كانت بدايات شركة هيرميس Hermès الفرنسية للمنتجات الجلدية الفاخرة والساعات والمجوهرات وإكسسوارات المنزل والأزياء والعطور، كما نعرفها اليوم، لا تشبه ما آلت إليه العلامة. وعلى الرغم من أن مؤسس العلامة تيري هيرميس استهدف شريحة النبلاء عندما أطلق العلامة العريقة ومنتجاته الواعدة المصنّعة بعناية عام 1873، إلا أن ذلك الاستهداف بدأ بإكسسوارات العربات التي تجرها الخيول.

نشأة هيرميس

عندما هاجر تيري هيرميس إلى فرنسا عام 1828، قادمًا من ألمانيا، أسس عقب ذلك في عام  1937 محترفًا لصناعة الأحزمة والألجمة عالية الجودة لتجارة النقل، وذلك في منطقة غران بوليفار بالعاصمة الفرنسية باريس، الواقعة بين ساحتي الأوبرا والجمهورية، والتي كانت تشتهر بكونها مركز الحياة والفن والمحال التجارية والمتاحف.

حققت العلامة الفرنسية نجاحاً ونالت جائزتين لتميزها عامي 1855 و1867، لتنتقل بعدها العلامة عام 1880 إلى شارع فوبور سانت أونوريه، الذي وإن لم يكن في سعة شارع الشانزليزيه التجاري، إلا أنه يعد ضمن الأشهر في العالم بسبب وجود علامات الأزياء الفاخرة على جانبيه، ولتبقى هيرميس هناك حتى يومنا هذا.

سروج الأحصنة بتوقيع هيرميس

شرعت العلامة في التوسع لتبدأ بإنتاج سروج الأحصنة. وكان ابن المؤسس الأول للعلامة تيري هيرميس وأحفاده هم الذين أطلقوا الإصدار الأول من هذه السروج، والذين شرعوا أيضًا في تحقيق وجود لمنتجات العلامة في متاجر بالبيع بالتجزئة. كما شرعت هيرميس تستهدف النبلاء في مناطق أوسع من العالم داخل أوروبا وشمال إفريقيا وروسيا وآسيا والأمريكتين.

رسخت هيرميس وجودها في سوق صناعة الجلود الفاخرة العالمي بمزيد من القطع المرتبطة إلى يومنا هذا بعالم الفروسية، فجاءت حقيبة الحزام العالية، التي كانت مصدراً للإلهام في تصميم الحقائب النسائية الفاخرة للعلامة في وقت لاحق من تاريخها. وقد خُصصت تلك الحقيبة للفرسان حتى يتمكنوا من حفظ السروج، أو أي من أدوات أخرى تُستخدم في امتطاء الفرس داخلها. وبعد أن تقاعد الابن، تولى الأحفاد مسؤوليات بقاء العلامة، وأطلقوا عليها اسم الإخوة هيرميس.

واكب ذلك تزويد العلامة لقيصر روسيا بالسروج. وكانت هيرميس أيضًا أول دار في فرنسا أدخلت السحّاب في المنتجات الجلدية والملابس، بعد شرائها براءة اختراع لمدة عامين عن اختراع كندي، وهو ما مهّد الطريق نحو إنتاج هيرميس لأول سُترة من الجلد للغولف مزوّدة سحّاب للأمير إدوارد الثامن ملك المملكة المتحدة، ليقترن السحّاب بعد ذلك باسم هيرميس أو قفل هيرميس نظراً للحقوق الحصرية التي امتلكتها العلامة لدمج السحّاب في منتجاتها.

خط للأزياء الفاخرة

كانت السترة الجلدية التي صُنعت حصريًا للأمير إدوارد بداية لخط إنتاج هيرميس للملابس الجلدية، لتطلق العلامة الفرنسية في فترة العشرينيات من القرن الماضي منتجات متعددة شملت خط الملابس الجاهزة، والساعات ذات الأساور الجلدية، والقفازات الجلدية. وشهدت حقبة العشرينيات افتتاح العلامة متجرين لها خارج حدود باريس المحتضنة لها منذ بدايتها، وكان الموقع المختار للمتجرين داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

ومع نهاية عقد العشرينيات، أزاحت هيرميس الستار عن أول مجموعة أزياء راقية "هوت كوتور" للنساء حيكت يدويًا وباستخدام مواد فاخرة وحصرية، وذلك في باريس عام 1929.

