ينشط جوليان تورنار، البالغ من العمر 50 سنة، في عالم صناعة الساعات الراقية على مدى نحو عقدين من الزمن، وهو يُعد واحدًا من أصغر الرؤساء التنفيذيين في هذا القطاع.
ومنذ توليه هذا المنصب، نجح تورنار في أن يوظّف الخبرات التي اكتسبها من قبل في شركة ريموند ويل، ثم في دار فاشرون كونستانتين التي عمل فيها 17 عامًا، في مسعاه لبث زخم جديد في روح دار تستحق أن تستعيد مكانتها الريادية على خارطة كبار الصنّاع. لكنّ الخبرة المديدة لم تكن وسيلة تورنار الوحيدة للدفع قدمًا بدار يمتد إرثها عبر 157 عامًا.
بل إنه جمع إلى ذلك شغفًا راسخًا بالنجاح وميلاً متجذرًا في نفسه منذ الصغر إلى خوض التحديات.
لم يتأخر تورنار في حصد ثمار استراتيجيات التجديد التي أطلقها، والتي استعرضناها معه خلال حديث خاص في سياق مشاركة زينيث في الموسم الثاني من سباقات Extreme E للسيارات الكهربائية، بدءًا من سباق Desert X Prix الذي نُظم في مدينة المستقبل نيوم بالمملكة العربية السعودية.
في عام 2017، جرى تعيينكم في منصب الرئيس التنفيذي لزينيث، وكُلفتم آنذاك بمهمة قيادة العلامة في مسار جديد بعد أن مرت بمرحلة متعثرة. فما أبرز التحديات التي واجهتكم في سياق السعي إلى تحقيق تحوّل ثوري في تاريخ العلامة الممتد عبر 157 عامًا؟
صحيح، تسلّمت مهامي في عام 2017، وكان جان - كلود بيفر هو من استقدمني إلى دار زينيث. وبالرغم من الحضور القوي لعلامتنا التجارية، إلا أن مهمتي في الأصل كانت تتمثل بالحفاظ على هذه القوة التي تتمتع بها زينيث بموازاة المضي بها قدمًا نحو المستقبل.
وفي غضون سنتين، حققنا تطورًا ملحوظًا ونموًا كبيرًا في أرقام المبيعات. بل إن شهر سبتمبر من عام 2019، الذي تزامن مع الاحتفاء بالذكرى الخمسين لإطلاق الإصدار الأول من ساعات الكرونوغراف El Primero، شكّل لنا محطة مفصلية لا تُنسى، إذ إنّ حجم أعمالنا ارتفع بنسبة 85%.
من ثم شاركنا في يناير 2020 بإطلاق الدورة الأولى في دبي من «أسبوع LVMH للساعات» الذي حقق نجاحًا باهرًا. طرحنا آنذاك ابتكارات مثيرة، منها ساعة Defy Midnight، وتلقيّنا عددًا لا بأس به من الطلبات.
كيف أسهمت خبرتك الممتدة على عقدين في قطاع صناعة الساعات في تشكيل رؤيتك المتجددة لدار زينيث؟
أعمل في هذا القطاع منذ أكثر من 20 عاماً، وقد حرصت مع دخولي إلى عالم زينيث على تطوير نفسي علمياً من خلال إثراء خبراتي وحضور المعارض والمشاركة في الجولات العالمية. يقيني ألا شيء مستحيل، وهذا مبدأ ألتزم به. فمن يهوى مجالاً ويجد نفسه فيه يخوض فيه ويطوّر ثقافته. لذا أنصح أصحاب الطموح بالسير على طريق الشغف بالعمل والإيمان بأنَّه "لا يوجد مستحيل".
ما أحرص عليه لتطوير مسيرتنا هو البحث دومًا عن أفكار تسويقية ناجحة. لكن لا بد من التنبّه إلى أن تنفيذ أي خطة تسويقية يحتاج إلى استراتيجية، وهو ما أعمل عليه وبشكل متجدد دائماً.
كان يفترض بزينيث أن تنطلق عام 2020 في مسار جديد. لكن العالم كله رزح تحت وطأة جائحة كورونا. فكيف تعاملتم في الدار مع الظروف الطارئة وهل اعتمدتم استراتيجيات خاصة للتغلب على تأثيرات الأزمة؟
شهدت صناعة الساعات عمومًا هبوطًا سريعًا بنسبة 80% في أبريل من عام 2020. وقد تفكّرت مليًا في السبل التي تتيح لنا الخروج من هذه الأزمة، وقررت ألا يكون العمل من المنزل وحالة الإغلاق التام التي فُرضت علينا سببًا لنقف مكتوفي الأيدي. تحدثت إلى زملائي في العمل وقررت عقد اجتماعات يومية عبر الإنترنت لوضع خطط عملية بديلة.
