في عالم الساعات الراقية اليوم، الأصالة هي الأهم. تغدق العلامات موارد هائلة لإقناعنا، نحن جمهور المشترين، بأن ما نبتاعه منتج يدوم لآخر العمر، على ما يقول المثل الشائع، بل لأكثر من حياة. ففي نهاية الأمر، هل من منتج أكثر أصالة وقيمة من ابتكار ميكانيكي يشتمل على مزيج من التقنيات المتوارثة والعلم المتطور ويترافق مع وعد بالمقدرة على أن تورثه لأولادك؟ وغالبًا ما تعمل دور الساعات على إيصال رسالة تقول من خلالها: نحن الأفضل! صوّتوا لابتكاراتنا، اختاروها، وابتاعوها، وذلك من خلال إصرارها على تكرار حكايات ماضيها. فالأصالة هي النفط الجديد.

الواقع هو أن العديد من دور الساعات الفاخرة تجنّد اليوم جيوشًا من الأفراد لتولي مهمة التنقيب في الماضي في سبيل الإضاءة على الحاضر ثم خدمة المتاحف التي تشكل نواقل لحكاياتها.

لنأخذ على سبيل المثال دار أوديمار بيغيه التي تأسست سنة 1875. تمتلك الدار اليوم فريقًا من 20 فردًا ينشطون في متحفها المهيب الذي صممه بياركيه إنغلز وفي قسم التراث التابع لها. يصادف العام المقبل الذكرى السنوية الخمسين لمجموعة رويال أوك الأكثر شهرة من أوديمار بيغيه، وقد بدأ مسؤولو المحفوظات في الدار يستثيرون حماسة الزبائن الأوفياء لها بأخبار عن نجاحهم في إماطة اللثام عن أدق التفاصيل المتعلقة بتاريخ هذه المجموعة والتي فاتهم اكتشافها عندما تعمقوا آخر مرة في حكايتها، وكان ذلك في الذكرى السنوية الأربعين.

لكن أوديمار بيغيه ليست العلامة الوحيدة التي تعتمد هذه المقاربة. بل تنضم إليها في ذلك باتيك فيليب، وفاشرون كونستانتين، وأوميغا، وجاجيه – لوكوتر، وآي دبليو سي، وتاغ هوير، ولا تنفك قائمة الدور التي تستثمر في متاحف وأقسام أو أقسام تُعنى بتراث العلامة وتحظى بتمويل ضخم، لا تنفك تطول باستمرار. وفي هذا يقول ستيفان بيلمونت، مدير قسم التراث لدى جاجيه – لوكوتر (التي تأسست سنة 1833): "يحظى التراث بأهمية خاصة في قطاع المنتجات الفاخرة لأن التاريخ، والتقاليد، والدراية، كلها عوامل أساسية لترسيخ موثوقية العلامة".

أما في أوميغا (التي يرجع تاريخ تأسيسها إلى سنة 1848)، فيعبّر بيتروس بروتوباباس، رئيس وحدة تراث العلامة، عن واقع الحال بالقول: "يتعلق الأمر بصون التاريخ والحفاظ عليه لضمان وصول العلامة وزبائنها الأوفياء، إلى أعمق أعماق ماضيها". تستهوي حكايات ساعات سبيدماستر التي حطت على سطح القمر، والنتائج التي تُقاس في الألعاب الأولمبية بدقة أجزاء الثانية، وساعات جيمس بوند المتفجّرة، تستهوي زبائن أوميغا. فبروتوباباس يوفّر لهم الدوافع لذلك.

تكتسب الحكاية التراثية الجيدة قيمة كبيرة إلى حد أن العلامات من الجيل الجديد تجد نفسها مضطرة إلى الاستثمار في ماض لا تربطها به أي علاقة.

لكن هذه الظاهرة ليست جديدة في قطاع صناعة الساعات. فمنذ تسعينيات القرن الفائت، عندما تكرّست إعادة إحياء صناعة الساعات الميكانيكية على نحو مذهل، أدرك صنّاع كثيرون أن الاستفادة مما حققوه في الماضي قد تساعد على إحداث تحوّل في ما يبيعونه حاضرًا. كانت تاغ هوير قد توقفت عن إنتاج طرازي موناكو وكاريرا، لكنها عندما أعادت إطلاقهما في أواخر تسعينيات القرن الماضي، انطلقت في هذه الخطوة من حرصها على تذكيرنا بالروابط التي جمعتها بستيف ماكوين وبالعصر الذهبي لسباقات السيارات. ولا شك في أن مسعاها حقق النتيجة المرجوّة.

