لا تنفك الساعات عتيقة الطراز تفتن الهواة بتصاميمها الأنيقة وتشكل مصدر إلهام لا ينضب لكبار الصناع في هذا القطاع.

 

أرغب حقًا في أن أُفتن بالساعات الحديثة. أصدقكم القول إني لست واحدًا من المتبرمين الذين بلغوا أواسط العمر والذين يعتقدون أن المكان التلقائي لأي منتج ابتُكر تقريبًا بعد سنة 1968 هو سلة النفايات. تستهويني الفنون، والعمارة، وتصاميم السيارات ذات الطابع الحديث إلى حد يشعرني بالانزعاج لأول وهلة، لكني لا أود أن أزين معصمي بتصميم بالغ الجرأة. إن الساعات التي أتوق إلى اقتنائها عتيقة الطراز كلها، ومعظم الساعات الجديدة التي قد أفكر في ابتياع نماذج منها إصدارات حديثة من طرز قديمة. لا يبدو أني متفرد في هذا الموقف إذا ما أخذنا في الحسبان ارتفاع قيمة الساعات عتيقة الطراز وتنقيب علامات الساعات عن مصادر الإلهام في سجلاتها القديمة.

أشفق على مصممي الساعات الحديثة. أرى شخصيًا أن مجال تصميم الساعات بلغ أوجه سنة 1957 مع إطلاق طراز سبيدماستر Speedmaster من أوميغا. أتحدث هنا عن ساعات المعصم التي يتزيّن بها الرجال في معصمهم: إنها ساعات تقليدية عملية تخدم غاياتها ويؤثرها رجال كثيرون للاستخدام اليومي. أقر بأن جيرالد جينتا كان مصمم الساعات المستقل الأشد تأثيرًا بين أترابه، لكن طرازي Royal Oak وNautilus اللذين أبدعهما يجسدان ساعتين رياضيتين فاخرتين تتمايزان عن الساعات المصممة للطيارين والغواصين، وتندرجان في فئة من ابتكاره. تفتنني، فضلاً عن ذلك، عند الطرف الأقصى لنطاق السعر والندرة الأحلام المتوقدة في مجال صناعة الساعات التي تدغدغ مخيلة صناع تقدميين أمثال علامتي أورويرك Urwerk وإم بي آند إف MB&F، لكني أكاد أعجز عن استطلاع الوقت في ساعاتهم.

نادرًا ما طرأت أي تحسينات على المعايير التي حُددت في خمسينيات القرن الفائت وستينياته لطرز ساعات الرجال التقليدية. حددت أوميغا وجه ساعة الكرونوغراف من خلال طراز سبيدماستر، فيما رسمت برايتلينغ معالم ساعة الطيارين بإطلاقها طرازNavitimer  لعام 1952. أما رولكس، فتفوقت في تصميم كل من ساعة الغواصين عبر طرحها طراز Submariner سنة 1953، والساعة المثلى في السفر من خلال طراز GMT-Master الذي أطلقته سنة 1955. تطوّر كل من هذه الطرز وبلغ في بعض الحالات أوج جاذبيته في ستينيات القرن الفائت. قد تجد ضمن الابتكارات الأخرى التي طُرحت خلال ذينك العقدين مجموعة من الطرز التي أتاحت جودتها إما استمرارية إنتاجها أو استخدامها من قبل صنّاعها مصدرًا مرجعيًا ملهمًا أو إعادة إصدارها في نماذج جديدة. تشمل هذه المجموعة طرازي دايتونا Daytona من رولكس، وEl Primero من زينيث، فضلاً عن طراز كاريرا Carrera من تايغ هوير وإصدارات الكرونوغراف المتفرعة عنه.

 

تعد النسخة الفولاذية من ساعة دايتونا كرونوغراف من رولكس مقياسًا للساعات صعبة المنال.

Rolex
تعد النسخة الفولاذية من ساعة دايتونا كرونوغراف
من رولكس مقياسًا للساعات صعبة المنال.