وسرعان ما بدأنا بالتعافي شيئًا فشيئًا لنختتم العام ونحن في حال أفضل. كان عامًا صعبًا بالتأكيد، وقد انعكست تداعيات الجائحة على القطاع كله، بما في ذلك علامتنا التجارية.
لكني أرى حقيقًة أن هذه الأزمة زادتنا عزمًا ونشاطاً. قمنا بالتسويق لساعاتنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووصلنا في هذا العام إلى أوروبا وأمريكا والصين واليابان وأخيراً دبي. تندرج زينيث اليوم ضمن قائمة أفضل 30 علامة في قطاع الساعات، ولكنّ غايتي أن نكون على قائمة أفضل 15 علامة.
Sébastien Agnetti
فيما يمضي تورنار قدمًا لتحقيق رؤيته لتطوير العلامة، يحرص دومًا على البحث عن أفكار تسويقية ناجحة لمشاريع زينيث الطموحة.
جسّد طرح مجموعة Zenith Icons كتابة فصل جديد في إرث زينيث. فما كانت القوة الدافعة لإطلاق هذا البرنامج؟
تُعد مجموعة "أيقونات زينيث" Zenith Icons من المشاريع التي تحتل مكانة خاصة عندي. فقد وفّر إطلاق هذا المشروع فرصًا كبيرة لعلامتنا، ومع إعادة إحياء المجموعة في عام 2019 واحتفالنا بساعات El Primero، لمسنا اهتمامًا ملحوظًا من قبل هواة الساعات بالابتكارات التاريخية.
تضمّنت مجموعة "أيقونات زينيث" 15 إلى 16 ساعة متمايزة من منتصف ستينيات القرن الفائت إلى منتصف الثمانينيات، وسرعان ما بدأنا نرى نتائج ممتازة في المزادات. غالبًا ما يرتكز البيع في المزاد إلى إرث الساعة، أو إلى آلية حركتها الأسطورية وما تشتمل عليه من عناصر لا تمتلكها العديد من العلامات التجارية، ولهذا السبب تحديدًا أطلقنا برنامج Zenith Icons.
في هذا البرنامج، نقوم بتفكيك الساعة للتحقق من أجزائها الداخلية، ثم نستبدل المكوّنات الأصلية حفاظًا على أصالتها دون لمسها من الخارج ما لم يطلب الزبون ذلك لأنّ هواة الجمع يبحثون عن إثبات لتاريخ الساعة. نرفق مع الساعة بعد ذلك شهادة أصالة، مع كتيّب يحكي قصتها بالتفصيل، وضمان لثلاث سنوات، ولا نبيعها إلا في عدد قليل من متاجرنا الحصرية.
عرضنا الساعات الأيقونية مؤخرًا في متجرنا بطوكيو وبعنا منها أربع ساعات فقط. خططنا منذ البداية لتقديم هذه الابتكارات في أربعة مواقع، هي طوكيو وشنغهاي ودبي وباريس، وبيع ما بين 4 إلى 5 ساعات منها بالحد الأقصى.
بالنظر إلى الإصدارين الأخيرين في مجموعة Defy، ما هو النهج الذي اعتمدتموه لتحقيق التوازن بين الإرث التاريخي لهذه الساعات خصوصًا وحس الابتكار في العصر الحديث؟
عندما انضممت إلى زينيث في عام 2017، أطلقنا ساعة Defy 21 بهدف تحفيز وعي الناس بالعلامة التجارية والبعد الجمالي لفلسفتها الإبداعية. كانت تلك خطوة موفّقة، خصوصًا أن زينيث تُعد علامة معاصرة تتمايز بطابعها الحيوي. ولا بد لي من القول إن مجموعة Defy الرائعة أتاحت لي الفرصة لإعادة العمل على ساعات Chronomaster.
فعلى مر الأعوام، شهدت مجموعة Chronomaster، التي تندرج تحتها ثلاث فئات فرعية، تحديات عدّة من حيث الاتجاهات السائدة، والأحجام، وسماكة العلبة، والألوان، وأشكال السوار.
