عند الفنانين اليابانيين، لا فرق بين مسار الإبداع ونتاجه
جيفري هورفيتز Jeffrey Horvitz
قلة من جامعي التحف اختبروا في عالم الفن مثل هذه المسيرة الزاخرة بالمنعطفات والتجارب التي عرفها جيفري هورفيتز، المستثمر المقيم في بوسطن. بدأت مغامرته في هذا المجال على نحو بريء عندما قرر العمل على بيع ملصقات المصور والنحات الفرنسي فازاريلي بوصف ذلك مصدر دخل إضافيًا يعينه في أثناء دراسته في أوائل سبعينيات القرن الفائت في جامعة كاليفورنيا - لوس أنجلوس. يقول هورفيتز: «ما أثار دهشتي إلى حد كبير أن أعمالي التجارية ازدهرت وأصبحت تستوجب تفرغًا كاملاً. ومن ثمَّ، كنت أمام خيارين: إما أن أواصل دراستي أو أن أفتتح صالة فنية. فكانت الغلبة للخيار الآخر».
لم تعرف الصالة الفنية نجاحًا معقولاً فحسب، وإنما وفّرت الفرصة لهورفيتز أيضًا لكي يعمل بروية على بناء مجموعة شخصية ضمّنها أعمال مبدعين بارزين يحظى فنهم ببالغ التقدير، ومنهم فرانز كلاين وجورج باركي. (أغلق هورفيتز أبواب الصالة في عام 1980 ليتسلم زمام إدارة عدد من الأعمال التجارية العائلية التي كانت تتطلب اهتمامه).
يعود العمل الخزفي Hisho «طيران» إلى عام 2012، وقد أبدعته فوجيكاسا
ساتوكو التي تصوغ أعمالها الفنية الأنيقة من الصلصال الغليظ بالغ المرونة
المتوافر في بلدة شيغاراكي في مقاطعة شيغا.
لكن بمرور الوقت، مهَّد افتتان هورفيتز بفن القرن العشرين الطريق أمام تنامي اهتمامه بالأعمال الفنية التي أبدعها قدامى كبار الرسامين، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين ينتمون إلى المدرستين الإيطالية والفرنسية. يقول هورفيتز: «انتهى بي المطاف إلى جمع أكثر من 1٫600 رسم، وكانت غالبيتها فرنسية». في ربيع العام الفائت، عُرض نحو 200 عمل فني فرنسي من مجموعة هورفيتز الخاصة في معرض بعنوان: From Watteau to David «من واتو إلى ديفيد» أقيم في متحف بوتي باليه، أو القصر الصغير، في باريس.
خلال السنوات الأخيرة، بدأ الاهتمام بالرسومات يُفضي هو أيضًا إلى الشغف بنوع آخر من الفنون تمثّل تحديدًا في فن صناعة الخزف الياباني المعاصر. ففي عام 2008، شرع هورفيتز وزوجته كارول في جمع روائع هذا الفن. منذ ذلك الحين، تنامت مقتنياتهما لتشمل أكثر من 800 ابتكار تحمل تواقيع نحو 325 فنانًا أكثرهم في أوج نجاحهم المهني. تبرز ضمن هؤلاء أسماء هاتوري ماكيكو، وفوجيكاسا ساتوكو، وتسوجيمورا شيرو، والخزّافان هوشينو ساتورو وزوجته هوشينو كايوكو.
المنحوتة الخزفية Vertical Ceramic Sculpture، عمل فني مصقول بطلاء دخاني أبدعه
هوشينو ساتورو عام 1991، وابتاعه الزوجان هورفيتز خلال زيارة إلى اليابان عام 2009.
يقول هورفيتز: «إن الأعمال الخزفية المعاصرة تختلف عما كان عليه فن الخزف في الماضي». اشتهر الخزافون اليابانيون تاريخيًا بالتركيز تحديدًا على تشكيل الأطباق وأواني تنسيق الأزهار، والأواني المرتبطة بطقوس حفلات الشاي اليابانية. أما ابتكار الأعمال الفنية باستخدام الصلصال، فلم يشكّل غاية في حد ذاته سوى في العقود الأخيرة. يلفت هورفيتز إلى أن عددًا من الفنانين ما زالوا يستخدمون في إبداعهم أساليب قديمة ترجع إلى آلاف السنين. بل إن بعضهم يواظب على خبز الفخار في قمائن مصممة في هيئة كهوف وتُعرف باسم «أناغاما». لكن هذه القمائن تزداد ندرة بسبب مجموعة من العوامل البيئية ليس آخرها كمية الأخشاب الهائلة المطلوب استخدامها وقودًا لتشغيل القمائن طيلة أيام وربما أسابيع في كل مرة.
