في جلسة لاحتساء الشاي في أحد النوادي الخاصة الأكثر حصرية في مومباي، يهمس أحد العارفين بأسرار عالم الأزياء في الهند قائلاً: "سمعت أن التكلفة بلغت 78 مليون روبية هندية (ما يعادل 9 ملايين دولار)".
حدث ذلك في أمسية يوم أحد، عندما كان الحضور الذي احتشد فوق المرج المشذّب في ظلال المجمّع السكني الخاص بعائلة أمباني، والذي يرتفع في 27 طابقًا، يتحدث بحماس عن الحفل الذي أقيم الليلة الفائتة بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين لإطلاق علامة "سابيا".
كان يبدو أن العالم كله قد حط رحاله في مومباي، إذ حضر الحفل 700 ضيف من مجتمع الأثرياء، منهم نجمة بوليوود دبيكا بادوكون، وعارضة الأزياء كريستي تورلينغتون بورنز (التي افتتحت العرض على الممشى واختتمته)، وعملاق عالم الأعمال أناند ماهيندرا، والممثل سيدهارت، فضلاً عن مجموعة من أصحاب المليارات ومهراجات نظام الحكم المنحل الذين نفضوا الغبار عن جواهرهم الأشد تميزًا للتزيّن بها في هذا الحدث.
وكان كل فرد منهم ينشد قضاء بعض الوقت مع رجل الساعة، المصمم سابياساتشي مُخيرجي Sabyasachi Mukherjee، الذي كان يرتدي على عادته سروال جينز، وكنزة من الكشمير تزدان بنقش النمر البنغالي الذي اتخذه شعارًا لعلامته، فيما ينتعل حذاء رياضيًا. كانت إطلالته تتعارض على نحو لافت مع بحر من الأزياء الرسمية التي فرض مُخيرجي على ضيوفه أن تكون باللون الأسود حصريًا ليتسنى له استعراض تصاميمه زاهية الألوان على الممشى.
Dolly Devi \Sunhil Sippy
كان ممشى العرض أبعد ما يكون عن المألوف. فبعد أن شق المدعوون طريقهم عبر ممر يتزين بالغسيل المعلّق، وجدوا أنفسهم في رحاب كولكاتا، المدينة الأم لمُخيرجي.
يُعزى ذلك إلى الموقع الذي جرى استحداثه بإتقان لاستنساخ كولكاتا، على ما تشهد أدق التفاصيل من الطلاء المتقشر، إلى واجهات الزجاج الملوّن التي يعلوها الغبار، والأسلاك الكهربائية المتدلية.
لمن لا يمتلك معرفة كافية، قد يبدو المشهد صورة عن عظمة خفت بريقها. لكن ألق الهند لم يخبُ قط من منظور مُخيرجي الذي يقول: "تجد الفخامة مكانها في بيوت الهند الأشد فقرًا. إنها حاضرة في عقلنا الباطن. وإن كانت السيدة لا تمتلك تكلفة الجواهر الحقيقية، فإنها تزيّن شعرها بالزهور".
أثبت المصمم الذي يحب ملايين المعجبين بتصاميمه مناداته باسم "سابيا"، أنه واسع الحيلة بالقدر نفسه. بل إنه يُعرف أيضًا باسم رالف لورين الهند بسبب إبداعاته التي يغلب عليها طابع جمالي متفرّد، هندي ولكن يسهل تعرّفه على الفور في أزيائه الرجالية والنسائية، وفي متاجر علامته، وقطع الجواهر التي يبتكرها.
بل إن هذا الرجل البالغ من العمر 51 عامًا هو اليوم المصمم الأكثر شهرة وتقديرًا في بلاد يبلغ تعداد سكانها 1.4 مليار نسمة، والمناصر الأول بلا منازع لتقاليدها الحرفية الغنية، بالرغم من أنه يسارع إلى إخبارك بأنه لا يزال في مرحلة البدايات.
Sunhil Sippy
إطلالات باذخة صوّرت في كولكاتا لتصاميم من مجموعة العيد الخامس والعشرين لعلامة سابياساتشي.
بدايات طموحة
بعد أن أثار مُخيرجي جلبة في نيويورك بسبب متجره المتفرد وبعض مشاريع التعاون الرفيعة التي انخرط فيها، أصبح محط أنظار مراقبي عالم الأزياء في الغرب. والحقيقة أن الرحلة انطلقت في الأصل من منزل عائلة بنغالية من الطبقة المتوسطة.
