كبار صناع الساعات يبتكرون للنخبة من زبائنهم روائع تصمم بحسب طلبهم
وتختصر ذروة الترف في صياغة نبض وقت لا يشبه غيره.
في سبتمبر أيلول من عام 2015، وثّقت فاشرون كونستانتين تاريخها الممتد عبر 260 عامًا في قطاع صناعة الساعات بمأثرة ميكانيكية جمعت بين أكبر عدد من التعقيدات الوظيفية في ساعة واحدة. شكلت ساعة الجيب ذات الرقم المرجعي Reference 57260، آنذاك، الساعة الأكثر تعقيدًا على الإطلاق في العالم. احتضنت الساعة، التي قُدر سعرها بنحو ثمانية ملايين دولار أمريكي، سبعة وخمسين تعقيدًا وظيفيًا، شملت وظائف مختلفة لقياس الوقت والتقويم الدائم، وتعقيدات فلكية متنوعة، وآلية توربيون ثلاثية المحاور، وآلية كرونوغراف ارتدادية لأجزاء الثانية، فضلاً عن وظائف الرنين الكبير والصغير وغيرها. وإن كان هذا المستوى من التعقيد قد أعاد التأكيد على البراعة التقنية والحرفية المميزة للدار، فإن تحقيق هذا الإنجاز غير المسبوق تلبية لرغبة أحد زبائنها من جامعي الساعات شكل ترجمة صادقة لدلالات ظاهرة لا تنفك تتنامى في عالم صناعة الوقت، أي ظاهرة ابتكار الساعات بحسب الطلب.
لكنها في الواقع ليست ظاهرة مستجدة. إذا ما قلب المرء في السجلات التاريخية لصناعة الساعات، فإنه سيكتشف أن هذا القطاع كان يرتكز في جزء كبير منه إلى طلبات النخبة من الزبائن، حتى أن هذه الطلبات كانت تشكل تقليدًا راسخًا في القرن الثامن عشر. كان الزبائن من الأثرياء، آنذاك، يقصدون النخبة من كبار صناع الساعات في جنيف ليوكلوا إليهم مهام ابتكار ساعات شخصية في نماذج متفردة لا يمكن استنساخها.
كما أن كثيرًا من الدور الرائدة في هذه الصناعة تفوقت عبر تاريخها في الإتيان بمآثر نفيسة لكثير من الشخصيات الملكية. في عام 1783, على سبيل المثال، أوكل أحد الزبائن، ويُشاع أنه كان الكونت هانز أكسل فون فيرسن، إلى أبراهام – لويس بريغيه تطوير ساعة «أخاذة قدر المستطاع» كان في نيته تقديمها هدية إلى الملكة ماري أنطوانيت. كان المطلوب تحديدًا ساعة من الذهب الخالص تجسد أعلى معايير التفوق في هذه الصناعة، وتشتمل على أكبر عدد من التعقيدات الوظيفية. لم يكن، في المقابل، ثمة قيود على الزمن أو الميزانية المخصصة لهذا المشروع. وما يؤسف له أن ساعة ماري – أنطوانيت، التي حملت الرقم المرجعي 160، والتي تُعد إلى يومنا هذا واحدة من الساعات الأشد تعقيدًا في تاريخ صناعة الوقت، لم تُبصر النور إلا بعد أربعة وأربعين عامًا: 34 عامًا منها بعد وفاة الملكة، وأربعة أعوام بعد موت أبراهام – لويس بريغيه.
أوكلت مهمة تطوير ساعة «ماري أنطوانيت ذات الرقم
المرجعي 160» إلى أبراهام – لويس بريغيه في عام 1783،
لكنها لم تبصر النور إلا بعد أربعة وأربعين عاما».
امتياز حصري
نشطت دار باتيك فيليب أيضًا في مجال ابتكار الساعات بحسب الطلب، على ما تشهد مثلاً الساعة القلادة التي أبدعتها الدار سنة 1851 للملكة فيكتوريا من المملكة المتحدة. لكن ربما تبقى الساعة المبتكرة وفق الطلب الأشهر من باتيك فيليب ساعة الجيب Supercomplication التي بيعت في نوفمبر تشرين الثاني سنة 2014 في سياق مزاد نظمته دار سوذبيز في جنيف مقابل أربعة وعشرين مليون دولار. كانت الساعة، التي احتضنت ما مجموعه أربعة وعشرون تعقيدًا وظيفيًا مختلفًا، قد أبصرت النور في عام 1933 بطلب من جامع الساعات لدى باتيك فيليب، المصرفي الأمريكي هنري غرايفز. كان غرايفز زبونًا دائمًا لدى الدار، شأنه في ذلك شأن الصناعي الأمريكي جيمس وارد باكارد. وربما يصح القول إن تفوق باتيك فيليب آنذاك في تجاوز حدود إمكاناتها يُعزى في جزء كبير منه إلى ذاك السباق المحموم بين الرجلين وسعي كل منهما إلى التقدم على الآخر من حيث اقتنائه أكبر عدد من الساعات الأشد تعقيدًا.