لكن الماضي لم يكن يُقارب دومًا من هذا المنظور، ما يثبت نظرية قيمته اليوم. أخبرتني كاثرين إيبيرليه – دوفو، التي تعمل اليوم في بولغري فيما كانت من قبل تشغل منصب مديرة التراث في تاغ هوير، أخبرتني مرة أنه خلال ثمانينيات القرن الفائت وتسعينياته، عندما بيعت تاغ هوير مرتين، شعرت الأجيال الجديدة من المديرين التنفيذيين أن السجلات القديمة المحفوظة في صناديق ملفات ثقيلة وليس على السحابة الرقمية، كانت متاعًا غير ضروري، لذا تخلصوا منها. تقول إيبيرليه – دوفو إن وظيفتها كانت إعادة بناء هذه المحفوظات، ما يعني التنقيب في كل مكان عن نسخ من الكتيبات الإرشادية والإعلانات المطبوعة والكتب القديمة.

أدت القيمة المكتشفة للتراث في عالم الساعات إلى نمو مطرد في مكانة مدير تراث العلامة. فما يقوم به هؤلاء المديرون يتيح بيع الساعات، ليس لصالح العلامات التي يمثلونها فحسب، فالفائدة تطال أيضًا دور المزادات ووكلاء بيع الساعات المستعملة. يكفي شاهدًا على ذلك الارتفاع الهائل الذي حققته في السنوات الأخيرة أسعار ساعات رويال أوك ونوتيلوس في السوق الثانوية. وإذا ما أخذنا في الحسبان أن هذا القطاع يقوم على اقتصاد دائري، فإن العلامات تتأثر أيضًا إيجابيًا بسبب ارتفاع هذه الأسعار.

يدرك سيباستيان فيفاس، مدير المتحف والتراث في أوديمار بيغيه، الطابع الجذاب لوظيفته، ويصفها بعبارات مثل "مغامرة مستمرة" و"البحث المستمر عن الكنز". عندما تُقدم إلينا السنة المقبلة حكاية ابتكار جيرالد جينتا لساعة رويال أوك في إطار لم نسمع به من قبل، سنشهد بلا شك تزايد عمليات البيع بنسبة متكافئة.

يقول بروتوباباس من أوميغا: "إن الحكاية الأصيلة تعزز ثقة الجمهور بالعلامة. فالحكاية مهمة لأنها تشكل شاهدًا حيًا على أصالة العلامة. وفي ظل توافر خيارات تجارية كثيرة، ما يحدث الفرق هو القصة الحقيقية والتاريخ الأصيل".

تكتسب الحكاية التراثية الجيدة قيمة كبيرة إلى حد أن العلامات من الجيل الجديد تجد نفسها مضطرة إلى الاستثمار في ماض لا تربطها به أي علاقة. تتقن دار الساعات البريطانية بريمونت هذه الاستراتيجية، فتقدّم حكايتها من خلال ساعات مستلهمة من طائرة رايت فلاير Wright Flyer، وسفينة HMS Victory، وآلة Enigma الشهيرة لفك الرموز، وكلها رموز ثقافية سبقت في بعض الحالات بمئات السنين أول ساعة للدار أطلقت سنة 2017. أما نجاح الدار في أعقاب ذلك، فيشيع فكرة مفادها أن استعارة تراث جهة أخرى قد يشكل خطوة ذكية تقدم عليها إن لم تكن تمتلك تراثًا خاصًا بك.

لكن لا بد من الاعتراف بأن الأصالة والتراث يشكلان مظهرًا مخادعًا يخفي حقيقة أن ما يستثير اهتمامنا هنا هو الحنين. في وقت سابق من هذا العام، طرحت كارتييه نسخة جديدة من طراز Tank Cintrée، فأعادت إحياء ساعة كانت قد أطلقتها قبل نحو قرن، عندما كان العالم، على ما هو معروف، يتحضر لدخول حقبة العشرينيات الصاخبة.

لا سبب لأن يبشّر مثل هذا التصميم بحقبة ازدهار جديدة، لكن هذا ليس المقصد. فعنصر الجاذبية يكمن في فرضية أن يتحقق ذلك. إذا ما جرّدنا الأصالة من الزوائد، فإنها غذاء يشبع شهيتنا إلى التفاؤل والأمل. وسواء أكانت هذه مقاربة تسويقية تهكمية أم لا، يبقى أن معظمنا سيرحب بقليل من الأمل.