فهو ابن لمهندس كيميائي ومدرّسة فنون كانا يطمحان أن يمتهن ولدهما الطب أو الهندسة. لكن كان لمُخيرجي خُطط أخرى. بدافع من فضوله تجاه العالم، هرب خلسة على متن قطار وهو في الخامسة عشرة من العمر.
ولتمويل دراسته في المعهد الوطني لتقنيات الأزياء في الهند، عمل في مجالات مختلفة وغريبة، شملت غسل الصحون في غووا. وعند تخرّجه، أقرضته شقيقته بايال مبلغًا يساوي 200 دولار ليطلق مشروعه الخاص.
وظّف مُخيرجي رأس المال لابتياع آلة خياطة، ودلو، وبعض الأصباغ لتلوين قصاصات القماش التي حصل عليها من أسواق محلية (وإن كان يوضح أنها بقايا منسوجات أثرية ثمينة). أما اليوم، فتبيّن التقارير أن علامته في طريقها إلى التحوّل بحلول عام 2030 إلى شركة بقيمة ملياري دولار.
في البداية..
لم يكن مُخيرجي يمتلك تمويلاً كافيًا لدفع أجر العامل المكلّف بقص نماذج التصاميم.
وفيما يستحضر ذكرى المقابلة التي أجراها مع الرجل، يشير إلى أنه قال له آنذاك: "تبدو شخصًا حكيمًا، وأظن أنك ستبني شركة ناجحة. لذا لا حاجة إلى أن تدفع لي مقدمًا".
كان مُخيرجي واثقًا هو أيضًا بقدراته. وفي هذا يقول: "كان عندي دومًا اعتقاد راسخ بأني سأكون واحدًا من كبار المصممين. أذكر أن والدي سألني مرة معاتبًا عمّا أفعله، فجعلته يجلس ونظرت إلى وجهه وقلت: لا تقلق. أمهلني خمس سنوات وسأثبت لك أنك على خطأ". لكن الطريق إلى النجاح لم يكن خاليًا من الصعاب.
في عام 2006، بعد أن حظي مُخيرجي بقدر جيّد من القبول في الهند، وبعد أن وجدت تصاميمه طريقها إلى واجهة متجر براونز (يُقال إن المصمم يحقق نجاحًا مبهرًا إذا ما عُرضت إبداعاته هناك خلال أسبوع لندن للموضة، على ما حدث مع جون غاليانو وألكسندر ماكوين)، وصل إلى نيويورك وبه توق إلى أن يترك بصمته هناك، شأنه في ذلك شأن العديد من المصممين الشباب.
ولكن قيل له آنذاك أن الطابع الهندي المفرط لتصاميمه يجعلها غير مناسبة لسوق الولايات المتحدة الأمريكية. صمد سابيا في المدينة لمدة سنة، وفكر في أن يغيّر الطابع الجمالي لتصاميمه، لكن سوزي مينكس، الصحافية الشهيرة المتخصصة في عالم الأزياء، تدخلت ونصحته بأن يرجع إلى بلاده.
يتذكر مُخيرجي أنها قالت له: "لا أفهمك يا سابيا. في بلادك سوق ناشئة مهمة ويمكنك أن تكون ملكًا على عرشها. لماذا ترغب في دخول السوق الغربي الآن؟ احزم حقائبك وعد أدراجك وابدأ بالعمل في الهند. وعندما تمتلك النفوذ والمكانة، ارجع إلى أمريكا وابدأ في توجيه إملاءاتك، وعندئذٍ سيصغي لك الجميع".
أدرك مُخيرجي على الفور ما عليه فعله: في رحلة العودة إلى الهند، بدأ يرسم تصاميم للعرائس فيما كان أسبوع أزياء العرائس على بعد شهر واحد فقط. أطلق على المجموعة اسم Chand Bibi، واحتفى من خلالها بزي العروس الهندية التقليدية في وقت كان العديد من النساء في البلاد يتجنّبن ارتداء أزياء عتيقة الطراز.
في تلك المرحلة، وفي حديث إلى مجلة Times of India، قال مُخيرجي: "لا ينبغي أن تكون المرأة الهندية مجبرة على ارتداء الملابس الغربية بدافع من تأثير نظيراتها أو لأن الإطلالة التقليدية تُوصف بالمبتذلة"، مشيرًا إلى أن توجهات الأزياء في بلدان مثل اليابان وإسبانيا وإيطاليا تحافظ على الثقافة المحلية.
