السياحة الفاخرة بمفهومها المعروف تُبنى على وجود بنية تحتية وعمارة فارهة وخدمات سياحية ترفيهية، لكنها تتحول إلى تجربة نوعية عندما يضاف إليها الموقع المشغول عليه بشكل صحيح. ولا يخفى عنكم أن الإقامة الفاخرة في أرقى فنادق العالم، وبكل ما فيها من خدمات حديثة سرعان ما تصبح مضجرة، إن لم  تُؤسَّس على فرادة المكان بكل حمولته الطبيعية والإنسانية. وهنا لا أتحدث عن  ديكور ومكان جميل، بل ما يؤسس لتجربة سياحية تعيد من خلالها اكتشاف علاقتك بالطبيعة وذاتك والوجود والزمن، تجربة تأخذك بعيدًا عمّا اعتدته في حياتك، شيء لم تختبره من قبل.

أكتب كلماتي هذه من جزيرة "أمهات" في عمق البحر الأحمر بالمملكة العربية السعودية، وشجيرات المانجروف تتراقص أمامي بينما لازوردية الماء تداعب أحاسيسي، وكاتب هذه السطور زار العديد من الوجهات التي قد تبدو مشابهة مثل المالديف وسيشل وموريشيوس.. وإن كان لكل بقعة فرادتها لكني أضيف ميزة تنافسية مهمة إلى البحر الأحمر، أن بإمكانك أن تستقل الطائرة لتصل من الرياض أو دبي أو عمان ببضع ساعات لتنال ما يتمناه قلبك.. لذلك أصف ما شاهدت محاولًا أن أتجرد من تحيزي الجغرافي.

الأخبار والبيانات الصحفية عن هذا الجزء الآسر من المملكة لم تتمكن من كشف كل أوراقه لي، وكأنها تركت لي مساحة لاستعادة فطرتي الأولى، على اليابسة متجولًا بين جنباتها، وتحت الماء غائصًا بين دررها: هدوء المكان، وتدرج الألوان، ودرجة الحرارة.. البحر الأحمر كفكرة بكل خصوصيتها وشجنها. شيء ما يوقظ بداخلك أحاسيس بدائية وكأنك ألفتها منذ زمن بعيد وتنتظر أن تلاقيها في بقعة ما من الأرض، كل شيء يثير فيك تلك المشاعر البكر، فيما يبدو فرصة عميقة لتحرير الأحاسيس حد الانعتاق.. دهشة وفرادة تطفئها فيك حياة المدن أحيانًا.

الآن أحرك رأسي لخوض تجربة الغطس، أنتقل إلى عالم من  الشعب المرجانية وكأنها تشكل حضارة عمرها آلاف السنين تحت الماء لا تزال تشع نضارة بألوانها المشبعة وتتراصف بطريقة مدهشة، تنافسها في ذلك السحر مئات الأنواع من الأسماك تتبختر بألوانها الساحرة. يا الله "كيف لكل هذا الجمال أن يتشكل قريبًا منا ولا نراه" سؤال لم أتوقف عن ترداده.

كنت على قناعة بأن رحلة واحدة لن تكفي لعقد صداقة من نوع مختلف مع مشروع البحر الأحمر، فنحن أمام مكان بكر هائل بإمكانياته وجودته، بدأ يأخذ مكانه على خريطة صناعة السياحة عالميًّا. يكفي أن نشير إلى أن كل شيء مصمم هنا ليس فقط ليكون صديقًا للبيئة، بل لاستعادة البيئة "الأم الحاضنة" والخالية من الانبعاثات، التي تعيد إنتاج نفسها وتنوعها وجمالياتها وتحمي ما كان مهددًا بالانقراض من كائنات، إنه مثال للتدخل البشري الإيجابي بأبهى صوره، التدخل الكاشف للجماليات والقادر على إنتاج تجارب مدهشة.

مشروع البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية ليس مجرد وجهة للاسترخاء، بل هو رؤية طموح تعزز السياحة البيئية المستدامة بأبهى صورها. يمتد المشروع على مساحة شاسعة تبلغ 28,000 كيلومتر مربع، محتضنًا نحو 50 منتجعًا، و8,000 غرفة فندقية، وأكثر من 1,000 عقار سكني موزعة بين جزر ساحرة، ومنتجعات جبلية وصحراوية. تضفي هذه البقعة السحرية تجربة فريدة على الزوار، تجمع بين رفاهية الإقامة وروعة الطبيعة البكر.. هي وصية من قلب محب للجمال: اجعلوها وجهتكم القادمة.