يدرك العارفون بأسرار صناعة الوقت والنخبة من جامعي الساعات أن باتيك فيليب لا تنفك تبتكر ساعات مصممة بحسب الطلب. لكن الدار تُبقي، على ما يبدو، الأمر طي الكتمان، بعيدًا عن أي حملات ترويجية لمشاريعها الخاصة في هذا المجال. فهذه الخدمة لا تتوافر من باتيك فيليب إلا لأفضل زبائنها ممن تربطهم علاقة وثيقة بكبار رجالات العلامة، وفي طليعتهم رئيسها تيري ستيرن.
"إذا ما قلب المرء في السجلات التاريخية لصناعة الساعات،
فإنه سيكتشف أن هذا القطاع كان يرتكز في جزء كبير منه إلى طلبات النخبة من الزبائن،
حتى أن هذه الطلبات كانت تشكل تقليدا راسخا في القرن الثامن عشر"
تشكل الساعة القلادة التي اقتنتها الملكة فيكتوريا في عام 1851
واحدة من مجموعة كبيرة من ابتكارات باتيك فيليب التاريخية.
ساعات الأحلام
توثق دار فاشرون كونستانتين، في المقابل، حضورها على خارطة صناع الساعات المبتكرة بحسب الطلب بصورة علنية جلية، لا سيما بعد أن أعادت إحياء هذه الخدمة في عام 2006. وفي هذا يقول كريستيان سيلموني، مدير قسم التراث في الدار: «أرادت فاشرون كونستانتين أن تعيد إلى الواجهة الساعات الشهيرة المصممة بحسب الطلب التي ابتُكرت لصالح النخبة من جامعي الساعات أمثال هنري غرايفز وجيمس باكارد وغيرهما. لذا أسسنا محترف Atelier Cabinotiers الذي يتيح لزبائننا المتميزين الذين لا يرضون إلا بالأفضل، والذين يتحلون بشغف راسخ بعالم الوقت، ابتكار ما يرونه ساعات الأحلام.»
لا شك في أن إعادة إطلاق هذه الخدمة يستحضر في أذهان هواة جمع فرائد الساعات عددًا من الابتكارات الأكثر شهرة وتميزًا التي حملت توقيع فاشرون كونستانتين، بدءًا من الساعة التي أوصى بها في ستينيات القرن التاسع عشر القيصر ألكسندر الثاني ليقدمها هدية إلى ابنه فلاديمير ألكسندروفيتش، وليس انتهاء بساعة الجيب بالغة التعقيد التي طلبت جالية المغتربين السويسريين تطويرها في عام 1929 هدية للملك فؤاد الأول.
أعاد محترف Les Cabinotiers لدى فاشرون كونستانتين إحياء أسطورة العنقاء في مأثرة
بديعة يعز نظيرها. تزهو علبة ساعة Les Cabinotiers Grand Complication Phoenix
بنقوش متقنة لطائر العنقاء، وتحتضن خمسة عشر تعقيدا وظيفيا مثل معيد الدقائق،
وآلية التوربيون، والتقويم الدائم، والخارطة الفلكية، وأطوار القمر. تجسد الساعة
براعة المحترف في المواءمة بين الأعمال الفنية وحس الابتكار التقني.
