لطالما داعبت السيارات الطائرة مخيّلة المبدعين عبر العصور، لذا كان لها حضور طاغ في الأعمال الأدبية والفنية المختلفة سواءً أكانت أعمالاً مكتوبة مثل روايات هـ. ج. ويلز الشهيرة أم أفلامًا سينمائية ناجحة على شاكلة Blade Runner و Back To The future.

ورغم أن ظاهر فكرة السيارات الطائرة هو الحداثة، إلا أنها اقتربت من التحول إلى واقع في القرن الماضي، وتحديدًا في الفترة بين عام 1949 وعام 1988 على يد المهندس مولت تايلور الذي صمم أول سيارة طائرة تقترب من الإنتاج قبل أن تتوقف نهائيًا ويقتصر إنتاجها على 6 نماذج موزعة بين محبي جمع التحف والمتاحف الجوية.

خطوات جادة في تطوير السيارات الطائرة

منذ أن فشلت مشاريع تايلور لتقديم السيارة الطائرة، اقتصر وجودها على أحلام المهندسين والمطورين من دون وجود خطوات جادة يمكن أن تحولها إلى واقع. 

واستمر هذا الوضع لمدة 75 عامًا حتى بدأت ثورة الطاقة المستدامة والتحول إلى منظومة المحركات الكهربائية في مختلف المركبات تزامنًا مع بزوغ فجر مركبات eVOTL القادرة على الإقلاع والهبوط عموديًا.

تغير مفهوم المركبات الطائرة قليلاً بين حلم تايلور وما تحاول الشركات اليوم تنفيذه، إذ كان تايلور ينظر إليها بوصفها مركبات شخصية تسع راكبين أو 3 كحد أقصى، فيما الشركات اليوم تعدها وسائل نقل كبيرة الحجم يمكنها التحرك في خطوط سير محددة مسبقًا لخفض الكثافة المرورية على اليابسة.

تمكنت شركات مثل Joby و Vertical Aerospace وArcher من جمع مليارات الدولارات عبر طرح أسهمها للاستثمار العام بهدف تطوير مفهومها الخاص للسيارات الطائرة (شأنها في ذلك شأن Supernal التي تعد إحدى شركات مجموعة هيونداي)، سواءً كان باستخدام الوقود التقليدي أو المحركات الكهربائية.

وقد شهد قطاع مركبات eVOTL نموًا متسارعًا للغاية في الآونة الأخيرة، بدءًا من تطوير المركبات صغيرة الحجم حتى المركبات الكبيرة، فضلاً عن إنتاج أكثر من مركبة والبدء في الاختبارات الخاصة بها. 

ورغم أنها تقترب كثيرًا في التصميم من السيارات الطائرة، إلا أن هناك فارقًا بسيطًا في المفهوم بين النوعين من المركبات، إذ تعمل مركبات الإقلاع العمودي في الجو فحسب، من دون أن تكون قادرة على السير على الطرقات، وهذا يبتعد عن مفهوم السيارات الطائرة.

سيارة للجو والطرقات

الحقيقة هي أن توجه العديد من عمالقة الصناعة إلى تطوير مركبات eVOTL لم يثن بعض الشركات الحالمة بتطوير سيارات طائرة بالمعنى الحرفي. 

وفي مقدمة هذه الشركات تأتي Klein Vision، وهي شركة تأسست عقب تعاون رائد الأعمال الكوبي أنطون زاجاك مع المهندس ستيفان كلاين الذي كان له سابقة في أبحاث السيارات وتطويرها مع عدد من شركات السيارات مثل أودي وبي إم دبليو وفولكس فاجن. وقد أثمر هذا التعاون عن سيارة AirCar التي تجمع بين مفهوم السيارات التقليدية والسيارات الطائرة.

للوهلة الأولى تشعر أن AirCar هي سيارة إيطالية فائقة السرعة، ولكن سرعان ما يظهر الاختلاف بينها وبين السيارات التقليدية مع خروج الأجنحة من هيكل السيارة لتتحول إلى سيارة طائرة، ذات محرك احتراق داخلي. وتستطيع السيارة الوصول إلى سرعة 160 كيلومترًا/ساعة في الطرقات التقليدية وسرعة 300 كيلومتر/الساعة في الجو على ارتفاع يتجاوز 5 كيلومترات.

رحلة سيارة AirCar تحولت من الرسوم الهندسية والأحلام إلى الواقع مع حصولها على شهادة ترخيص من CAA (هيئة تنظيم الطيران السلوفاكية) ومن المتوقع أن يتم طرحها رسميًا في عام 2025 بتكلفة تراوح بين 500 ألف دولار ومليون دولار. 

كما تسعى الشركة لإطلاق سيارتها في الأسواق الصينية عبر التعاون مع شركة Hebei Jianxim Technology Co الصينية بسعر مقارب، خصوصًا أن الصين تحاول جاهدة الترويج لنفسها بوصفها أرضًا خصبة للمشاريع التقنية المبتكرة والصديقة للبيئة.

