لم يشهد القرن الأول في قطاع الطيران كثيرًا من التصاميم الخالدة في الذاكرة، إذ كانت الغالبية العظمى من الطائرات المنتجة مجرد هياكل أنبوبية الشكل متصلة بأجنحة. لاحقًا، استحوذت الطائرات التي تتخذ هيئة كيد مرتد، والمعروفة باسم "الأجنحة الطائرة"، على خيال المصممين في القطاع بسبب مظهرها المستقبلي المستتر، على ما هو عليه حال طائرتي Northrop YB-49 وNorthrop Grumman B-2 Spirit. جذبت أيضًا الطائرات العسكرية المتمايزة بهيكل وأجنحة متداخلة (BWB)، وخصوصًا طائرتي B-1 Lancer وLockheed SR-71 Blackbird، اهتمام الكثيرين بحكم تصميمها الخارج عن المألوف وقدرتها على كسر الحواجز الصوتية.

مستقبل صناعة طائرات الهيكل والأجنحة المتداخلة

تركز المفاهيم التصورية التي تتبنى فكرة الهيكل والأجنحة المتداخلة على حل مشاكل التحكم والثبات التي كانت تتكبدها هذه الفئة في السابق، وتتعهد بتقديم كفاءة أكبر في حال تبنيها في مجالات الدفاع والشحن والنقل التجاري، على أن يجري تخصيص بعضها لتكون طائرات لرجال الأعمال. فالشكل الانسيابي الأنيق لطائرات الهيكل والأجنحة المتداخلة يتيح تقليل السحب، ما يعني زيادة كفاءة استهلاك الوقود والحد من الانبعاثات الكربونية، وهذا دافع رئيس يتصدر أولويات صنّاع الطائرات الذين تعهدوا بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

مفهوم EcoJet التصوّري

طوّرت بومباردييه مفهومًا تصوريًا باسم EcoJet يتبنى فكرة الهيكل والأجنحة المتداخلة. وقد اجتاز النموذج المعدّل من هذا الطراز أول اختبارات الطيران في عام 2017، قبل أن تشرع الشركة في تطوير الجيل الثاني بابتكار نموذج أولي أكبر حجمًا. وفي هذا يقول ستيفن ماكولو، نائب الرئيس الأول في قسم الهندسة وتطوير المنتجات التابع لبومباردييه: "كانت غايتنا تصميم طائرة مستدامة من دون المساس بتوقعات الزبائن حول مفهوم طائرات رجال الأعمال".

يشمل ذلك مضاهاة معايير السرعة والارتفاع والمساحات الداخلية المتوفرة في أسطول بومباردييه الحالي. ويتابع ماكولو: "تلبي الطائرات المتمايزة بهيكل وأجنحة متداخلة هذه المعايير بمعظمها"، كما أنها تستطيع تقليل الانبعاثات بنسبة 20%. وبالرغم من أن الشكل المميز لهذه الطائرات يواجه عقبة تتمثل بملاءمتها للمطارات، إلا أن ماكولو يركّز على الجانب الإيجابي، إذ يشير إلى أن المقصورة الأطول والأعرض "تتيح فرصًا مثيرة" أمام مصممي المساحات الداخلية في بومباردييه.

كذلك أمضت شركة إيرباص سنوات في تطوير طرازٍ ثنائي المحركات باسم Maveric يتبنى فكرة الهيكل والأجنحة المتداخلة. ولكنها لم تحقق أي تقدم ملحوظ إلا بعد إدماج المشروع في برنامج ZEROe القائم على ابتكار طائرات تعمل بالهيدروجين. والسبب في ذلك هو أن السعة الكبرى لهذا الطراز تستوعب الهيدروجين على نحو أفضل مقارنة بما هو عليه الحال في الطرز النموذجية. ومع ذلك، يشير متحدث باسم شركة إيرباص إلى أن طائرة Maveric لن تخرج إلى النور إلا "بعد اكتمال الجيل الأول من طائرات الهيدروجين".