لذا احتجنا إلى تجديدها، على ما فعلنا عندما أعدنا إطلاق ساعة A 385 التي كانت تُعد أيقونة من الماضي، وطراز De Luca بمظهره الرياضي، وساعة Rainbow، وساعة A 277 التي تُعد التعبير الرياضي الأبرز ضمن فئة Chronomaster Sport، إلى جانب فئة إضافية من ساعة الكرونوغراف الرفيعة والأنيقة.
وبذلك أصبح لدينا مجموعتان استراتيجيتان هما Defy وChronomaster، ومنتجان تقنيّان هما Pilot وElite. تتضمن اليوم مجموعة Chronomaster ساعة Chronomaster Sport وساعة Classic البسيطة، فيما تتألّف مجموعة Defy منDefy Classic وDefy Midnight، ثمّ ساعة الكرونوغراف Defy 21.
Carl Bingham
في نيوم، حيث رعت زينيث الموسم الثاني من سباق Extreme E لسباق رالي السيارات الكهربائية.
هنا في نيوم، نشهد اليوم حضور زينيث في الموسم الثاني من سباق Extreme E. فهلا حدثتنا عن هذه المشاركة؟
برأيي أن بطولة "إكستريم إي" هي التي اختارت زينيث وليس نحن من اختارها. وتأتي مشاركتنا في هذا الحدث بهدف تسليط الضوء على أهم إصدارات زينيث من الساعات المعقدة والمتمايزة، بموازاة منح الهواة الفرصة لاكتشاف عالم الساعات من منظور تجارب ملؤها الشغف. فالساعة ليست أداة لمعرفة الوقت فحسب، ونحن في زينيث نطرح في هذه المناسبة إصدارًا جديدًا يأتي استكمالًا لتجربة "إكستريم إي".
فقد ابتُكرت هذه الساعة خصوصًا للسباق، وهي تتماشى مع فكرته ومع أهدافه في ما يتعلق بالحفاظ على البيئة، لا سيّما وأننا أثرينا المظهر الرياضي بعناصر مستدامة ومواد معادة التدوير.
تتناغم الساعة على نحو متقن مع عالم رياضة السيارات، وخصوصًا جولات سباق "إكستريم إي" المليئة بالإثارة، وحيث يمكن أن يكون لكل غرام واحد من الوزن تأثير على أداء سيارة Odyssey 21 وهي تشق طريقها عبر التضاريس الوعرة التي تفرض في كثير من الأحيان تحديات صعبة على السائقين. بالتعاون مع أليخاندرو أجاج، الرئيس التنفيذي للبطولة الذي يلتزم في حياته مبدأ "تخطي حدود الممكن"، اتخذنا قرار إطلاق هذه الساعة في غضون خمس دقائق، ولم تلبث الفكرة أن تجسّدت على أرض الواقع.
ما أبرز ما يميز هذه الساعة؟
تُعد هذه الساعة، التي يقتصر إنتاجها على 20 نموذجًا، الابتكار الأول في سلسلة إصدارات DEFY Extreme Carbon الخاصة التي تدمج في بنيتها عناصر معادة التدوير من بطولة الرالي للسيارات الكهربائية.
اهتممنا بمختلف التفاصيل في إصدار Defy Extreme E "Desert X Prix" Edition، فقدمنا الساعة في علبة متينة من ألياف الكربون توفّر مقاومة عالية لضغط الماء وللخدوش على ما يليق بطبيعتها المستوحاة من ظروف السباق القاسية.
استُخدمت أيضًا ألياف الكربون في صياغة التاج وأزرار الكرونوغراف لإبراز الخطوط الهندسية المميزة والجريئة للعلبة، فيما صُنعت واقيات أزرار الدفع والإطار المميز ذو الجوانب الاثني عشر من التيتانيوم المصقول. كما اشتملت الساعة على عناصر مختلفة أعيد تدويرها من مخلّفات سباق الموسم الأول، بما في ذلك طلاء غطاء العلبة الذي ابتُكر من إطارات E-grip معادة التدوير، وكسوة الصفيحة المشغولة من أجزاء من القماش المشمّع المستخدم في سباقات السيارات الكهربائية.
أما الحزام المطاطي الأصفر، فصيغ من نسيج Velcro المشغول من مواد مستدامة مصدرها إطارات Continental CrossContact المعاد تدويرها والتي جرى استخدامها في سباقات الموسم الأول. وفي إصدار جائزة Desert X، تزيّن الميناء بلمسات باللون الرملي تستلهم البيئة الصحراوية للسباق.
