قد توحي وفرة الشركات الناشئة أن الصنّاع المستقلين للسيارات في أتم صحة وعافية. لكن هل ينجح حقيقة أي من هؤلاء الصنّاع في أن يكمل مشواره الطويل؟
بن أوليفر Ben Oliver يجيب..
بوصفي صحافيًا يمتلك بعض الخبرة في عالم السيارات، يجري التواصل معي من حين إلى آخر بشأن مشروع خاص. قبل بضع سنوات، عملت مع شركة للاستثمارات الخاصة كانت تدرس فرص الاستثمار في مصانع صغيرة لإنتاج السيارات الرياضية في بريطانيا. حددنا في سياق عملنا البحثي 22 علامة جديدة أو مستعادة جرى إطلاقها خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، على غرار علامتي إنفيكتا Invicta وأوستن – هيلي Austin – Healey.
لكن شركة آرييل Ariel هي الوحيدة التي حققت البقاء ضمن الشركات الناشئة الاثنتين والعشرين. لا تنفك هذه الشركة تصنّع مركباتها الرياضية ثنائية المقاعد ذات الإطار الهيكلي والتي تحظى بتقدير واسع النطاق، ولكن بأعداد صغيرة جدًا.
يُعد تصميم سيارة جديدة الجزء الأسهل من المهمة. فالصعوبة الحقيقية تكمن في بناء السيارة بالحجم الواقعي وتجهيزها بأبواب تُفتح محدثة صوتًا مميزًا. لكن آرييل نجحت في ضمان استمراريتها عندما قررت ألا تكترث للحجم أو الأبواب، أو الزجاج الأمامي (إلا إذا طلبه الزبون)، أو السقف، أو أي من "وسائل الراحة" التي تشتمل عليها مركبة تقليدية.
غير أن الشركة التي تصنّع مركباتها على هذا النحو البسيط، ولكن الذي يجعلها تخلو من عنصر الجاذبية، لن تحقق أي مكاسب مالية أو تدخل سوق الاكتتاب العام. أما الشركات الإحدى والعشرون الأخرى، التي حاول معظمها صنع سيارات رياضية تقليدية، فاكتشفت أن هذه المهمة تستغرق وقتًا أطول وتنطوي على كلفة أكبر ممّا كانت تتوقعه أو كانت تستطيع تحمّله. هذا ما هو عليه الحال دومًا. في نهاية المطاف، أنفقت شركة الاستثمارات الخاصة أموالها في مكان آخر.
كان قطاع السيارات يُعرف حتى وقت غير بعيد باندثار علامات قديمة مرموقة، على غرار ساب، وبونتياك، وأولدزموبيل، أكثر ممّا يشتهر بظهور علامات جديدة على ساحته. لكن التفاؤل والانتهازية كانا يتفوقان دومًا على دروس التاريخ، ولطالما وجدت نفسي أكتب عن شركة جديدة ناشئة في مجال تصنيع سيارة رياضية أو المركبات الفاخرة أو المركبات الكهربائية. صحيح أني كنت آخذ هذه الشركات كلها على محمل الجد، إلا أني لم أكن أتوقع لها النجاح.
لكن الأمور بدأت تتغيّر. يمكن القول إننا نشهد اليوم بروز شركات ناشئة موثوقة لتصنيع السيارات يفوق عددها (يبلغ 20 شركة على الأقل).
ما كان عليه في أي وقت مضى منذ السنوات الأولى لما يشبه الغرب الأمريكي الجامح في قطاع السيارات خلال العقدين الأول والثاني من القرن العشرين، عندما كانت الغلبة للتفكير الحر والتباين على مستوى التصميم.
تسعى علامات فاخرة مثل ريفيان Rivian، ولوسيد Lucid، وفيسكر Fisker إلى ترسيخ مكانتها من حيث كونها شركات تصنّع السيارات بكميات كبيرة. في المقابل، تنشط مجموعة من الشركات الناشئة المصنّعة للمركبات الكهربائية الخارقة بأعداد قليلة، على غرار ريماك Rimac، ودراكو Drako، وبيتش Piech، في مجال تطوير سيارات كهربائية عالية الأداء لاستقطاب زبائن أصغر سنًا لم يُبدوا من قبل اهتماماً بالقوة التي تنتجها محركات تعمل بالوقود الأحفوري.