حققت مجموعة أزياء العرائس نجاحًا ماليًا وحظيت باستحسان النقاد، وضمنت لعلامة سابياساتشي مكانتها في البلد الأم. وبعد مرور عقد كامل، تولّى مُخيرجي، إلى جانب رالف لورين، ابتكار أزياء بريانكا شوبرا ونِك جوناس لمناسبة زفافهما في عام 2018.
وفي السنة الفائتة، لم يكن مسؤولاً عن إطلالات العديد من ضيوف حفل زفاف أنان أمباني على راديكا ميرشانت فحسب، بل أوكلت إليه أيضًا مهمة تصميم زيّ أمباني التقليدي من طراز Sherwani المطرّز بخيوط من الذهب والذي أثرته أزرار من الزمرد.
SABYASACHI
من مجموعة Bengal Byzantine Broadway، عقد صيغ من الذهب الأصفر عيار 18 قيراطًا ورُصّع بأحجار التورمالين، واللابرادوريت، والغارنيت، والرودوليت، والألماس البرّاق من فئتي E-F VVS وVS.
إبداع عالمي بروح هندية
صحيح أن أزياء الزفاف التقليدية أكسبت مُخيرجي شُهرة وثروة، لكن الزمن تغيّر. في أيامنا هذه، يميل عدد متزايد من الهنود إلى اختيار أزياء أشد بساطة لحفلات الزفاف (إن كان في نيتهم الزواج أصلاً)، ويؤثرون إنفاق أموالهم على مشاريع تستحق الاستثمار فيها من منظورهم، مثل بناء الشركات الناشئة.
وبالرغم من أن العديد من المدعوين إلى حفل الذكرى الخامسة والعشرين فوجئوا بغياب تصاميم الزي التقليدي "لينغا" Lehenga عن العرض، إلا أن هذا الغياب كان متعمدًا، وربما خطوة حكيمة إذا ما أخذنا في الحسبان أن أكبر متجر لسابياساتي خارج بلاده يقع في مركز بيرغدورف غودمان النيويوركي، معقل الأزياء الراقية الأوروبية بامتياز.
يقول مُخيرجي: "أخبرت السيد بيرلا (يقصد الملياردير كومار بيرلا، رئيس مجلس إدارة مجموعة أديتايا بيرلا Aditiya Birla) أننا لن نشهد على الأرجح كامل ثمار هذا المشروع فيما نحن على قيد الحياة. إننا نبني هذا المشروع للسنوات المائة المقبلة".
الجدير بالذكر أن شركة بيرلا استثمرت مبلغًا ضخمًا في علامة سابياساتشي، فيما عمل المصمم على إثراء مجموعاته الجاهزة للرجال والنساء بتصاميم غربية تتمايز بمطرزات وزخارف مصدرها عالم الأزياء الراقية.
وقد أوحت مجموعته الأخيرة بقدر أكبر من التركيز على أزياء الرجال، وهي خطوة تغييرية يرى مُخيرجي أنها تأخرت بعض الشيء. رسخت العلامة أيضًا حضورها بافتتاح متجر في شارع كريستوفر عام 2022.
خلال أسبوع نيويورك للموضة، الذي نُظم في شهر سبتمبر الفائت، أقام المصمم في متجره حفلاً يُقال إنه شهد أكبر نسبة من الإقبال بالرغم من أنه لم يتضمن أي عرض أزياء.
كثيرون من رؤساء التحرير حضروا الحفل، شأنهم في ذلك شان مارتا ستيورات، وكارولينا هيريرا، ومصمم الجواهر الأمير ديميرتي من يوغوسلافيا. على أن المتجر يتجاوز حدوده المكانية التقليدية ليبدو أقرب إلى تصريح مفاده أن مُخيرجي اليوم أبعد ما يكون عن السعي وراء مصادقة الغرب على ملكته الإبداعية.
وفي هذا يقول: "تزخر الهند بالمواهب التي تستحق أن تُقدم للعالم، وأكثر ما أخشاه هو أن نفقد هذه النعم"، مشيرًا إلى أن أصل تصاميم علامة إيطالية مشهورة بنقوشها النباتية يرجع في الحقيقة إلى كشمير. ويضيف قائلاً: "ما فعلته هو ابتكار مجموعة عالمية تميّزها روح هندية".
