داخل ضواحي باريس الهادئة بمنطقة لوفيسيان، بيعت أخيرًا فيلا "بافيون دو فوازان" Pavillon de Voisins التاريخية، التي كانت ضمن ممتلكات مصمم الأزياء العالمي الراحل كارل لاغرفيلد، في مزاد علني بقيمة 5.5 مليون دولار.
يعود تاريخ الفيلا إلى خمسينيات القرن التاسع عشر، حين شُيّدت في فترة ازدهار العمارة الكلاسيكية المحدثة في ضواحي باريس. كانت الفيلا في الأصل ملكًا لتاجر الحرير الفرنسي الشهير شارل تافرنييه، الذي أضفى عليها لمسته الخاصة بما يعكس ذوق العصر ورغبة النخبة في إقامة منازل تجمع بين الفخامة والراحة.
عبر العقود، استضافت الفيلا العديد من الشخصيات البارزة في التاريخ الفرنسي والأوروبي، من بينها الشاعر الكبير لوكونت دو ليسل الذي أثرى الحياة الثقافية بوجوده فيها، فضلاً عن عائلة روتشيلد الشهيرة التي امتلكت جزءًا من العقار، ما أضفى عليها قيمة تاريخية وثقافية إضافية. وهذه الخلفية العريقة تجعل من الفيلا رمزًا للتراث والثقافة التي تعكس أوجهًا متعددة من التاريخ الأوروبي.
في عام 2010، استحوذ كارل لاغرفيلد على الفيلا وشرع في إعادة تصميمها بالكامل بما يتناسب مع رؤيته العصرية والفنية المميزة. واستبدل تفاصيل تصميم حديثة تدمج بين الأناقة والبساطة المعاصرة، بالأرضيات الخشبية التقليدية والقوالب الزخرفية الكلاسيكية للسقف.
كما أعاد تنظيم المساحات الداخلية ليحوّل الطابق الأول إلى استوديو عمل فني، استخدمه منصةً للإبداع والابتكار بعيدًا عن ضغوط الحياة اليومية. لم يكن لاغرفيلد يستخدم الفيلا سكنًا دائمًا، بل جعلها مساحة مخصصة للترفيه والعمل، تعكس ذوقه الفريد وقدرته على الجمع بين الوظيفة والفخامة.
فيلا "بافيون دو فوازان".. بين إرث لاغرفيلد وذكريات الطفولة
تضم ملكية فيلا "بافيون دو فوازان" ملعب تنس خاصًا مُجهزًا بأحدث المعايير الرياضية، إلى جانب حظائر تحولت برؤية لاغرفيلد إلى مكتبته الشخصية التي احتضنت مجموعته الكبيرة من الكتب والمخطوطات النادرة، ما منح المكان طابعًا فريدًا يعكس ذوقه الثقافي الرفيع.
بعد وفاة لاغرفيلد، تُركت الفيلا لفترة من الزمن من دون استخدام فعلي، قبل أن تستحوذ عليها شركة عقارية متخصصة قامت بإجراء صيانة شاملة للحفاظ على سلامتها وأصالتها، ومن ثم طرحها للبيع في السوق العقاري.
ومن التفاصيل التي تعكس حميمية العلاقة بين لاغرفيلد وذكرياته، غرفة في الطابق الأرضي أعيد تصميمها بعناية لتكون نسخة مطابقة لغرفة طفولته في مدينة هامبورغ الألمانية، مع استثناءات في الديكور مثل إزالة ورق الحائط بنقشة الفهد واستبدال السرير بأسلوب لويس السادس عشر.
ومع ذلك، لم يكن لاغرفيلد يستخدم هذه الغرفة قط، مفضلًا الإقامة في منزله الزجاجي الحديث الواقع بجانب المسبح، والذي صممه ليعكس أسلوب حياته العصري والمريح. كما أنه خصص غرفة واسعة لقطته الشهيرة "شوبيت"، التي عُرفت بملامحها الفريدة، وتُركت لها وصية ضخمة تضمن لها حياة فاخرة ومستقرة بعد رحيله.
جرى بيع فيلا "بافيون دو فوازان" عبر مزاد تقليدي يعود تاريخه إلى العصور الوسطى في فرنسا، يُعرف باسم Candle Auction (مزاد الشموع). في هذا النوع من المزادات، يجري تحديد وقت المزاد بوساطة احتراق شمعتين صغيرتين توضعان بشكل متزامن، وتستمر كل واحدة منهما حوالي 15 ثانية.
تنطفئ إحدى الشموع بشكل عشوائي، وعندها يُغلق المزاد تلقائيًا، ويُمنح الفوز لأعلى عرض جرى تقديمه قبل انطفاء الشمعة. هذه الطريقة تُضفي عنصر المفاجأة والإثارة على عملية البيع، وتمنع العروض الأخيرة المكثفة التي قد تؤثر على سير المزاد التقليدي. في هذا المزاد، تجاوز سعر بيع الفيلا التقدير المبدئي بقليل، ما يؤكد المنافسة والاهتمام الكبير بالعقار.
هذا البيع هو أحدث خطوة ضمن سلسلة من مبيعات ممتلكات لاغرفيلد التي تشمل عقارات متعددة في أوروبا وأمريكا، من بينها شقته الباريسية التي بيعت مقابل أكثر من 10 ملايين دولار، وكذلك مزادات كبيرة لمقتنياته الشخصية والفنية التي حققت عشرات الملايين من الدولارات خلال السنوات الماضية.