ثمة سببان جليان نوعًا ما لهذا الازدهار المفاجئ: تسلا، والتحوّل إلى الطاقة الكهربائية. قد يقول لك البعض إن هندسة السيارات الكهربائية أسهل من تطوير المركبات المجهزة بمحركات احتراق داخلي، ما يفتح الباب أمام شركات جديدة. لكن هذا الأمر ليس صحيحًا بالضرورة.
لا شك في أن عددًا أقل من الأجزاء المتحركة يقبع تحت غطاء السيارة الكهربائية، لكن ضمان الأداء الفعّال لنظام الحركة، وتحقيق التوازن المثالي بين القوة، والوزن، ومدى السفر، يفرضان تحديًا حقيقيًا على الصانع. لهذا السبب تبقى علامات مثل تسلا وريماك، اللتين اجتهدتا لوقت أطول في تطوير تقنياتهما الخاصة لأنظمة الدفع، متفوقة على نحو لا يقبل الشك في مجالات عدة مقارنة بكبار صناع السيارات بالرغم من المليارات التي ينفقها هؤلاء على الأبحاث والتطوير.
لا شك في أن الشركة الناشئة تستطيع ببساطة شراء مجموعة قيادة كهربائية، أو هيكل داخلي مكتمل، من أحد المورّدين، ثم كسوته ببنية خارجية من تصميمها. لكن هذا الخيار كان دومًا متاحًا لصنّاع السيارات، وبعضهم يجلب المحركات من مرسيدس مثلاً، على ما هو عليه حال باغاني وأستون مارتن.
لكن الفرصة الحقيقية تجلت بسبب الإرباك الذي ألحقه بقطاع السيارات التحوّل إلى الطاقة الكهربائية. يبدو الأمر مجددًا أشبه بالغرب الجامح وحيث الاستيلاء على الأراضي يتخذ شكل ترسيخ الحضور في قطاع صناعة المركبات الكهربائية. كان طرح كبار صنّاع السيارات لنماذج كهربائية من مركباتهم بطيئًا.
كما أنهم لم يعمدوا في سياق ذلك إلى استكشاف كامل الإمكانات التي تتيحها المركبات الكهربائية. في المقابل، يبدو الزبائن أكثر انفتاحًا.
إننا على أتم الاستعداد لكسر تقاليد التسوّق القديمة بموازاة تعلقنا بالوقود.
كما أن رأس المال الضخم المطلوب للبدء بتصنيع السيارات على نطاق واسع يتدفق بسهولة وبكلفة قليلة نسبيًا من جانب شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة، والصناديق والأفراد الموسرين الذين يرغبون في أن تكون لهم حصة من شركة تسلا المقبلة.
صحيح أن المسار بات مكلفًا أكثر من ذي قبل، ويستغرق وقتًا أطول مما هو مخطط له، لكن الشركة الناشئة ستجد اليوم التمويل اللازم لذلك بقدر أكبر من السهولة.
لكن فيما تنجح الشركات الناشئة في تصنيع مركبات كهربائية، هل يجدر بنا شراء هذه السيارات؟ لن ترغب بوصفك مستهلكًا في أن ينتهي بك الأمر مع سيارة يتيمة هلكت الشركة الأم المنتجة لها آخذة معها كل القطع التي قد تحتاج إليها وإمكانية صيانة مركبتك مستقبلاً. بل إنك تريد لسيارتك الجديدة التي ابتكرتها شركة مصنّعة جديدة أن تشكل انطلاقة فصل جديد في تاريخ صناعة السيارات وليس حاشية في ذيل الحكاية. لكن كيف لك، سواء أكنت شاريًا أو مستثمرًا، أن ترصد الشركات الرابحة المحتملة؟
إنها مهمة صعبة. كنا من قبل نعتقد أن العلامات الفاخرة الجديدة الناشئة تحتاج إلى تقديم منتج عالي الجودة وتجربة للزبائن تضاهي ما تتيحه شركات مثل بورشه أو مرسيدس، الأمر الذي ستجاهد أي شركة ناشئة لتحقيقه منذ بداياتها. لكن يبدو أن تسلا تدحض هذا الاعتقاد. فنجاحها الصاخب لم يتأثر على ما يبدو بعيوبها المعروفة على مستوى الجودة. تسلمتُ مؤخرًا نموذجًا من سيارات تسلا من أحد مراكز التسليم التابعة للشركة في المملكة المتحدة.