SABYASACHI
عقد The Moulin Rouge، صيغ من الذهب الأصفر عيار 18 قيراطًا ورُصّع بأحجار التورمالين، والبيريت، والأيوليت، والياقوت، والإسبنيل، والألماس البرّاق من فئتي E-F VVS وVS.
جذور راسخة وقيمة أصيلة
على الرغم من مظاهر البذخ، إلا أن مُخيرجي يستمد الطابع الجمالي لإبداعه من جذور الطبقة المتوسطة التي ينحدر منها. يكفي أن تتأمل عن كثب في الجواهر الراقية التي يبتكرها لتلاحظ تمازج الألماس والياقوت مع أحجار العقيق الأخضر والصوداليت. يقول المصمم: "أفتخر بانتمائي إلى المجتمع البنغالي، وفي مجتمعنا العملة الحقيقية هي الثقافة. إننا لا نميّز بين الأشياء على أساس سعرها. بل نختارها بسبب حيويتها أو تفاعلنا مع المادة المكوّنة لها".
ينطبق التوجه نفسه على متجره في نيويورك. فبعيدًا عن الثريات الثلاثين والجدران المصقولة بصلصال كشمير التقليدي المزدان بالنقوش النباتية، تحتفي هذه الواحة بخزانة المعروضات في المنازل البنغالية النموذجية. إنها خزانة قد تحوي أي غرض، بداية من قطعة من الخزف الصيني مصدرها حفل زفاف، وليس انتهاء بإناء فارغ للقشدة. وفيما تتيح هذه الخزانة للزوّار نظرة على أسلوب حياة العائلة، تذكر يوميًا بمسار تطور حياة المالك.
Tarun Vishwa
إطلالات للرجال والنساء من مجموعة العيد الخامس والعشرين لعلامة سابياساتشي.
الواقع هو أن الجمع بين أغراض نفيسة وأخرى متواضعة يشكل سمة عفوية في أسلوب مُخيرجي الذي كان يرتدي خلال حوارنا قميص تي – شيرت طويل الكمّين من علامة يونيكلو. يقول المصمم إن جدّتيه المختلفتين كل الاختلاف إحداهما عن الأخرى هما مصدر إلهامه الدائم. بل إنه أهدى العرض في العيد الخامس والعشرين لعلامته إلى هاتين السيّدتين.
وفي هذا يقول: "إبداعاتي تعكس طبيعة جدتي لأمي التي تهوى المبالغة، فيما أسلوبي الشخصي يجسّد ميل جدتي لوالدي إلى البساطة.
فزوج الأولى كان يدللها إلى حد المبالغة ويغدق عليها الهدايا، من الجواهر والمطرزات إلى أثواب الساري. أما الثانية، فكانت مواردها محدودة، وكانت تتبع نظامًا غذائيًا نباتيًا ثابتًا، وتواظب على ممارسة اليوغا كل صباح".
ويضيف قائلاً: "لا أمتلك صورًا عائلية أو دفتر قصاصات، لكن علامتي تُعد نقيضًا لأسلوبي الشخصي". على أن ما تعلمه من الجدّتين يخص المبادئ أكثر منه القيمة الحقيقية للأغراض المادية. وفي هذا يقول: "المبالغة قد تقود إلى أخطاء مروّعة إذا لم يتحقق التوازن المطلوب".
Dolly Devi
إطلالات للرجال والنساء من مجموعة العيد الخامس والعشرين لعلامة سابياساتشي.
نذكر أيضًا من الشخصيات النسائية المؤثرة في حياة مُخيرجي الأنيقة ليندا فارغو، نائب رئيس قسم الأزياء في متجر بيرغدورف، وعرّابة حضور علامة سابياساتشي في نيويورك. صحيح أن بيرغدورف ليس متجر البيع بالتجزئة الوحيد الذي تعاونت معه العلامة، لكنه كان على الأرجح أكبر مناصر لها بداية من عام 2020 عندما استضاف حدث إطلاق مجموعة المصمم من الجواهر الفاخرة التي أبهرت زبائن بيرغدورف منذ اللحظة الأولى على ما تؤّكد فارغو التي كانت قد زارت مُخيرجي للمرة الأولى في ذلك العام بمناسبة الاحتفال بالعيد العشرين لشركته.
