مع سعي العالم لتحقيق التوازن بين الرفاهية والحفاظ على البيئة، تتألق نماذج معمارية استثنائية تجمع بين الفخامة والاستدامة، مقدمةً رؤية متجددة للحياة العصرية، تعكس تفردًا في التصميم يحترم الطبيعة ويحافظ عليها.
في هذا التقرير، نستعرض ثلاثة أمثلة ملهمة تُظهر كيف يمكن للعمارة أن تمزج بين العبق التاريخي والابتكار البيئي لاستحداث مساكن فاخرة مستدامة.
استراحة معمارية وسط تلال إنجلترا
عند الذهاب للريف الإنجليزي، تطل العمارة المستدامة بطابع خاص يمزج بين الحداثة وروح التاريخ. على بُعد مسافة قصيرة من جدار هادريان التاريخي الممتد منذ الحقبة الرومانية، ينهض منزل عصري بواجهات زجاجية عريضة تحاكي انسياب التلال الخضراء من حوله.
هذا الصرح المعماري ليس مجرد مسكن، بل هو رؤية بيئية متكاملة أبدعها المهندس المعماري المتقاعد بيتر مونسي، الذي قرر أن يجعل من منزله أيقونة مستدامة تعيش في انسجام تام مع الطبيعة المحيطة.
الفكرة بدأت برغبة عميقة في الابتعاد عن صخب المدن، وبناء مأوى يعتمد كليًا على مصادر الطاقة المتجددة. لكن العثور على قطعة أرض مناسبة لم يكن بالأمر اليسير، حتى اكتشف مونسي وزوجته في عام 2019 قطعة مهملة من المراعي السابقة، تتخللها بقايا أساسات قديمة لمشروع بناء متوقف منذ الثمانينيات.
ورغم أن تلك الأساسات لم تصلح للاستخدام، إلاأن وجودها مكّن الزوجان من الاحتفاظ بتصريح بناء نادر قرب موقع تراث عالمي مدرج على قائمة اليونسكو، وهي ميزة يصعب الحصول عليها اليوم.
منذ اللحظة الأولى، كان الهدف واضحًا، وهو الوصول إلى صافي انبعاثات صفري أو أفضل، أي أن يُنتج المنزل كل ما يحتاج إليه من الطاقة النظيفة.
لذلك جُهّزت الأسقف والأراضي المحيطة بألواح شمسية متطورة، فيما تتولّى توربينات الرياح تزويده بالكهرباء. النوافذ الزجاجية ثلاثية الطبقات تحافظ على دفء الداخل في مواجهة رياح الشمال القارسة، وتفتح في الوقت نفسه على مشهد ساحر للتلال المتدحرجة وجدار هادريان الممتد حتى الأفق.
هكذا أصبح المنزل ملاذًا فخمًا، بل شهادة حيّة على إمكانية المزج بين العمارة المعاصرة وروح المكان، في مواجهة تحديات المناخ.
Sotheby's Realty
قصر تاريخي في كيب تاون
ومن الريف الأوروبي إلى القارة الإفريقية، في ضاحية أبر كونستانشيا الفاخرة في كيب تاون، يتربع منزل ستينهاوس على نحو خمسة أفدنة من الحدائق الخضراء، مجسدًا مزيجًا متقنًا بين العمارة التقليدية والتقنيات الحديثة المستدامة.
يمتد المنزل الذي يعد من أفخم المساكن الفاخرة المستدامة على مساحة تتجاوز 15 ألف قدم مربعة، ويضم بيت ضيافة مستقلاً، وملعب تنس، ومسبحًا تحيط به مجالس أنيقة.
إلى جانب المظهر التاريخي الفخم، يتميز قصر ستينهاوس باعتماده الكامل على الطاقة الشمسية من خلال 56 لوحًا تولد ما يكفي لتشغيل مختلف المرافق، فيما توفّر الآبار الجوفية المياه لري المساحات الخضراء وللاستخدام المنزلي، ما يضمن الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الشبكات العامة. هذا التوازن بين الجمال المعماري والفكر البيئي جعله نموذجًا فريدًا للسكن الفاخر المستدام.
وقد جذب هذا النهج المتكامل المشترين الباحثين عن حياة راقية مرتبطة بالأرض، إذ بيع العقار في وقت سابق من العام مقابل 3.4 مليون دولار، ليبقى تجسيدًا حيًا للفخامة الحقيقية التي لا تكتمل إلا بالاستدامة.
IG Mansions
ملاذ معماري في كولورادو
ومن القارة الإفريقية إلى قلب أمريكا الشمالية، يبرز نموذج آخر للفخامة المستدامة بين جبال كولورادو الشاهقة. على امتداد 411 فدانًا من الطبيعة البكر، شيد المعماري المخضرم جيمس برادبرن ملاذًا جبليًا يمزج بين روعة المشهد الطبيعي والاعتماد الكامل على الذات.
وقد أطلق على هذا المنزل اسم "رانشو بنديتو" Rancho Bendito، ليعكس شغفه العميق بالجبال، إذ تحيط به قمم سانغري دي كريستو المكسوة بالثلوج من كل جانب.
Mansion Global
المنزل الرئيس يتألف من ست غرف نوم، بأسقف معدنية مائلة تعكس خطوط الجبال المحيطة، وجدران من الحجر الرملي يتبدل لونها مع تغير الضوء على مدار اليوم.
أما النوافذ العازلة، فقد صُممت لحجب الأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء، ما يحقق عزلاً حراريًا مثاليًا ويوفر في الوقت نفسه إطلالات مفتوحة على الطبيعة.
إلى جانب الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح التي تغذي العقار، يضم المجمع بيت ضيافة، ودفيئة، وورشة عمل، ما يمنح سكانه اكتفاءً ذاتيًا كاملاً حتى في الظروف الطارئة. ويؤكد خبراء العقارات أن مثل هذه المنازل الفاخرة المستدامة أصبحت وجهة جذابة للباحثين عن رفاهية هادئة بعيدًا عن صخب المدن.