مفهوم تصوري يظهر المصمم من خلاله سبل تعزيز مساحة المقصورة في الطائرات المتمايزة بهيكل وأجنحة متداخلة.

Airbus
مفهوم تصوري يظهر المصمم من خلاله سبل تعزيز مساحة المقصورة في الطائرات المتمايزة بهيكل وأجنحة متداخلة.

نموذج شركة جت زيرو

في المقابل، تسرّع شركة جت زيرو JetZero، التي يقع مقرها في كاليفورنيا، مسار تطوير نموذج معدل ليكون جاهزًا للاختبار في أفق عام 2027، على أن يدخل السوق في عام 2030. ليس توم أوليري، الرئيس التنفيذي للشركة ومؤسسها المشارك، جديدًا على مثل هذه المشاريع الرائدة. فقد سبق له أن عمل في شركة تسلا وشركة بيتا للتقنيات Beta Technologies المتخصصة في صناعة الطائرات الكهربائية القادرة على الإقلاع والهبوط عموديًا. لذلك لقي إعلان وكالة ناسا استثمارها مليار دولار في أبحاث طائرات الهيكل والأجنحة المتداخلة صدى في نفسه.

وفي هذا يقول: "تبيّن لي أن هذا التصميم يعالج أهم التحديات التي تواجه قطاع الطيران: خفض التكلفة، وتقليل نسبة الوقود المحروق، وتقليص الانبعاثات، وتحسين تجربة الركاب، وتعزيز الكفاءة التشغيلية". لقد حصل المشروع الذي اقترحه على تمويل بقيمة 235 مليون دولار من القوات الجوية الأمريكية، وسيجري استخدام الطائرة في القطاع العسكري أولاً قبل دخولها إلى القطاع العام.

يؤكد أوليري أن الجدول الزمني الضيق الذي تلتزم به جت زيرو واقعي، إذ يقول: "لقد تطورت التكنولوجيا الموظّفة في هذه الطائرات على امتداد أكثر من 30 عامًا، لذلك يمكن استخدام المنتجات المتاحة تجاريًا لتعزيز بقية أجزاء الطائرة، مثل المحركات وإلكترونيات الطيران وأنظمة التشغيل".

بسبب الحجم الكبير القابل للاستخدام في طائرات الهيكل والأجنحة المتداخلة، فإنها تُعد مناسبة تمامًا للنقل العام، على ما يتبيّن من طائرات شركة ناتيلوس Natilus المتخصصة في الشحن الجوي. يذكر أليكسي ماتيوشيف، المؤسس المشارك في الشركة التي تتخذ من كاليفورنيا مقرًا لها، أن ناتيلوس تلقت طلبات بقيمة 8.6 مليار دولار لتطوير أسطولها الناشئ من طائرات الشحن ذاتية القيادة. جاءت هذه الطلبات من شركات مثل Ameriflight وVolatus Aerospace وFlexport وAstral Aviation، بالإضافة إلى زبائن آخرين. ومن المفترض أن يخضع طرازها الأول للاختبار الأولي في غضون عامين تقريبًا.

يأمل كثيرون في تذليل الصعوبات التي تشوب تطوير طائرات الهيكل والأجنحة المتداخلة من الصفر عن طريق الزخم الهائل في الهندسة والاستثمار. ويشير ماكولو إلى أن أكثر من ثلث الأموال المخصصة في بومباردييه للبحث والتطوير وُجهت في العام الماضي إلى مشاريع مستدامة مثل EcoJet، فيما يُتوقّع أن ترتفع النسبة إلى 50% بحلول العام المقبل. ويضيف قائلاً: "إن التزامنا بتحقيق الحياد الكربوني في أفق عام 2050 يدفع بجهود الابتكار قدمًا، والأمر نفسه ينطبق على بقية الصانعين في القطاع".