تقول فارغو: "آنذاك، كانت أزياؤه الجاهزة أقرب إلى مشروع جانبي، لكني لم أكن أرغب في تفويت الفرصة، لذا بدأنا تعاوننا في مجال الجواهر".
في الوقت الحالي، تشكل الجواهر نحو ثلث مبيعات سابياساتشي، ويتوقع مُخيرجي أن يتواصل نمو علامته في هذا المجال، بالرغم من أن سعر العديد من القطع التي يتيحها يساوي ملايين الدولارات.
Dolly Devi
إطلالات للرجال والنساء من مجموعة العيد الخامس والعشرين لعلامة سابياساتشي.
في وقت سابق من هذا العام، افتُتح في الدور الرابع من مركز بيرغدورف متجر مخصص تُعرض فيه ابتكارات العلامة من المنتجات الجلدية والألبسة الجاهزة. وفي الربيع الفائت، استضاف المصمم حفلاً لإطلاق أحمر الشفاه الذي ابتكره بالتعاون مع إستي لودر.
يقول مُخيرجي: "أخبرت جاين هوديس (الرئيس التنفيذي لمجموعة شركات إستي لودر) أن لي طلبًا واحدًا يتمثل بالسعي لابتكار أفضل أحمر شفاه في العالم. وعندما سألتني إن كنت أظن أن سوق علامتنا جاهز لهذه الخطوة، قلت نعم".
كان صف الانتظار في شارع 58 ويست طويلاً إلى حد أن مُخيرجي دفع من جيبه لقاء إبقاء المتجر مفتوحًا ساعة إضافية لاستقبال الجميع. كان العديد من الزبائن من الأمريكيات ذوات الأصول الهندية، ولكن الكثيرات كنّ من غير هذه الفئة، ما يشير إلى اتساع نطاق حضور العلامة. نفد المنتج عالميًا من الأسواق في غضون ثلاثة أيام. وفي هذا يقول مُخيرجي: "الخطأ الذي يُرتكب في ما يتعلق بالهند هو الافتراض بأن الهنود يحبّون ابتياع سلع بخسة الثمن. على العكس من ذلك، إنهم يثمّنون قيمة المنتج، ولا يتوانون عن دفع الثمن طالما أنه سيحافظ على قيمته".
Sunhil Sippy
إطلالات للرجال والنساء من مجموعة العيد الخامس والعشرين لعلامة سابياساتشي.
تشكّل القيمة موضوعًا يُناقش باستمرار في الشركة، فيما يجري كتم الأصوات التي تناقشه في أسواق المنتجات الفاخرة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالجماليات المبالغ فيها.
في الحديث عن التصاميم المزخرفة إلى حد المبالغة وباهظة الثمن، والتي غالبًا ما تكون قناعًا تحتجب خلفه صناعة رديئة، يقول مُخيرجي: "في التصميم الذي يميل إلى المبالغة، أول ما يتبادر إلى الأذهان هو التكلفة.
لا أحد يتحدث حقيقةً عن الجودة أو القيمة". بالنسبة إلى زبائن العلامة، تكمن قيمة أسلوب سابياساتشي في الاهتمام الدقيق بالتفاصيل، مثل التطريز اليدوي، وبطانات السترات المشغولة من أقمشة ملوّنة يدويًا لغرض إبهاج مرتديها.
بل إن العلامة تولي القدر نفسه من الاهتمام للجواهر وحقائب اليد التي يُضاف إليها دومًا عنصر نفيس. وعندما يتعلق الأمر بمشاريع التعاون، فإن المصمّم يختار شركاءه بعناية. تعاون مُخيرجي مع كريستيان لوبوتان لإطلاق حذاء رياضي وخُفّ مرصّعين بأحجار شبه كريمة ومطرّزين بخيوط من الذهب.
كما أنه تشارك في الآونة الأخيرة مع علامة مورغنتال فريدريكس للنظارات المصممة حسب الطلب في نيويورك من أجل إطلاق مجموعة من النظارات الشمسية التي تثريها تفاصيل من طلاء المينا، والأخشاب النادرة، وشعار نمر سابياساتشي.