كان المركز خيمة بيضاء رخيصة ارتفعت في ما كان ليشكل مرآب سيارات فسيحًا ومقفرًا، وجُهزت بنظام تدفئة يستمد للمفارقة الطاقة من مولّد صاخب يعمل بالديزل. كانت الخيمة تشابه على مستوى وسائل الراحة والفخامة محطة لتضميد الجراح في ساحة المعركة. لكن بدا أن الزبائن من حولي لا يكترثون لذلك. كان جل ما يريدونه هو تسلم سياراتهم.
أن تكون المركبات نفسها جذابة المظهر ومتميزة، فذلك يعني أننا مستعدون أكثر للتغاضي عن هذه العيوب. فالتصميم اللافت وأرقام الأداء المبهرة تبقى أكثر أهمية من جودة القهوة التي تُقدم في صالة العرض. كان من الأسهل أيضًا لتسلا أن تستفيد من الواقع في وقت لم يكن فيه كبار صنّاع السيارات قد تنبهوا بعد إلى المركبات الكهربائية. من المرجح أن تستفيد ريفيان لبعض الوقت على الأقل من تلك المنافع لتتقدم على منافسيها في مجال تصنيع الشاحنات.
لكن في ما يتعلق بسيارات الركاب، فستواجه تسلا صعوبة أكبر للحفاظ على موقعها الريادي، أو سيكون من الصعب على الشركات الجديدة أن تبني لنفسها مكانة مماثلة في ظل توجّه الشركات العريقة في مجال صناعة السيارات إلى رفع سقف اللعبة في مجال إنتاج المركبات الكهربائية ونجاحها في الارتقاء إلى المستوى الجديد. يعني ذلك أن القادمين الجدد يحتاجون إلى الاستمرار في التفكير والتصميم على طريقة الشركات الناشئة حتى عندما لا يعود ذلك حالهم.
لا تعتمد سيارات المصنعين الجدد كلها بالطبع على الطاقة الكهربائية. فالسيارة الخارقة T.50 من غوردن موراي تستخدم محرك V-12 من اثنتي عشرة أسطوانة يعمل بالسحب الطبيعي، فضلاً عن علبة تروس يدوية. كما أن جيم راتكليف، عملاق الصناعات الكيميائية البريطاني، ينشط لبناء سيارة Ineos Grenadier العملية المخصصة للطرقات الوعرة – والتي تعتمد على محرك اختراق داخلي – بعد أن ارتقت لاند روفر بطراز ديفندر إلى فئة المركبات الفاخرة.
لكن أكثر ما يستثير اهتمامي هو الشركات الناشئة في مجال صناعة المركبات الكهربائية. فأمام هذه الشركات فرصة لإحداث تغيير جذري يطال شكل قطاع السيارات، والأسواق، ومعدل تحوّلنا إلى نظام الدفع الكهربائي والحد من الانبعاثات التي نتسبب بها. إذا ما عمدت إلى إجراء الاستطلاع حول المجموعة الحالية من الشركات الناشئة بعد 15 عامًا، عندما تتراجع حدة الإرباك وتسود بعض السكينة في عالم الغرب الجامح بقطاع السيارات، فإني أعتقد أني سأجد أكثر من شركة واحدة نجحت في الحفاظ على استمراريتها.
بن أوليفر صحافي متخصص في الكتابة عن السيارات حاز جوائز عدة، ويتخذ من المملكة المتحدة مقرا له.