عبر رحلة امتدت لأكثر من 110 أعوام، استطاعت علامة مازيراتي تعزيز مكانتها بوصفها واحدًا من أهم صناع السيارات الرياضية الفارهة في العالم. 

وعلى ما هو عليه حال الشركات الرائدة الأخرى في عالم السيارات، فإن خلف قصة النجاح هذه تختبئ قصة أخرى عن الكفاح والشغف غير المحدود بعالم السيارات والسرعة لستة أشقاء تكاتفوا معًا لبناء هذه العلامة.

في عام 1914، بدأت علامة مازيراتي رحلتها من مرآب صغير في قلب بولونيا الإيطالية قبل أن تنتقل إلى مودينا لتبدأ رحلتها الحقيقية في النجاح. 

حياة ألفيري مازيراتي

ولد ألفيري ليكون الشقيق الثالث ضمن عائلة مكونة من 6 أولاد وأب يعمل في قطاع المحركات ضمن السكك الحديدية الملكية. وعبر القطارات وُلد شغف عائلة مازيراتي بالمحركات والسرعة.

في البدء، جاء كارلو مازيراتي الذي بدأ حياته العملية في مصنع دراجات في مدينة إيفوري، وخلال وقت قصير أصبح أحد أهم العاملين في المصنع بفضل تصميمه لمحرك مكون من أسطوانة واحدة للدراجات، وهو ما أصبح يعرف لاحقًا باسم أول محرك مازيراتي في التاريخ.

لم تكن سبل التسويق حينها متوفرة أمام الجميع كما هي اليوم، إذ كانت تقتصر على السباقات فحسب. وعبر تعاون مثمر مع ميشيل كاركانو الذي كان يشغل منصب ماركيز أنزانو ديل باركو، استطاع كارلو المشاركة في سباق بادوفا-بوفولينتا محطمًا الرقم القياسي عبر الوصول إلى سرعة 10 كيلومترات/ الساعة. وبفضل هذا النجاح، جذب أنظار فينتشنزو لانسيا الذي قرر ضمه لاحقًا إلى مصانع فيات.

رحلة كارلو مع فيات لم تستمر طويلاً، وانتهت بعد 3 أعوام قبل أن يقرر الانتقال إلى إيسوتا فراشيني بوصفه سائقًا اختباريًا ومساعدًا في الاختبارات، وهنا جلب معه شقيقه ألفيري طمعًا في ضمه إلى المجال نفسه.

لاحقًا، انضم إليهم إيتوري وبيندو ليصل إجمالي عدد أبناء مازيراتي العاملين في قطاع السيارات إلى 4، وهنا قرر كارلو أن الوقت قد حان ليطلق شركته الخاصة بالتعاون مع إخوته. ولكن قبل أن ترى أفكاره النور، كان السرطان قد تمكن من القضاء على رحلته.

بعدها تولى ألفيري مازيراتي مقاليد قيادة عائلته، وخلال وقت قياسي، استطاع، بفضل ولعه بالسرعة والسيارات، الارتقاء ضمن شركة إيسوتا فراشيني ليتحول من ميكانيكي إلى مسؤول عن العلاقات العامة والتسويق، ثم سعى لضم شقيقه إيتوري.

 ألفيري مازيراتي

Maserati

النواة الأولى لعلامة مازيراتي

تراكمت خبرات ومهارات ألفيري عبر رحلته مع شركة إيسوتا فراشيني بفضل تنقله بين مختلف دول العالم في العديد من المناصب الإدارية المميزة، وهو الأمر الذي جعله مطلعًا على دواخل عالم صناعة السيارات. 

وفي عام 1914، بعد أن أمضى ألفيري عامًا في بولونيا ممثلاً للشركة، قرر عن عمر 27 ربيعًا أن ينفصل عن الشركة مؤسسًا شركته الخاصة ليحقق حلمه وحلم شقيقه كارلو من قبله.

رغم مهارات وخبرات ألفيري الواسعة، كان يحتاج إلى المساعدة لتأسيس الشركة الجديدة، وقد نالها من أشقائه بعد أن أفضى إليهم بنيته، إذ قرر إيتوري وإرنستو الانضمام إلى ألفيري، بينما فضل بيندو البقاء في ميلانو. 

وفي مطلع ديسمبر من عام 1914، افتتح الأشقاء المكتب الأول لهم إلى جوار ورشة ميكانيكية تابعة لشركتهم. ورغم تعاون الأشقاء الثلاثة في هذا الحلم، إلا أن ألفيري وضع اسمه منفردًا على الشركة.

لم يستمر حلم الشركة كثيرًا، إذ سرعان ما انخرطت بريطانيا في الحرب العالمية الأولى ليترك ألفيري وإيتوري مسؤولية الشركة لشقيقهم الأصغر (وكان عمره 16 عامًا آنذاك) إرنستو بعد أن التحق بهم في عام 1916.