حقائب هيرميس النفيسة

جاءت النقلة البارزة الثانية في تاريخ هيرميس في حقبة الثلاثينيات مع إطلاق الابتكارات الأيقونية التي لا تنفك تشكل مثار حديث المحيطين بأي شخص يحملها. فلا يمكن للعين أن تُخطئ حقائب هيرميس الشهيرة بتصميمها المتفرّد وموادها عالية الجودة، ومنها حقيبة "دى بيش" قريبة الشبه من هيئة حقائب الرجال وقتئذ، والتي عُرفت لاحقاً باسم "حقيبة كيلي" Kelly Bag تيمنًا باسم الممثلة الأمريكية الشهيرة في أفلام الخمسينيات غريس كيلي.

فقد أعُجبت النجمة الهوليوودية بحقيبة هيرميس العملية الراقية للمرة الأولى عندما  ظهرت بها في فيلمها "أن تمسك سارقاً" الذي أُنتج عام 1954.

حقيبة بيركين من هيرميس

Hermès

أما حقيبة بيركن Hermès Birkin، التي تعد مطمعًا لأي سيدة، فهي ليست من الحقائب التي يمكن الحصول عليها بسهولة في المتاجر. بل ثمة قائمة طويلة من الانتظار لمن يريد اقتناءها لأن هيرميس تنتجها بكميات محدودة للغاية، ولذا تعد الحقيبة الأغلى بين مختلف ابتكارات علامة هيرميس من الحقائب.

ويختلف ثمن الحقيبة وفقًا لنوع الجلد الذي تُصنّع منه يدويًا وحجمها. فالحقيبة تُبتكر من خامات بالغة الفخامة تشمل جلد التمساح وجلد النعام وجلد الثعابين. وقد حملت هذه الحقيبة اسم بيركن لأن الممثلة الإنكليزية جين بيركن هي التي ألهمت تصميمها.

ففي رحلة من باريس إلى لندن سنة 1984، كانت الممثلة بيركن تجلس في المقعد المجاور لمقعد جان - لوي دوما، الرئيس التنفيذي لدار هيرميس، وعندما سقطت محتويات حقيبتها أرضًا، اشتكت أمامه قائلة إنها تعجز عن العثور على حقيبة تناسب لوازمها.

وهكذا أبصرت حقيبة بيركن النور بتصميم عملي مميز وتحوّلت بمرور السنين إلى ابتكار نفيس يدلّ على المكانة الرفيعة والثراء ويحقق في المزادات أرقام بيع قياسية.

حقيبة كيلي من هيرميس

Hermès

أوشحة أيقونية وأساور أنيقة

أما وشاح هيرميس ذو الوجود البارز والممتد في هوية الأزياء الفرنسية، فقد أصدرته هيرميس للمرة الأولى عام 1937. فقد صمم الوشاح الأول روبرت دوما، أحد أفراد عائلة هيرميس، عبر رسم خشبي، ليتجسد على الوشاح مشهد لسيدات ذات بشرة بيضاء مجتمعات من حول طاولة للمشاركة في لعبة شعبية آنذاك، بينما يلتف في دوائر أوسع نطاقًا ويحيط بالسيدات رسم متكرر لعربة تجرها الخيل بألوان متعددة.

وقد حيك الوشاح من الحرير الصيني الخام بتقنية الطباعة بالشاشة. وما زالت هذه التقنية معتمدة في محترفات هيرميس الواقعة خارج مدينة ليون الفرنسية، حيث تستغرق عملية إنتاج كل وشاح حوالي 18 شهرا تمر فيها بمراحل طويلة، فيستغرق الرسّامون وحدهم مدة ستة أشهر لاختيار الألوان المميزة لكل وشاح، والتي تكون في المتوسط ما يقارب 27 لونًا.