يسعى زاجاك لتطوير مشروعه بشكل كامل قبل التوسع إلى الولايات المتحدة، إذ تبدأ الشركة رحلتها داخل أوروبا أولاً قبل الانتقال إلى الولايات المتحدة وبقية أرجاء العالم. وتأمل الشركة وفق بيانها توسيع خط الإنتاج الخاص بها قبل الدخول إلى مناطق جديدة، وذلك عبر طرح طرز تسع 4 ركاب.

سيارة AirCar

Klein Vision

عقبات قانونية

بعيدًا عن التحديات التقنية التي تواجه قطاع السيارات الطائرة، فإن القوانين المنظمة لهذا القطاع قد تمثل التحدي الأكبر أمام الشركات، إذ تملك الجهات المنظمة لهذا القطاع بعض التساؤلات حول نوعية التراخيص والمهارات اللازمة لامتلاكها خصوصًا مع السيارات التي تعمل على البر وفي السماء معًا.

في مقدمة هذه التحديات، يأتي السؤال عن الجهة المنظمة. فهل تخضع هذه المركبات لقوانين السيارات الأرضية أم الطائرات؟ وهل يجب أن يمتلك قائدها رخصةً لقيادة الطائرات؟ أم تكفي رخصة قيادة السيارات المعتادة. 

فضلاً عن ذلك تبدأ التساؤلات حول البنية التحتية للطرق والأجواء التي يمكن لهذه السيارات الطائرة التحليق فيها، إذ لا يمكن أن يقرر السائق فجأةً التحول من الوضع البري إلى الوضع الجوي في منتصف الطريق السريع. 

كما أن مثل هذه المركبات تحلق على ارتفاعات منخفضة، ما يعني أنها تكون قريبة من المباني السكنية المرتفعة، وهو ما يمثل خطرًا ومصدر إزعاج كبيرًا لسكان هذه المباني.

هذه التحديات قد تجبر ملاك السيارات الطائرة على الاكتفاء بالمناطق غير المأهولة أو المساحات الخضراء الواسعة، وفي هذه الحالة ينتقل السؤال إلى جدوى مثل هذا الابتكار الذي أصبح مقيدًا بمناطق بعينها من دون إمكانية استخدامه بشكل يومي.

بزوغ العقبات القانونية دفع بعض الشركات إلى البحث عن حلول مبتكرة تضمن لها إطلاق مركباتها بالشكل المناسب، بدءًا من الانتقال إلى تصميم من 3 عجلات بدلاً من تصميم السيارة التقليدية ذات الأربع عجلات. 

ومن ضمن الشركات التي اتخذت هذا الإجراء شركة Samson التي أعلنت عن Switchblade، وهي مركبة بثلاث عجلات يمكنها التحليق لمسافات تصل إلى 800 كيلومتر بسرعة تصل إلى 260 كيلومترًا/الساعة جويًا و200 كيلومتر/الساعة على الطرق، وهي تعتمد بشكل رئيس على الوقود التقليدي.

مركبة Samson الفريدة تقع تحت مظلة قانون هيئات الطيران العالمية وتحديدًا فئة المركبات الجوية الاختبارية، وهذا يعني أنها لن تحتاج إلى الالتزام بقوانين هيئات الطرق والالتزام بقواعد السيارات من ناحية حجم المحرك والتصميم وطريقة الاستخدام، ولكن هذا يجبرها على بناء 51% من المركبة قبل طرحها في الأسواق أو دخول مرحلة الاختبارات.

تحاول الشركة جمع التمويل اللازم لتتمكن من بناء نماذج أولية لإدراجها ضمن اختبارات هيئة الطيران الفيدرالية الأميركية، وذلك تمهيدًا للانتقال إلى بقية هيئات الطيران العالمية. ومع هذا، فإن مركبات Switchblade قد تتأخر لمدة تتجاوز 18 شهرًا قبل أن نراها نهائيًا.

السيارة الطائرة Switchblade

Samson

نجاح في بيع 100 نموذج من السيارات الطائرة

لا تحكم العقبات القانونية على مستقبل السيارات الطائرة بالفشل، إذ توجد بعض الطرز التي أثبتت نجاحها في تخطي العقبات القانونية. وتمثل المركبة الطائرة Pal-V Liberty الطراز الأكثر نجاحًا في قطاع المركبات الطائرة.

المركبة الطائرة Pal-V Liberty

Pal-V

تمكنت شركة Pal-V من اجتياز اختبارات الأمان والسلامة لدى اتحاد الطيران والأمان الأوروبي، وعقب ذلك أعلنت بيعها 100 نموذج لصالح شركة Aviterra التي تتخذ من دبي مقرًا لها. ومن الجدير ذكره أن المركبة تمتلك مدى يتجاوز 1300 كيلومتر على الأرض ومدى طيران يقترب من 500 كيلومتر، فيما سعرها يصل إلى 322 ألف دولار.

ورغم هذا النجاح، فإن قطاع السيارات الطائرة مازال قيد الاختبار ولا يصلح إلا لأحلام المفكرين والمبتكرين بسبب التحديات القانونية والهندسية لبناء مثل هذه المركبات. ولكن مثلما كانت السيارات الكهربائية في الماضي حلمًا يراود مبتكريها، فإننا قد نصل إلى واقع تصبح فيه المركبات الطائرة أمرًا نتعايش معه.