 

لكن لم بلغ تصميم الساعات العملية أوجه آنذاك؟ يبدو أن التصميم المنضبط والرصين الذي شاع في أواسط القرن كان ملائمًا لحجم ميناء الساعة الصغير، وللحاجة إلى أن تكون مؤشرات الوقت واضحة للقراءة. في خمسينيات القرن الفائت، كانت ساعات الطيارين والغواصين تُستخدم حقيقة من قبل هؤلاء، فكان من الضروري أن يكون أداؤها الوظيفي حسنًا، والشكل الحسن يتبع عمومًا الأداء الوظيفي الحسن. في خمسينيات القرن الفائت وستينياته، أثرى الصناع كثيرا من هذه الساعات المرجعية بتصميم مثالي، الأمر الذي ضمن استمرارية إنتاجها دون أي تعديل يُذكر، وفرض ابتكار التصاميم اللاحقة في أشكال أكثر تعقيدًا أو إثارة للجدل على سبيل تحقيق التمايز فحسب.

انطلق هذا المسار بحلول مطلع سبعينيات القرن الفائت. اعتقدت أوميغا أنها قد تحتاج قريبًا إلى استبدال ابتكار آخر بطراز سبيدماستر النموذجي، فأطلقت على التوالي الطرازين الأكثر جرأة في الشكل Speedmaster Mark II وSpeedmaster Mark III. أمتلك في مجموعتي نموذجًا من هذا الطراز الأخير تميزه علبة مخروطية الشكل بسماكة 17 ملليمترًا تطفو فوق معصمي مثل بركان من الفولاذ المقاوم للصدأ. بدا هذا الطراز رائعاً آنذاك، لكن الدار سرعان ما أسقطته من مجموعتها، فلم يعد يلقى الاستحسان لسنوات قبل أن يستعيد مجددًا جاذبيته بسبب طابعه عتيق الطراز. في غضون ذلك، حافظ طراز Speedmaster Moonwatch النموذجي على استمراريته دون أن يطاله أي تغيير يُذكر.

ألاحظ اليوم تكرار شيء من سيناريو الطراز Speedmaster Mark III في كثير من الإصدارات الحديثة التي تطرحها علامات كبرى: تعكس هذه الإصدارات محاولة بائسة للتمايز تؤدي بالنتيجة إلى الإتيان بتصميم غير متقن وإنتاج ساعات لن تبدو على الأرجح جذابة بعد 50 عامًا (أو حتى بعد عشرة أعوام). وهنا تكمن المشكلة، إذ ينبغي لأي ساعة من الطراز الرفيع تُباع بسعر باهظ أن تحافظ على جاذبيتها طيلة العمر.

 

"تفتنني الأحلام المتوقدة في مجال صناعة الساعات التي تدغدغ مخيلة صناع تقدميين، لكني أكاد أعجز عن استطلاع الوقت في ساعاتهم. "

 

يبدو أن قطاع الساعات يقرّ بالقيمة التي ينطوي عليها الماضي الجماعي للصنّاع في هذا المجال من خلال العزم على إعادة إحياء الابتكارات الأكثر نجاحًا. تشهد على ذلك ساعة الغواصين عتيقة الطراز Black Bay التي طرحتها علامة تيودر Tudor سنة 2012 فحققت نجاحًا باهرًا وتحوّلت إلى خط كامل من الساعات، أو إعادة إصدار تاغ هوير لساعاتها النادرة من طراز Carrera Montreal، أو احتفاء برايتلينغ مؤخرًا بطراز Top Time ذي الطابع الجريء الذي أطلقته العلامة بداية في ستينيات القرن الفائت.

تُبدي العلامات النخبوية الأعلى تميزًا حماسة مماثلة لهذا المسار. تشكل ساعة الطيارين من طراز Fifty Fathoms من بلانبان إصدارًا مستعادًا من الساعة الأصلية التي طرحتها الدار سنة 1953، كما أنها تتسم بتصميمها الجذاب بقدر ما تتميز ساعة معاصرة من طراز Submariner بطابعها العملي. بل إن ورثة أبراهام – لويس بريغيه عمدوا أيضًا إلى نفض الغبار عن سجلات الدار التاريخية المديدة من خلال سلسلة من ساعات حديثة أعادوا من خلالها ابتكار تصاميم الساعات من طراز Type XX التي أبدعتها الدار في خمسينيات القرن الفائت للطيارين في القوات البحرية الفرنسية.

لا حصر للأمثلة على هذا المسار، لكن لا بد للمرء من تقدير الدقة في استنساخ بعض هذه الطرز. يشكل مثلاً إصدار زينيث الحديث من طراز El Primero المتفرد الذي ابتكرته الدار سنة 1969 نسخة مطابقة في تفاصيلها كافة للساعة الأصلية. أما أوميغا، فأعادت إنتاج المعيار الحركي العريق 321-caliber، الذي كان يستوطن الساعات الأولى من طراز سبيدماستر، في مقدار ضئيل بعد أن قامت بمسح رقمي للنموذج الذي كان يوفر الطاقة للساعة التي زينت معصم جين سيرنان خلال رحلته إلى سطح القمر.