يعمل مُخيرجي أيضًا على تطوير عطر يُقال إنه يجسّد جوهر كولكاتا (كان صانعا العطور الفرنسيان الشهيران فريدريك مال وناتالي لورسون حاضرين في حفل العيد الخامس والعشرين).
Dolly Devi
إطلالات للرجال والنساء من مجموعة العيد الخامس والعشرين لعلامة سابياساتشي.
المستقبل للحرف اليدوية
تُعد الدقة المفرطة والتقدير للحرفية بلسمًا ضروريًا لعصر قلة من المنتجات الفاخرة فيه تستحق ثمنها. في المقابل، تبدو ابتكارات سابياساتشي أقرب إلى إرث لأجيال المستقبل.
فالرفاهية من منظور مُخيرجي تتمثّل في كل إبداع جميل يُصنع يدويًا بغض النظر عن الوقت. وفي هذا يقول: "إننا نفقد إرثنا. والرفاهية ستتعلق مستقبلاً باستعادة هذا الإرث. لن يتحقق ذلك إلا بتدخل اليد البشرية".
يضيف مُخيرجي موضحًا: "في سابياساتشي، نقوم بثلاث مهام: الابتكار، والاستعادة، وتثقيف الزبائن الأصغر سنًا الذين لم يكتشفوا على الأرجح ثراء حيوية الهند التي اختبرها أجدادهم أو آباؤهم، الأمر الذي يولّد في نفوسهم الرغبة في أن يمتلكوا هذا الإرث أو أن يكونوا جزءًا منه". وفيما يشير إلى أن متاجر العلامة تشبه متاحف حيّة، يقول: "العنصر الأهم هو الأصل. من أين ستبتاع الزبونة ثوب كيمونو؟ من شركة في باريس؟".
تزدهر اليوم أعمال الحرفيين الذين تتعاقد معهم سابياساتشي لأن العلامة تلتزم بتدريب الجيل المقبل منهم والذين كبروا وهم يشاهدون آباءهم يكافحون. ولكن بفضل التقدير المتجدد للحرفة الهندية (ولصناعة الأزياء)، يمتلك هؤلاء الآباء اليوم موردًا كافيًا لبناء منزل وشراء سيارة، وفي بعض الأحيان للحصول على تيار الكهرباء للمرة الأولى.
بل إن كثيرين منهم أنشأوا مشاريع موجّهة مباشرة إلى المستهلكين، وذلك بالتعاون مع أطفالهم الذين انتقل العديد منهم إلى الخارج بحثًا عن فرص أفضل لكنهم رجعوا إلى بلدهم متسلحين بالمعارف اللازمة في مجال التسويق وسلسلة التوريد بما يتيح لهم الارتقاء بشركاتهم العائلية الصغيرة. وعلى ما هو عليه حال علامة سابياساتشي، تولي هذه الشركات تقديرًا بالغًا للتقاليد، ولكن عينها على المستقبل.
SABYASACHI
سوار The Mangrove، مشغول من الذهب الأصفر عيار 18 قيراطًا ومرصّع بالأحجار الكريمة متعددة الألوان والألماس من فئتي E-F VVS وVS.
في مجموعة العيد الخامس والعشرين للعلامة، تجلّى هذا الميل في التركيز على الأزياء الرجالية بقدر يفوق ما كان عليه الحال في الماضي، مع الاستلهام من مصادر واسعة النطاق مثل إطلالات إم سي هامر، وهاميش باولز، وجواهر لال نهرو، وأمير جودبور.
بدت القمصان المزدانة بالأنشوطات، واللآلئ، والقطع المشغولة من نسيح التويد المطعّم بخيوط معدنية، وكأنها تتحدى المفاهيم التقليدية للأناقة الذكورية في مكان يُتوقع فيه أن يفضّل الرجال اللون الأزرق وتؤثر النساء اللون الزهري.
في حفل ما بعد العرض، أثنى منسق الأزياء نولان ميدر على الأقمشة المتفرّدة المعروضة، مثل نسيج التول المطرّز الذي يحاكي مظهر التويد، وعلّق قائلاً: "بات لدى زبائني الذين يفتقدون درايز فان نوتن مكان يمكنهم التسوّق منه".
يشير مُخيرجي إلى أن الأزياء في الهند حافظت بمعظمها على التأثير البريطاني التاريخي. وإذ يتذكّر قصة لقائه بصديق كان متخوّفًا من ألا تكون ملابسه فخمة بما يكفي لحضور حفل عشاء، يقول إنه سأله: "ما قصدك؟".
