تمثل رحلات الطيران الخاصة أفخم سبل السفر حول العالم، لذلك يتجه كثير من الركاب إليها ويفضلونها اليوم، ليس لأنها تعد بتجربة سفر أشد فخامة وتتيح بلوغ الجهة المقصودة بسرعة وسهولة فحسب، ولكن لكونها باتت أيضًا أكثر أمنًا في عصر جائحة كوفيد 19.

أدى هذا الطلب المتزايد إلى ارتفاع أسعار الطيران الخاص مقارنةً بالأعوام الماضية، ووصل هذا الارتفاع أحيانًا إلى ثلاثة أضعاف القيمة السابقة للسفر على متن طائرات خاصة. ورغم المحاولات المستمرة من الشركات لتلبية هذا الطلب المتزايد عبر الاستحواذ على مزيد من الشركات الأصغر حجمًا وشراء المزيد من الطائرات، إلا أن المؤشرات تنبئنا بمزيد من الارتفاع في الأسعار ومزيد من الازدحام في رحلات الطيران الخاصة.

حسب دراسة نشرتها مؤسسة أرغوس Argus المهتمة بتتبع رحلات الطيران الخاصة، فإن معدل الرحلات في الولايات المتحدة فقط ارتفع بنسبة 2.2٪ عن العام الماضي. كما لاحظت المؤسسة انخفاض عدد الطائرات الخاصة التي يؤجرها ملاكها لشركات الطيران الخاص.

وتشير هذه الفجوة إلى أن أصحاب الطائرات الخاصة أصبحوا يستخدمونها أكثر الآن، ولذا فإن عدد الطائرات الخاصة المتاحة للتأجير من قبل الشركات انخفض عما كان عليه في الماضي. ويتفق هذا الواقع المستجد مع الاستبيان الذي نشرته شركة Private Jet Card Comparisons المهتمة بمقارنة أسعار  الرحلات على متن الطائرات الخاصة.

فقد كشف الاستبيان أن 51٪ من متابعي الشركة يفكرون في استخدام طائراتهم أكثر في عام 2022، بينما يظل 41٪ من المستخدمين عند معدل استخدامهم السابق.

وقال آنثوني تيڤنان رئيس شركة Magellan Jets للطيران الخاص: "لقد رأينا ارتفاعًا في الأسعار بنسبة 30٪ عن العام الماضي، ولكن هذا لم يمنع أحدًا من حجز رحلات الطيران الخاصة".

لماذا يصعب حجز رحلات الطيران الخاصة هذا العام؟

ورغم محاولة الشركات تعويض هذا النقص عبر الاستحواذ على الشركات الصغيرة وشراء المزيد من الطائرات، إلا أن هذا لن يكون كافيًا لمعادلة نسبة الطلب المتزايدة على الرحلات الخاصة. فالاستحواذ على شركة منافسة لن يخلق إلا المزيد من الضغط على رحلات الشركة التي استحوذت عليها، وذلك لأنك عندما تستحوذ على شركة منافسة، فإنك تستحوذ على أصولها وعملياتها وطائراتها كافة، وبالتبعيّة فإنك تستحوذ أيضًا على الرحلات التي قامت هذه الشركة بإتاحتها للفترة المقبلة.

أدى هذا الضغط إلى مضاعفة عمل وسطاء الطائرات الخاصة، إذ يحتاجون الآن إلى إجراء 10 أو 20 مكالمة والتواصل مع المزيد من ملاك الطائرات الخاصة لتوفير طائرات إضافية، وإذا حدث أي عطل لطائرة جعلها غير قادرة على التحليق، فإن هذا يجبرهم على التواصل مع أكثر من 50 شركة ومالكًا من أجل الوصول إلى طائرة شاغرة، وذلك مقارنةً مع خمس محادثات كانوا يجرونها في الماضي.

توجهت الكثير من الشركات لطلب المزيد من الطائرات الخاصة وإضافة خبرات أكثر إلى طاقم العمل الخاص بها، ولكن هذا المسعى لا يعني انفراج الأزمة قريبًا، إذ إن التوقيع مع الشركة المصنعة على طلب الطائرات الجديدة لا يعني توافرها مباشرةً، وذلك لأن صناعة الطائرات الخاصة تستغرق وقتًا طويلاً في الظروف المعتادة دون وجود أزمات مختلفة في عمليات الشحن وصناعة أشباه الموصلات والمعالجات، وهو ما نعانيه حاليًا وما أثر على مختلف الصناعات.

لماذا يصعب حجز رحلات الطيران الخاصة هذا العام؟

إن الشركة التي توقع طلبًا من أجل 40 طائرة جديدة قد لا تتسلمها إلا بعد ثلاثة أو أربعة أعوام، ما يؤثر على هذه الأزمة سلبًا، وهو ما دفع بعض الشركات لاتخاذ إجراءات مختلفة للسيطرة على الأزمة مثل شركة NetJets التي أنشأت قائمة انتظار للرحلات الخاصة. ويعني ذلك أنك تحتاج لحجز رحلتك مُسبقًا حتى تتمكن من إيجاد مكان في الموعد الذي ترغب فيه.

كما حاولت بعض الشركات التوسع إلى المزيد من مجالات النقل بعيدًا عن الطائرات الخاصة لتنويع مصادر دخلها، على غرار شركة WheelsUP التي قررت الدخول إلى مجال الطائرات المروحيّة واليخوت الخاصة والأجنحة الفاخرة في الفنادق.

ورغم أن ظاهر الأزمة يبدو مرتبطًا بتوافر الطائرات الخاصة وإتاحتها للرحلات، إلا أن مشكلة الوقود تمثل جزءًا كبيرًا من الأزمة، وذلك في ظل ارتفاع أسعار الوقود العالميّة وقلة توافره في بعض البلاد، وهو ما قد يؤدي إلى تعطل المزيد من الرحلات الخاصة وخلق مزيد من الضغط على شركات الطيران الخاصة.