ذلك الحزن الذي يعبر بك شريطة أن تعبر منه ولا يطيب لك البقاء في دوامة الحزن والبكاء.. ذلك النوع من الحزن، وأنت تحاول أن تتجاهله بانتظار أن يتغير.. سيغيرك.. وبينما روحك تتلوى في حلق المضيق.. ينطلق وعيك إلى سعة الطريق.
في حزنك تضرم نار حارقة في جنبات نفسك وتتقلب على لهيب الأفكار.. سهد في الليل ونكد في النهار.
حزن تظن أن ناره خالدة.. لكنها ومن حيث لا تدري تضيء جوانب في نفسك.. تجعلك تلمس جوهر الأشياء.
وعندما تنطفئ نار حزنك سيتألق وهج وعيك وفهمك، ويفتح الباب واسعًا لمزيد من البصيرة فلا ترى الأشياء كما كنت تراها من قبل.
ربما "تفيض دموعك أنهارًا ويكبر حزنك حتى يصبح أشجارًا"، ثم يثمر ألمك اتساعًا في الرؤية ووضوحًا في الفهم، وعمقًا في المعنى، وتلك الثمرة بحاجة إلى غصن قوي تنبت عليه، لا غصن يعجز عن حملها.
فهل فكرت أو اختبرت أن حزنك قد يجهزك لشيء ما؟ يهيئك ربما لدور ما عهدت في نفسك قدرة عليه؟
ولأنك لا تستطيع أن تطوي صفحة حزنك لحظيًّا بقرار، فلا بد للحزن أن يأخذ مداه.. فإن داهمك فصاحِبْهُ حتى يمضي، كضيف ثقيل لا مفر من أن تقريه وتكرمه.. فللحُزنِ أيضًا كيان، فاسمَح له أن يكون.
كالفرح تمامًا.. فأن تمنع نفسك من القفز فرحًا لخبر سيغير حياتك تمامًا، كأن تلجم نفسك وتجلدها عقابًا على حزنك.. رحب بحزنك إن أتى على مضض، فمن قال إنّ فيه ما لا يليق ويعيب؟
الحقيقة تقول إنّ الحزن يمنَحُ الإنسان بُعدًا ويُهديه عمقًا، لذلك سر به ما سار معك.
واعلم أن الحزن صنفان، صنف تصنعه مصائب الدنيا، وملمات الدهر، وهذا لا مهرب لك منه إلا أن تتجلد أمام تلك الصخرة الجاثمة على روحك.
والصنف الثاني من الحزن أنت تصنعه بيدك بتفكيرك وتدقيقك وتحليلك.
ستجدك إن كنت صلبًا تغض الطرف وتمضي، فقد سبق لك أن حزنت ثم عبرت ومضيت..
نعم سيطفئ الحزن في نفسك شيئًا.. لكنه سيضيء أشياء، وكلما زاد الضوء اتسعت الرؤية.
فقد أهداني أحدهم يومًا صندوقًا مليئًا بالعتمة، تطلب مني هذا الصندوق سنوات لأدرك أنه هدية.
إنه الضوء بعد الظلام.. ما أجملها من هدية!