وإذ ينوّه جيفري بأن الجمال الحقيقي لإناء من الخزف يكمن في أجزائه غير المرئية، يقول: «عند الفنانين اليابانيين لا فرق بين مسار الإبداع ونتاجه. فالمظهر الداخلي للإناء مهم قدر أهمية شكله الخارجي. كما أن قعره مهم قدر الجزء العلوي منه». ويضيف هورفيتز أن الاهتمام بالتفاصيل هو تحديدًا ما يشير إلى جمال القطع الفنية وإبداع الفنان.
عندما يتعلق الأمر باقتناء الأعمال الخزفية، يلتزم جيفري وكارول بمعايير صارمة، وينطلقان من شعار «لا أعمال فنية سطحية ومبتذلة، ولا أعمال رمزية». كما يميل الزوجان إلى تجنب القطع ذات الصلة بطقوس حفلات الشاي، باستثناء جِرار الماء وأواني الشاي، وخصوصًا تلك التي أبدعها الفنان تسوجيمورا الذي يصفانه بالقول: «إنه فنان ارتقى بالأوعية الفخارية التقليدية إلى مستوى جديد كليًا فيما يتعلق بالملمس».
A Small Leaning Form with Glass Cover، مجسم صغير مائل يعلوه غطاء زجاجي
(من عام 2010) ابتكره الفنان كوندو تاكاهيرو الذي حفزت أعماله اهتمام الثنائي
هورفيتز بالخزف الياباني.
تُعد مجموعة هورفيتز من الابتكارات الخزفية المجموعة الأكبر المحفوظة خارج اليابان. ربما الأهم من ذلك أنها جُمعت من خلال مسار تضمّن مداولات مع خبراء وأصحاب صالات فنية موثوقين (مثل جوان ميرفيس في نيويورك)، ورحلات إلى اليابان لزيارة الفنانين في محترفاتهم، وذلك بهدف التعرف عن كثب إلى طبيعة عمل كل خزّاف وفنه. أضف إلى ذلك أن مسار اقتناء كل قطعة كان يلحظ إمكانات إعارتها للمتاحف أو ضمّها إلى مجموعات هذه الأخيرة بشكل دائم.
سارع جيفري إلى التنويه بأن الخزف الياباني يبقى، مقارنة بأعمال خزفية مصدرها مناطق أخرى، موضوع صفقة مربحة نسبيًا من الناحية المالية. فأسعار الأعمال الخزفية التي تحمل تواقيع فنانين بارزين تراوح بين ثلاثة آلاف دولار و30 ألف دولار. قد يتجاوز سعر القطع المهمة والكبيرة الحجم مئة ألف دولار. يقول هورفيتز إن الأعمال الخزفية مرتفعة الأسعار هي في العادة تلك التي أبدعها قدامى كبار الفنانين الراحلين أمثال كامودا شوجي، وإيتايا هازان، وياغي كازو، الذين ذاع صيتهم في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
إناء الزهر Autumn Sunset «غروب خريفي» المصقول بالرماد الطبيعي،
يرجع إلى عام 2011، من إبداع هوشينو ساتورو. يندرج الإناء ضمن مجموعة من 11 عملاً
لساتورو تعود ملكيتها إلى الثنائي هورفيتز.
منذ أن شرع الزوجان هورفيتز في جمع التحف، لاحظا ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار الأعمال الفنية في السوق. تقول كارول: «عندما بدأنا اقتناء إبداعات فوجيكاسا، وهي فنانة في الثلاثينات من العمر تنتج نحو 12 قطعة كل عام، كان يمكن شراء أي من ابتكاراتها بنحو عشرة آلاف دولار». أما اليوم، فإن إبداعات فوجيكاسا الأنيقة تباع بحسب كارول بسعر يراوح بين 30 ألف دولار و60 ألف دولار. وتضيف: «إذا استثنينا العامل الاقتصادي، يمكن القول بأن أكثر ما يهم في عملية جمع التحف هو تسليط الضوء على هؤلاء الفنانين عالميًا، وتوفير منصة تسمح للعالم خارج تخوم اليابان باستكشاف ما هم قادرون على تحقيقه».
إناء الزهر Autumn Sunset «غروب خريفي» المصقول بالرماد الطبيعي، يرجع إلى عام 2011، من إبداع هوشينو ساتورو. يندرج الإناء ضمن مجموعة من 11 عملاً لساتورو تعود ملكيتها إلى الثنائي هورفيتز.