ساعة Defy Extreme E "Desert X Prix" Edition المشغولة في علبة من ألياف الكربون والتي تدمج في بنيتها عناصر معادة التدوير من بطولة الرالي للسيارات الكهربائية.
كيف تقيّمون حضور زينيث في السوق السعودي؟
لا شك في أن النساء والرجال السعوديين يثمّنون الساعات الفخمة والمتفرّدة بتصاميمها وتعقيداتها الوظيفية. بل إن منطقة الشرق الأوسط عمومًا قد استطاعت أن تثبت أنّها من أهم الأسواق في عالم الرفاهية وصناعة المنتجات الفاخرة.
فالزبون العربي يُعد متلقيًا مهمًا لكل ما هو مصنوع بجودة عالية، كما أنه يرحّب دومًا بتصاميم زينيث ويبحث عن ابتكارات مميزة وحصرية.
وعندما نفتتح في شهر مايو المقبل مركز زينيث للساعات في برج المملكة بالرياض، ستتسنى للجمهور السعودي، الذي يتمتع بذائقة رفيعة، الفرصة لأن يستكشف عن كثب ساعاتنا الأحدث والمنتظرة، وأن يعزز بموازاة ذلك معرفته بأصول صناعة الساعات وبإرث زينيث.
فمجموعاتنا تصبّ عادة في سياق الكشف عن النادر والمتميّز في عالم زينيث التي تمتلك إرثًا يمتد عبر قرون وتتميز بتصاميم ساعاتها المصنوعة يدويًا بحرفية عالية. وإلى جانب استكشاف هذه الساعات ومزاياها عن كثب، سيحظى الزبون السعودي بالفرصة لتعرّف جوهر صناعة الساعات السويسرية التي صمدت أمام عاديات الدهر وفرضت سيطرتها في العالم محتلة موقع الصدارة في مجال صناعة الساعات الأصيلة.
ما أكثر ما يثير شغفك في مهنتك؟
التحديات هي أكثر شيء يحفّزني ويدفعني الى المضي قدمًا. بل إني أرى في كل تحد جديد أواجهه، سواء في حياتي الشخصية أو في مسيرتي المهنية، تجربة ماتعة وفرصة لتحقيق الإنجازات. تسرّني النتائج التي أحققها والعلاقات التي أبنيها مع أفراد من ثقافات مختلفة. بل إن هذا كان طموحي منذ زمن الطفولة، إذ إني أرى في كل مشروع أقدم عليه فرصة لكسب معارف يدفعونني قدمًا، وهذه نصيحة تربّيت عليها. فلطالما كان والدي يوصيني بأن أستكشف العالم، وهذا ما أحرص عليه حقيقة.
هل اكتشفت في أسفارك الكثيرة وجهة مفضلة؟
الحقيقة هي أن كل وجهة جديدة أستكشفها تُبهرني وتجعلني راغبًا في زيارتها مجددًا. فالمهم عندي لتكون أي رحلة ماتعة هو الاستكشاف. ها نحن اليوم في نيوم، وقد تسنّت لي الفرصة لاستكشاف جماليات هذه الوجهة وما تكتنفه من كنوز خفية ستمكّنها حقيقة من أن تكون مدينة للمستقبل.
أمتعتني هذه التجربة وألهمتني لزيارة وجهات أخرى في المملكة العربية السعودية كنت قد سمعت عنها من قبل ولكن لمّا تتسنّ لي الفرصة بعد لاستكشافها. بصورة عامة، تفتنني معالم الجمال في أي مدينة.
أذكر مثلاً زيارتي لحيّ شعبي في قرية بالصين. عندما قصدت ذاك المكان، شعرت بأني أحط فيه قادمًا من كوكب آخر. فأهل الحي كانوا بعيدين كل البعد عن عالم التكنولوجيا والفضاء الافتراضي. بل إنهم كانوا يرونني غريبًا لأني لا أشبههم في الشكل ويتلمّسوني كما لو كنت آتيًا من الفضاء الخارجي.
ما هي السعادة عندكم؟
الشعور بالسعادة يختلف عندي من يوم إلى آخر. عندما أستيقظ كل يوم، أعقد العزم على أن أقضي يومي سعيدًا، الأمر الذي ينعكس إيجابًا على عملي. أما ذروة الشعور بالسعادة، فأختبرها عندما أحقق النجاح في مساعيّ.