وشاح هيرميس

Hermès

أما أول سوار من مجموعة إكسسوارات هيرميس، فظهر عام 1938 باسم "سوار المرساة"، وهو يتألف من سلسلة بها دعائم أو خطوط إرساء، وتُعزز كل رابط منها قطعة من الصلب، وهي السند الذي يستخدم لمنع رابط السلسلة من الانكسار.

وقد استُلهم التصميم المميز لذاك السوار من شكل مرساة السفن، ولكن مع وصول رحلة هيرميس إلى تلك النقطة، صار مصممو الدار يستلهمون تصاميم الإكسسوارات من الرسوم والكتب والقطع الفنية، فشهد عام 1949 إطلاق منتجين جديدين للعلامة، هما رابطة العنق الحريرية، وأول عطر يحمل اسم هيرميس.

ساعات هيرميس بختم الجودة السويسري

بخلاف الحقائب والأوشحة التي يراعى فيها الاهتمام الفائق بالتفاصيل خلال مختلف عمليات إنتاجها اليدوي، تشمل اليوم المنتجات التي تخلد اسم هيرميس الساعات التي تعاقدت الدار الفرنسية في سبيل إطلاقها مع مصنع الساعات السويسرية الشهير "يونيفرسال جنيف".

وانطلق إنتاج أول خط من ساعات الكرونوغراف الرجالية في منتصف الثلاثينيات، وكانت تُصنّع من الذهب عيار 18 قيراطًا، أو من الفولاذ المقاوم للصدأ، إضافة إلى ساعات نسائية تلتف حول المعصم ويغلب عليها طابع الآرت ديكو.

سوار هيرميس ذات اللون البرتقالي المميز

Hermès

عودة ميمونة

اتخذت هيرميس شعارها الحالي على الصناديق البرتقالية المميزة التي تستخدم في حفظ ابتكاراتها الثمينة منذ بداية الخمسينيات. كما صار خط إنتاج العطور شركة تابعة لعلامة هيرميس منذ عام 1961.

لكن في عقد السبعينيات، لاحظ محللون أن أرباح هيرميس تنهار في مقابل استمرارها في بناء ابتكاراتها من المواد الطبيعية النادرة وفائقة الجودة مثل الحرير والجلد، في عصر شهد طفرة في استخدام الأقل فخامة مثل البلاستيك والبوليستر. انخفض آنذاك نمو مبيعات العلامة الفرنسية لتتحول محترفات هيرميس التي كانت تشبه خلية نحل من زخمها وإنتاجها المستمر إلى غرف صامتة.

لكن مع انتقال قيادة العلامة الفرنسية لفرد جديد من عائلة هيرميس، حدث تحوّل في صورة العلامة أعانها على مواكبة متطلبات العصر، وتعزيز حضورها، والحفاظ على مكانتها بوصفها مصدرًا للمنتجات الفاخرة دون مساومة، فعُززت جاذبية العلامة في أوساط الشباب مع العمل على ترسيخ حضور هيرميس داخل الولايات المتحدة الأمريكية وآسيا باعتبارهما أرضًا خصبة للنمو.

ولإحياء خط الملابس تعاقدت هيرميس مع مصممين شابين، هما إيريك بيرجير وبرنارد سانز، أضافا قطعًا جديدة غير اعتيادية، مثل سترات الدراجات النارية من جلد الثعبان والسراويل من جلد النعام، وهي قطع وصفها المصممان بأنها نسخ مبهجة جريئة مما كانت عليه دوماً علامة هيرميس. وبحلول عقد التسعينيات توسعت دائرة إبداعات هيرميس لتشمل 30 ألف منتج مختلف، مع إضافة مواد جديدة في الصناعة مثل الخزف والكريستال وأغراض الزينة المنزلية.

إلى يومنا هذا، لا تنفك عائلة هيرميس تستحوذ على أسهم العلامة بنسبة 80 %، حتى وصُفت صحفياً بأنها واحدة من أفضل قطع جواهر باريس الخاضعة للحراسة. كما احتلت العلامة المركز 33 على قائمة فوربس "للعلامات التجارية الأعلى قيمة في العالم" عام 2019.