يَعد محترف Atelier Cabinotiers اليوم زبائن الدار باختبار تجربة مماثلة يصوغ تفاصيلها فريق من كبار صناع الساعات والحرفيين الذين يعكفون على توظيف مهاراتهم في تحويل الحلم أو مكامن الشغف إلى مأثرة طموحة تتخطى حدود قياس الوقت لتعكس شخصية صاحبها وتطلعاته الفردية. وخلافًا لما هو عليه الحال لدى الدور الأخرى التي توفر خدمة مشابهة، ما يميز محترف فاشرون هو أنه يتيح للزبون ابتكار ساعته من لا شيء. فالأمر لا يقتصر على إضفاء طابع شخصي على التفاصيل التصميمية والزخارف الفنية، بل يتعداه إلى ابتكار المعيار الحركي للساعة ووظائفها المعقدة. يقول سيلموني: «لا نفرض أي قيود تُذكر على طلب الزبون إلا إن كان المشروع الذي يتصوره مشابهًا بدرجة كبيرة لإحدى الساعات المتوافرة أصلاً في مجموعات الدار. فالمبدأ الرئيس فيما يتعلق بهذا المحترف هو الحصرية.» لكن الطلبات كلها تخضع في الواقع لدراسة متأنية من قبل لجنة خاصة مهمتها التأكد من تناغم المشروع مع قيم الدار وتقاليدها.
"أسسنا محترف Atelier Cabinotiers الذي يتيح لزبائننا المتميزين الذين لا يرضون إلا بالأفضل،
والذين يتحلون بشغف راسخ بعالم الوقت، ابتكار ما يرونه ساعات الأحلام"
– كريستيان سيلموني، فاشرون كونستانتين
في ساعة Majestic Tiger من Les Cabinotiers،
ناغم الحرفيون لدى فاشرون كونستانتين بين تقنية النقش
لتشكيل النمر والصخور،وتقنية التطعيم بكسوة خشبية
دقيقة لتجسيد الخلفية الطبيعية.
في ساعة Minute Repeater Perpetual Calendar،
واءم صناع الساعات في المحترف بين اثنين من أهم
تعقيدات الوقت في معيار حركي بالغ الدقة.
يبدأ كل مشروع بلقاء بين الزبون وممثل عن المحترف للتباحث في تفاصيل الساعة المنشودة، سواء كان المطلوب ساعة يزدان ميناؤها بنسخة من إحدى مآثر واحد من قدامى الرسامين العظماء تُنفذ بتقنية الطلاء بالميناء، أو أخرى تحتضن تعقيدات كبرى قلما تجتمع في معيار حركي واحد. في أعقاب ذاك اللقاء الأول، يُخضع المشروع لدراسة جدوى على المستويين التقني والتصميمي، ثم يبدأ العمل على تنفيذه بالتشاور مع الزبون الذي يضطلع بدور رئيس في مرحلة الابتكار. أما التحديات التي ينطوي عليها المشروع، فيختصرها سيلموني قائلاً: «من الضروري أولاً وأخيرًا أن تشكل الساعة النهائية ترجمة صادقة ودقيقة للرسومات الأولية ثم النماذج الاختبارية ثلاثية الأبعاد التي جرى تشاركها مع الزبون. تُضاف إلى ذلك التحديات التي تفرضها الزخارف الحرفية في بعض الساعات المبتكرة بحسب الطلب، كالطلاء بالميناء، أو النحت، أو النقش، أو غيرها. وإذا ما وضعنا في الحسبان أن المحترف يتولى بشكل رئيس تطوير ساعات مجهزة بتعقيدات كبرى، فإن ضمان تناسق هذه التعقيدات وحسن أدائها ليس بالمهمة اليسيرة.»
غني عن القول أن هذه المشقة في الابتكار والإبداع تنطوي على تكاليف مالية باهظة لا يقدر عليها سوى قلة ممن لا يجد الواحد منهم ضيرًا في دفع ملايين الدولارات مقابل ساعة تُبتكر على قياس رغباته. لكنّ لعامل الوقت أيضًا دورًا في مسيرة السعي إلى اقتناء الساعة الأشد تفردًا. يقول سيلموني: «لا يمكن الجزم بالوقت الذي يستغرقه ابتكار ساعة بحسب الطلب لأن الأمر رهن بمستوى تعقيدها التقني والمهارات الحرفية التي تنطوي عليها. قد يستغرق بناء ساعة بالغة التعقيد نحو سنتين، لكن المدة تصبح أطول على نحو ملحوظ للساعات المتميزة. عمل ثلاثة من صناع الساعات لدينا طيلة ثماني سنوات بغية إنجاز الساعة ذات الرقم المرجعي 57260.»
"إن الابتكار بحسب الطلب جزء لا يتجزأ من هوية بوفيه.