انتهت الحرب في عام 1918، وعاد الأشقاء الثلاثة لمطاردة حلمهم مجددًا، ولكن هذه المرة مع كوكبة من المهارات والخبرات الحياتية التي اكتسبوها طيلة سنوات الحرب. 

وكان أول ما قام به الإخوة هو الانتقال إلى مقر جديد مطل على مقاطعة ليفانتي Levante، وهو الاسم الذي أطلق على باكورة إنتاج علامة مازيراتي لـسيارات SUV بعد أكثر من 100 عام.

صناعة السيارة الأولى

عاود الأشقاء نشاطهم بالكامل في عام 1919، وذلك عن طريق تعديل سيارات السباقات تطويرها. ورغم ازدهار أعمالهم في هذا القطاع، إلا أن ألفيري ظل يحن إلى أيام قيادة السيارات والسباقات، لذا قرر في عام 1920 المشاركة في سباق عبر سيارة SCAT مزودة بمحرك سعة 3 لترات، جرى تعديلها يدويًا من قبله هو وأشقائه. 

ورغم جودة السيارة وخبرة ألفيري الكبيرة، إلا أنه لم يكن ندًا للمنافسين، إذ وقف أمام أسماء بارزة في عالم السباقات مثل جوزيبي كامباري من خلال سيارة ألفا روميو وبريلي بيري من خلال سيارة أكويلا، فضلاً عن إنزو فيراري الذي كان مازال غرًا في ذاك الوقت ويستخدم سيارات إيسوتا فراشيني.

ألفيري مازيراتي لم يفقد الأمل بعد هذا السباق، وعاود المشاركة في سباق آخر بعد أسبوعين على متن سيارة نيسيلسدورف، ولكنه أيضًا لم يحقق النجاح الذي كان ينتظره. 

وهنا قرر ألا يعتمد على سيارات الشركات الأخرى، وأن يصنع سيارة تلائم متطلباته وتيسر فوزه في السباقات. 

وعبر جهود مضنية، استطاع تعديل هيكل سيارة إيسوتا فراشيني عبر دمجه مع محرك من 8 أسطوانات من هيسبانو سويزا وناقل حركة من SCAT وإطارات Rudge مخصصة، وأطلق على هذا الابتكار اسم Special Type لتصبح هي أول سيارة من مازيراتي على الإطلاق.

في سباق موجيلو عام 1921، استطاع ابتكار مازيراتي الفوز بالمركز الرابع، وبعد شهر واحد، استطاعت السيارة إحراز الفوز الأول للأشقاء مازيراتي في عالم السباقات لتبدأ بعد ذلك سلسلة من النجاحات المستمرة التي انتهت عام 1924، عندما قام أحد مهندسي المنافسين بتغيير محرك السيارة بشكل يخالف قوانين السباق، ما تسبب في استبعاد ألفيري وسيارته.

حاول ألفيري العودة إلى سباقات الفورمولا 1 مجددًا عام 1925. ولكن بسبب ضعف إدارة الورشة والأزمات الاقتصادية المتتالية تعثرت شركتهم بشكل كبير، واحتاجوا وقتها إلى تدخل أحد الماركيزات الأثرياء، ليكون هذا الأمر من نصيب دييغو دي ستيرليتش الذي أنقذت أمواله حلم الإخوة مازيراتي، ما مكنهم من الاستحواذ على هيكل سيارة Diatto 30 Sport فضلاً عن مكونات من شركات أخرى، ليعود الأشقاء للعمل مجددًا على مشروعهم القادم الذي أطلقوا عليه اسم "Type 26" في إشارة إلى العام الذي طرحت فيه السيارة.

اعتمدت سيارة Type 26 على محرك مكون من 8 أسطوانات بسعة 1.5 لتر مقترن مع شاحن توربيني ضاغط للهواء. وبفضل هذه التركيبة الفريدة، امتلكت السيارة قوة وصلت إلى 120 حصانًا عند 5300 دورة في الدقيقة. ورغم قوتها المفرطة، إلا أن السيارة كانت تفتقر إلى شعار مميز، لذا اتجه ألفيري إلى شقيقه الخامس والأصغر ماريو الذي اختار الفن بدلاً من عالم المحركات.

سيارة Type 26

Maserati

ولادة شعار علامة مازيراتي

تعاون ماريو مازيراتي مع الماركيز دييغو دي ستيرليتش من أجل تصميم شعار السيارة الجديدة. وفي إشارة واضحة إلى ارتباط مازيراتي بمدينة بولونيا، قرر الماركيز أن يكون الشعار هو الرمح الثلاثي المحفور في تمثال نبتون الواقع في ميدان قلب المدينة. ويرمز شعار مازيراتي إلى القوة المفرطة لإله البحر اليوناني مع إشارة واضحة إلى تراث الشركة ومسقط رأسها.