 

لا تنفك النماذج من طراز El Primero الذي ابتكرته زينيث سنة 1969 تشكل إضافة ثمينة إلى مجموعة أي جامع لفرائد الساعات.

Zenith
لا تنفك النماذج من طراز El Primero الذي ابتكرته زينيث سنة 1969
تشكل إضافة ثمينة إلى مجموعة أي جامع لفرائد الساعات.

 

صحيح أن هذا الاهتمام الدقيق الذي توليه العلامات السويسرية للتفاصيل مثير للإعجاب، إلا أنه باهظ الكلفة أيضًا. تميزت الإصدارات الجديدة من طرز قديمة التي أثارت حماستي مؤخرًا بطابعها غير التقليدي، فيما قد تقنع أسعارها المرء بشراء نموذج ليتزين به جنبًا إلى جنب ساعته الأصلية من طراز GMT القديم. عمدت مؤخرًا علامة ألستا Alsta، التي أعيد إحياؤها، إلى إطلاق نماذج جديدة من الساعة التي تزيّن بها ريتشارد درايفوس في شخصية هوبر Hooper في فيلم Jaws. ابتُكرت الساعة الأصلية عام 1970، أي في حقبة متأخرة مقارنة بذائقتي، لكن الإصدار الجديد جعلني أبتهج لخيار الاسم عتيق الطراز الأروع ربما لأي ساعة: Nautoscaph Superautomatic. أحببت الساعة إلى حد أني سأحتاج قريبًا إلى خزانة أكبر لحفظ مجموعتي. في عالم الأفلام أيضًا، أعجبني إصدار سايكو الجديد لساعة الغواصين التقليدية التي تعود إلى ستينيات القرن الفائت والتي زينت معصم مارتن شين بدور كابتن ويلارد في فيلم Apocalypse Now. كما يشكل طراز Pilot Pioneer Mechanical من هاملتون إصدارًا أنيقًا استعادته العلامة من الساعة التي ابتكرتها مطلع سبعينيات القرن الفائت لقوات السلاح الجوي الملكي البريطاني. يحظى هذا الطراز بالإعجاب بسبب احتفاظه بالحجم المصغر للعلبة على ما هو عليه الحال في الابتكار الأصلي.

لكن لا بد من أن نسأل: إذا كانت الساعة التي يُحتفى بها عظيمة إلى هذا الحد، أفلا يكون من الأفضل اقتناء نموذج من الابتكار الأصلي؟ إن أي نموذج جيد من طراز سبيدماستر المجهز بالمعيار الحركي 321-caliber يعود إلى أواخر ستينيات القرن الفائت سيكون أقل كلفة من النموذج الحديث. كما أن التقدير المتزايد للساعات من هذه الحقبة – وليس لساعات رولكس فحسب – بوصفها ابتكارات تكاد تقارب الكمال في تصميمها الصناعي يعني أن الاستثمار فيها قد لا يكون فكرة سيئة. ابتعت قبل عشر سنوات في هونغ كونغ ساعة نادرة ومثيرة للاهتمام من طراز Speedmaster 321. اعتقدت أني أحسنت صنعًا عندما بعتها بعد بضع سنوات إلى أحد الأصدقاء بضعف الثمن الذي أنفقته. في لقاء جمعنا مؤخرًا، وصل صديقي على متن سيارة قديمة مستعادة على نحو متقن من طراز لاند روفر تزهو بسقف قابل للطي وطلاء أزرق فاتح اللون. تُعد السيارة نفسها من الأصول التي تتزايد قيمتها سريعًا. كادت دموعي تنهمر عندما أخبرني أنه سدد الجزء الأكبر من ثمن السيارة من المكسب الذي حققه من بيع ساعتي. ما زلت أتوق إلى اقتناء ساعة قديمة من طراز سبيدماستر. لكني آمل ألا تختبروا الشعور نفسه لأني لا أمتلك القدرة المالية لأعاود شراء ساعتي.

 


بن أوليفر صحافي متخصص في الكتابة عن الساعات والسيارات حاز جوائز عدة، ويتخذ من المملكة المتحدة مقرًا له.