهجة، في حين أن هذا هو لب الموضوع. غير أن هذا الواقع لا ينطبق على مطعم أديسون الجديد. فبدءًا من لحظة الجلوس في المطعم التي تترافق مع توافد سلسلة من اللقمات المتنوعة، ومرورًا بطبق سمك القد المكرمل المقدم مع التونة المدخنة والمخللة Katsuobushi، وصولاً إلى فرخ الحمام المشوي مع شراب الملفوف الأحمر والفطر ونبات القرّاص، تخال أنك تختبر سمفونية متناسقة من ألوان ومذاقات لا تخرج عن إيقاعها. وأفضل ما في الأمر أنها سمفونية من ابتكار برادلي ولا تستنسخ إبداعات طهاة آخرين.
بالحديث عن الالتزام المتجدد الذي يبديه برادلي، يقول شون ماكغينس، مدير الخدمة في مطعم أديسون: "لديه إصرار راسخ على أن تعكس أطباقه شخصيته. الأمر يشبه بلوغه سن النضج. إنه يكتسب هوية خاصة به".