أطلت Type 26 في كامل بهائها مزدانة باللون الأحمر للمرة الأولى ضمن سباق تارغا فلوريو لعام 1926، لتصبح من أجمل السيارات المشاركة في السباق وتفوز بالمركز الخامس.

وفي وقت قصير، تحولت Type 26 إلى حلم كل سائق إيطالي، وهو الذي دفع الإخوة مازيراتي إلى بناء 43 نموذجًا آخر من هذا الطراز بالتزامن مع النجاحات المستمرة على حلبات السباق بقيادة ألفيري قبل أن يصاب في حادث عام 1927 أجبره على التخلي عن قيادة السيارات لصالح إيميليو مازيراتي الذي تحول بعد ذلك إلى البطل الإيطالي المطلق في عالم السباقات محققًا سلسلة طويلة من النجاحات للشركة.

وفي عام 1929، حازت الشركة أول رقم قياسي في السرعة لها، وهو رقم قياسي ظل عصيًا على التخطي لمدة تجاوزت 8 أعوام.

وفي عام 1932، بعد سلسلة من النجاحات المستمرة في مختلف السباقات، فارق ألفيري مازيراتي الحياة عقب عملية جراحية لمحاولة تفادي تبعات الحادث الذي أصيب به في عام 1927. وقد حزنت مدينة بولونيا بأكملها على ألفيري وأقامت له جنازة مهيبة حضرها العديد من النجوم ومشاهير عالم السيارات.

بعد ذلك، انتقلت قيادة الشركة إلى بيندو الذي أدرك خطورة الموقف وترك عمله في إيسوتا فراشيني ليلتحق بإخوانه ويساندهم. وعبر إعادة هيكلة كاملة للشركة، ولدت سيارة Type V5 لتكون المشروع الأول بعد وفاة ألفيري.

شعار علامة مازيراتي

Maserati

شراكة لإدارة الأعمال 

رغم النجاحات العديدة التي استطاعت سيارات مازيراتي تحقيقها في مختلف السباقات، إلا أن الجوانب المالية للشركة لم تكن في أفضل أحوالها، وذلك لأن الأشقاء مازيراتي كانوا بارعين في تصميم السيارات على عكس إدارة الشركات.

لذا اقترح أحد أصدقاء العائلة وهو الصحفي كورادو فلبيني الاندماج مع رجل الأعمال أدولفو أورسي الذي استطاع في وقت قياسي بناء إمبراطورية تجارية ممتدة لمختلف القطاعات.

أدرك الطرفان أهمية التعاون معًا وكيف أن الفائدة ستعم على مختلف الأطراف نتيجة هذا التعاون، لذا قرروا في سباق جائزة مودينا الكبرى لعام 1936 أن يتم الاندماج، على أن يترك الإخوة مازيراتي إدارة الشركة الإدارية والمالية لصالح أورسي ويكتفوا بتصميم السيارات وصناعتها.

ظلّت الأمور في الشركة على ما كانت عليه مع اختلاف بسيط، إذ انتقل مقر الشركة إلى مودينا، ولكن بقيت ورش الشركة في بولونيا، وظل الإخوة مازيراتي يصممون السيارات كما يحبون.

شراكة لإدارة الأعمال

Maserati

شهدت تلك الفترة ازدهارًا واسعًا للشركة بدءًا من تصميم سيارات جديدة والترويج لها بشكل جيد، فضلاً عن النجاح على حلبات السباق. ومع اندلاع شرارة الحرب العالمية الثانية، تحولت الشركة مثل بقية الشركات الإيطالية لصناعة معدات الحروب والمواد اللازمة للاستمرار، ولكن هذا أعطى الإخوة مازيراتي فرصةً للتفكير في المستقبل.

وفي تلك الحقبة بدأوا في تصميم أولى سيارتهم المخصصة للطرق تحت اسم A6 وجرى الكشف عنها في معرض جنيف للسيارات.

وفي العام نفسه، واجه الإخوة مازيراتي خيارًا مصيريًا، إما الاستمرار تحت اسم أورسي أو التخلي تمامًا عن الشركة، ليقع اختيارهم على ترك الشركة التي بنوها بالتعاون مع أشقائهم الراحلين وتأسيس شركة أخرى تحت اسم OSCA لبناء سيارات السباق بشكل محدود قبل أن يتخلوا عنها في عام 1964، لتبدأ أسطورة الإخوة مازيراتي بالاختفاء في الأعوام التالية، إذ رحل إرنستو الذي كان أصغر الأشقاء عام 1975، ثم بيندو عام 1980 وأخيرًا إيتوري عام 1990. 

وفي الوقت نفسه، تحولت علامة مازيراتي إلى شركة تصنع سيارات الطرق حصرًا، وحققت نجاحات عديدة أوصلتها إلى المكانة التي تحتلها اليوم.