فيما يجلس الطاهي خوان خوسيه كويفا إلى طاولة خارج مطعمه الفاخر 1919 في فندق كوندادو فاندربيتCondado Vanderbilt Hotel المشرف على الواجهة البحرية لمدينة سان خوان في بورتو ريكو، يحدثنا قائلاً: "أحب الأرز والفاصوليا. كانت أمي وجدتي تطهوان الأرز والفاصوليا، لكنني أردت أكثر من ذلك".
وعلى ما قد يشهد أي فرد استمتع بمذاق رافيولي البط والكمأة أو جرّب سمك النهّاش المحلي المحشوّ والمقدم مع مرق جراد البحر والخضراوات في مطعم 1919، فإن كويفا قد حقق أكثر مما كان يصبو إليه.
يتمثل المبدأ الأساس الذي تنطبع به مقاربة كويفا برغبته في تحقيق الكثير لمطعم 1919 وللمزارعين المحليين ولبلده الحبيب بويرتوريكو.
شكل هذا المبدأ أيضًا القوة الدافعة وراء سعيه الجاد للتعريف بمفهوم الطهي المرتكز إلى استخدام خيرات المزارع المحلية في جزيرة لا تزال تستورد أكثر من 80% من احتياجاتها الغذائية.
وفيما يتذكّر كويفا كيف كانت أفخم المطاعم في سان خوان تلجأ في ما مضى إلى الأطعمة المجمّدة والمعلبة، يقول: "على مدى سنوات عدة، كان معظم ما ينمو على أراضي هذه الجزيرة يقتصر على المحاصيل الثقيلة المعهودة في النظام الغذائي المحلي: البطاطس من فصيلتي البفرة (Yuca) والمالانغا (Malanga)، وموز الجنة (Plantain)".
في تسعينيات القرن الفائت، وبسبب الإحباط الذي خيم على كويفا بسبب القيود الموضوعة على أساليب الطهي، غادر بويرتوريكو ليعمل في مطاعم عالمية مرموقة، بما في ذلك مطعم بلو هيل Blue Hill في نيويورك، ومطعم أكيلاري Akelarre في سان سيباستيان بإسبانيا، وفندق الريتز - كارلتون في سان فرانسيسكو.
وخلال مسيرته هذه، تعلّم أصول الزراعة العضوية وأساليب الاستدامة والطهي الموسمي، وكلها كانت موضوعات شائعة في المطابخ المنتشرة عبر الولايات المتحدة وأوروبا في ذلك الوقت، ولكنها تكاد تكون مجهولة تمامًا في بويرتوريكو.
Diego Santana Lopez
حلوى مصنوعة من الشوكولاته وجوز الهند والمثلجات.
في عام 2012، عاد كويفا إلى موطنه وعينه على تحقيق مساعيه، فشرع في زيارة الأسواق المحلية ومحاورة المزارعين وتشجيعهم على تنويع محاصيلهم. وفيما يستعيد ذكريات تلك المرحلة يقول: "كنت أقول لهم دعونا نزرع الجزر والشمندر والرجلة'".
كان بعضهم يعارض هذه الفكرة خشية أن تذهب جهودهم أدراج الرياح حين يتعذر استقطاب المشترين. فهذا ما اختبره العديد منهم في الماضي، إذ تخلت عنهم الفنادق التي كانوا يتعاملون معها.
لكن وضع كويفا كان متفردًا. فبوصفه رئيسًا لقسم عمليات الطهي والمشرف على المطاعم الستة في فندق كوندادو فاندربيت، كان واثقا من أنه قادر على الاستفادة من كل ما سيجنيه المزارعون من حقولهم. قال للمزارعين: "نحن نتصافح على هذا الاتفاق. يمكنكم الوثوق بي. لا تثقوا بالفندق، بل ثقوا بي أنا".
ونجح كويفا في الوفاء بوعده. فعندما اجتاح إعصار ماريا الجزيرة في عام 2017، أبقى كويفا مطعم 1919 مفتوحًا واستمر في شراء المحاصيل التي صمدت في وجه الكارثة، وكانت معظمها خضراوات جذرية.
ويقول كويفا: "كان إعصار ماريا أكبر تحدٍ واجهناه. ولكنه كان أيضًا جرس إنذار". فالعديد من صغار المزارعين، وفي أعقاب إدراكهم أن إعصارًا مشابهًا لإعصار ماريا قد يلحق الدمار بالجزيرة في أي لحظة، صاروا يقاربون مسألة تنويع المحاصيل الزراعية بجدية أكبر. وقد أصبحت هذه الممارسة الآن، بعد لأي، هي القاعدة.
يتعاون كويفا مع بعض المزارع والتعاونيات الزراعية الأكثر تقدّمية في الجزيرة، مثل المزرعة الصديقة للأنظمة الزراعية البيئية إل خوسكو برافو El Josco Bravo الواقعة في جبال توا ألتا Toa Alta، والتي تقدم ورش عمل تعليمية تتناول على سبيل المثال أساليب حرث الأرض بالثيران.
Diego Santana Lopez
سلطة حبوب عضوية مع شمندر محلي وجبن ماعز مصدره مزرعة غواكابو Guacabo.
تضم صفحة المزرعة على موقع إنستغرام ما يقرب من 23,000 متابع. وبعد مرور عقد من الزمان على عودة كويفا إلى الجزيرة، نجح في توجيه جيل جديد من الطهاة المحليين الذين يتركون بصماتهم حاليًا على قطاع الطهي في بويرتوريكو. نذكر من بين هؤلاء، مساعد الطاهي السابق في مطعم 1919 لويس كاستييو الذي افتتح مطعمين اختباريين في متنزّه تذوق الطعام Lote 23 الذي يقع في سانتورسي Santurce، فضلاً عن مطعم جيلتي Jelty للوجبات الصحية الذي يقع مقره في سان خوان.
كما تشكل قائمة هؤلاء الطهاة خوسيه إم كروز، وهو طاه سابق في أحد مطاعم كوندادو فاندربيت، ويعمل اليوم طاهيًا تنفيذيا في مطعم لا سنترال La Central الذي يعد أحد أهم وجهات تناول الطعام في بويرتوريكو.
يعود كويفا بذاكرته إلى الماضي فيقول: "منذ ثلاثين عامًا، كان الطهاة يفتحون علب الذرة والبازلاء المجمدة ويفرضون على رواد مطاعمهم أسعارًا تعادل قيمة الوجبات الفاخرة. وكان أغلب الطهاة البارزين آنذاك من الأوروبيين والأمريكيين، فيما معظمهم اليوم من بويرتوريكو".
ويضيف: "فضلاً عن ذلك، بات المزارعون اليوم يعشقون عملهم. فلم تعد تسمع من يقول، 'أوه، كان والدي يمتلك هذه الأرض، ولذلك أنا أعمل عليها'. تغير الحال الآن، إذ إنهم يبدون اليوم شغفًا تجاه عملهم وتجاه الجزيرة". ومما لا شك فيه أن الطاهي كويفا يتفهم هذا الشغف.