يضيف المصمم موضحًا: "الكل في الهند يرتدي قميصًا بياقة مزررة، من بائع الفاكهة في الشارع والشخص الذي ينظّف المراحيض إلى مدير تنفيذي في غرفة الاجتماعات. عندئذٍ فهمت قصده". أدرك مُخيرجي أن تجديد أزياء الرجال قد تأخر.
يقول المصمم: "بعيدًا عن حفلات الزفاف، يُعد زبوني الهندي متحفظًا، لكني أرى في أمريكا العديد من الرجال من غير الهنود الذين يميلون أكثر فأكثر إلى تصاميمي".
يشكل هؤلاء الزبائن جزءًا من التحوّل العالمي لرجال يجازفون اليوم أكثر عندما يتعلق الأمر بملبسهم. ويرى مُخيرجي أن الوقت الذي يمضيه اليوم في نيويورك وشيوع أزياء الشارع فتحا عينيه على الحقيقة. وفي هذا يقول: "يشبه حسّي التصميمي تقاطعًا ثقافيًا بين الأناقة البريطانية والأناقة الهندية".
Björn Wallander
في متجر العلامة في شارع كريستون، خزانة مقتنيات سابيا القديمة.
مشروع مستدام
في العرض الخاص بالعيد الخامس والعشرين للعلامة، لوحظ أن العديد من الأزياء المنسقة قُدمت من خلال عارضين وعارضات ساروا جنبًا إلى جنب على قدم المساواة. وفي هذا يقول مُخيرجي: "أنا من ينال المجد كله، لكني مضيت في مسيرتي المهنية بتوجيه من مجموعة من السيدات الجسورات اللاتي دفعنني نحو النجاح الذي أستمتع به اليوم".
وإذ يتأمل في مسيرة عمرها 25 عامًا، يقول: "إنه لأمر مهم أن تتولى نساء دفع رجل إلى تقديم أفضل ما عنده، خصوصًا أنني أنتمي إلى بلد مجتمعه ذكوري بامتياز. إن علامتي وُلدت بفضل نساء دفعنني إلى الأمام". كانت شقيقته بايال، التي أقرضته رأس المال قبل 25 عامًا، تعمل في فريق التصميم حتى وقت غير بعيد.
Dolly Devi
مُخيرجي في ختام العرض في مومباي مع نجمة بوليوود ديبيكا بادوكون وعارضة الأزياء كريستي تورلينغتون بورنز.
بغض النظر عن الجلبة والأهداف الطموحة، لا تمضي الأمور بسرعة لسابيا الذي يرفض أن يستسلم لالتزام دور الأزياء الغربية الصارم بالمواسم. بل إنه يقول إن تقديم عرضه المقبل قد لا يحدث قبل سنتين (انقضت خمس سنوات منذ قدّم مجموعته السابقة). لكن لا داعي للقلق، إذ يمكنكم طلب بعض التصاميم من مجموعاته السابقة. يقول مُخيرجي: "لا يمكنك أن تبني مشروعًا مستدامًا بالطمع".
يثق مُخيرجي إلى حد كبير بإمكانيات علامته، لكنه متواضع على نحو لافت ويصر على أنه ما زال المراهق المشاكس والجسور الذي أمضى ثلاث ليالٍ على متن قطار في مومباي. كما أنه لا يزال يتذكّر قلق والديه لتوفير قوت عائلة من أربعة أفراد بعد أن فقد أبوه عمله.
وفيما يشير إلى أنه يرغب في إدارة شركة ناجحة ولكنه "غير مهووس" بالمال، يقول: "إن هذا المستوى من الفقر قد يخلّف عندك جرحًا أبديًا فيصبح شح المال مصدر مخاوفك الدائم، لكنه قد يساعدك أيضًا على النمو، فتدرك أن توفّر المال أمر عابر. عندما تنأى بنفسك عن المال، تتعلّم أن تجازف انطلاقًا مما يمليه عليه قلبك. لطالما اتبعت حدسي".
أما في ما يتعلق بوالديه، فإنه يقول: "ينظران إليّ ويقولان: حسنًا.. لقد شاهدناك على شاشة التلفاز. إننا فخوران جدًا بك، ولكننا كنّا لنكون أكثر فخرًا لو أنك أصبحت طبيبًا".