طبيعة العلا الساحرة والإرث الحضاري المميز لها يجعلانها الوجهة المثلى لاحتضان الفنون، على ما شهدنا في سياق مهرجان العلا للفنون الذي أقيم من تاريخ التاسع من فبراير إلى الثاني من مارس لعام 2024. وفيما جمع المهرجان تحت مظلته أعمالاً إبداعية من معارض الفن المعاصر وتراكيب فنية أقيمت في الهواء الطلق، تمثلت إحدى أبرز فعالياته بتعاون فنون العُلا (الهيئة الملكية لمحافظة العلا) مع جائزة إثراء للفنون.
تُعد جائزة إثراء للفنون أكبر منحة فنية في المنطقة مُتاحة للفنانيين المعاصرين، وقد جرى إطلاقها من قبل مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) في عام 2017 لدعم الفن والفنانين السعوديين والمقيمين في المملكة.
وفي نسخة هذا العام من الجائزة، التي حملت شعار "الفن في الطبيعة"، جرى التركيز على ما تتمتع به العلا من حيث كونها أرض الحضارات الغنية بالكنوز الطبيعية، وعلى أهمية ترسيخ الموارد الطبيعية المحلية في تنفيذ الأعمال الإبداعية، فضلاً عن أهمية تفاعل الجمهور في تنمية المشهد الفني. وكانت جائزة هذه النسخة من نصيب الفنان عبيد الصافي التي عبّر من خلال مأثرته "نخيل في عناق أبدي" عن افتتانه بالطبيعة الصحراوية وشغفه بحماية مظاهر الحياة فيها من تأثيرات الاحتباس الحراري.
النخيل في رسالة ملهمة
في التاسع من شهر فبراير الفائت، أميط اللثام في العُلا عن العمل التركيبي "نخيل في عناق أبدي" بحضور ممثلين عن الهيئة الملكية للعلا وممثلين عن جائزة إثراء للفنون، وفنانين وهواة استكشفوا مقاربة الصافي الإبداعية والارتباط الوثيق بين العمل الذي ابتكره والعُلا. وفي هذا قالت فرح أبو شليح، رئيسة متحف مركز الملك عبدالعزيز الثقافي (إثراء) إنها فخورة بالعمل الفني رفيع المستوى الذي قدمه الصافي، مشيرة إلى أنه يعد عملاً فنيًا متمايزًا لأنه يعبر عن قضية مهمة، وهي قضية الاحتباس الحراري، بقدر ما يعبر بشكل مباشرة عن المملكة وثقافتها عن طريق استخدام النخيل.
وإذ نوهّت أبو شليح إلى أهمية إنشاء هذه المبادرات لدعم الفن والفنانين ماديًا وتقنيًا وتزويدهم بمنصة عالمية لعرض فنونهم، أشارت إلى أن التعاون مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا سوف يقود إلى تأثير إيجابي أكبر، خصوصًا أن رؤية الهيئة تتوافق مع رؤية مركز الملك عبدالعزيز الثقافي لجهة توفير منصة للمبدعين.
AlUla
نخيل وحبال معادة التدوير
يركّز الفنان السعودي عبيد الصافي في مقاربته الفنية على التكنولوجيا الحديثة، فيدمج تقنيات الفيديو والبيانات في أعماله. وإذ يرصد تأثير البيانات على الواقع الملموس والذاكرة الاجتماعية ودورها الرئيس في عالمنا الحديث، بموازاة تسليط الضوء على العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا، يوظّف أيضًا في مسعاه الإبداعي التصوير الفوتوغرافي والأدب العربي.
يستمر عرض "نخيل في عناق أبدي" في العُلا بجوار الواحة حتى تاريخ 23 مارس الجاري. وقد استلهم الصافي مأثرته الإبداعية الفائزة بجائزة إثراء للفنون من أشجار النخيل المنتشرة في كل مكان في مختلف أنحاء شبه الجزيرة العربية، ومن رمزيتها الخالدة في ثقافتنا.
AlUla
وفي هذا يقول: "استجابة للدعوة المفتوحة لجائزة إثراء للفنون لعام 2023، والتي بحثت عن تفسيرات فنية للمناظر الطبيعية والتراث في العلا، وجدت الإلهام في أكثر من 2.3 مليون نخلة في واحة العُلا. تعد أشجار النخيل جزءًا مهمًا من هوية شبه الجزيرة العربية وتاريخها، ورمزًا لإرث ثقافي وبيئي ينبغي أن نحافظ عليه".
ويضيف الصافي: "لطالما مثل النخيل الازدهار وهو متجذر بعمق في تقاليدنا. ومع وجود العديد من أشجار النخيل التي تواجه تهديدات، أود أن أشجع على التفكير في سبل حمايتها ولفت الانتباه إلى أهمية الحفاظ على تراثنا الطبيعي والثقافي".
لتحقيق هذا المسعى، صنع الفنان السعودي عمله التركيبي من 33 جذعًا من أشجار النخيل التي يدعم بعضها بعضًا فيما تربط بينها حبال مصنوعة من مواد معاد تدويرها. على أن الناظر لا يمكن إلا أن يستحضر في هذه المقاربة الإبداعية الإيحاءات إلى أعمدة رجاجيل التي يبلغ عمر 5000 عام في قرية الفاو، مسقط رأس الصافي. وعن كونها مصدر إلهام يقول: "لطالما سحرتني أعمدة رجاجيل. إنها شهادة على التاريخ والثقافة الغنية لمسقط رأسي. إن رؤيتي لها في زمن الطفولة ترك انطباعًا دائمًا لديّ، خصوصًا أنها تشكل مثالًا حيًا على تقاطع التاريخ والطبيعة والفن والثقافة".