فبالإضافة إلى معايير الجودة التي تطبع إبداعاتنا السويسرية الأصيلة،
يشكل مفهوما الندرة والحصرية دعامتين أساسيتين في مقاربتنا لصنعتنا"
– باسكال رافي، بوفيه 1822
تزهو ساعة التوربيون Tourbillon Fleurier 0 من بوفيه بعلبة الدار المبتكرة من طراز
Amadeo التي تتيح تحويل هذه المأثرة الميكانيكية إلى ساعة جيب أو ساعة مكتب
مصغرة، كما تسمح بارتدائها على الوجه الخلفي. أما الميناء الأمامي،
فيتزين برسم لبحيرة ليمان ويعكس براعة الدار في الفنون الزخرفية.
بعد عاطفي
لكن السؤال يبقى: ما الذي ينشده اليوم هواة جمع الساعات من هذه الخدمة حد الانتظار سنوات للحصول على مبتغاهم مقابل أسعار خيالية؟ يجيب سيلموني قائلاً: «إنهم ينشدون ما تجسده هذه الساعات من حيث كونها ابتكارات حصرية أصيلة وما تعكسه من استكشافات عظيمة في عالم صناعة الوقت. وربما هذا ما يبرر النجاح المذهل الذي حققه محترفنا منذ إطلاقه، وتزايد الاهتمام بما يقدمه. فالمحترف يطرح عامًا تلو الآخر ساعات متفردة تؤكد تفوقنا في مختلف مجالات صناعة الوقت. يبتكر صناع الساعات في المحترف روائع كفيلة بإبهار النخبة من هواة الساعات وجامعيها.»
يوافقه الرأي رئيس دار بوفيه 1822 ورئيسها التنفيذي باسكال رافي، الرجل الشغوف بجمع الساعات الذي يحرص على أن تستمر الدار في الإتيان بابتكارات متميزة تحفز فضول الأجيال المقبلة من هواة جمع الساعات وتستثير شغفهم بهذا المجال، وهو يرى أن الساعات المبتكرة بحسب الطلب أو التي تحمل طابعًا شخصيًا تعكس تجربة مترفة أصيلة. يقول صاحب الدار التي توفر مثل هذه التجربة لزبائنها من النخبة: «إن الابتكار بحسب الطلب جزء لا يتجزأ من هوية بوفيه. فبالإضافة إلى معايير الجودة التي تطبع إبداعاتنا السويسرية الأصيلة المشغولة يدويًا من قبل حرفيين متمرسين في هذا المجال، يشكل مفهوما الندرة والحصرية دعامتين أساسيتين في مقاربتنا لصنعتنا.
كما أن ما نتمتع به في الدار من براعة تقنية وحرفية يُضفي على ساعاتنا بعدًا عاطفيًا يرقى بها فوق حدود تلك المكانة الاجتماعية التي تعكسها. فالحرفي الذي يمضي مئات الساعات ليطلي وجه حبيبة فوق ميناء الساعة أو ليزخرف علبتها بنقوش تحمل اسم الزبون، ينقل بأنامله حالة عاطفية يتمايز بها الابتكار الشخصي المترف عن ساعة مخصصة للإنتاج على نطاق واسع. أعتقد أن الطابع الحصري والبعد العاطفي هما تحديدًا ما ينشده زبائننا.»
في ساعة Récital 22 Grand Récital بالغة التعقيد من
بوفيه، يرتسم نصف الكرة الأرضية عبر الميناء خارطة
متقنة الزخرفة للمحيطات والبحار والصحارى والغابات
فيما يبدو القمر، الذي يدور حول الأرض مستعرضا أطواره
المتبدلة، طافيا في الهواء. أما ذروة الإبداع الهندسي،
فتعكسها الشمس التي تجسدت بآلية التوربيون المحلق
السريع ثنائي الوجه. تتيح الدار لزبائنها تحديد منحى خارطة
العالم بحيث يتجلى الموقع المختار فوق محور الأرض
والشمس وقت الظهيرة.
تشكل الساعات المتفردة والمبتكرة على قياس طلبات الزبائن ما نسبته %30 من مجمل ابتكارات بوفيه السنوية، على ما يقول باسكال رافي. كانت هذه الخدمة متوافرة لدى الدار منذ بداياتها في عام 1822. وعندما استحوذ رافي على الدار في عام 2001، أعاد إحياء الفنون الزخرفية والساعات الشخصية التي اشتهرت بها دون المساومة على حس ابتكار يليق بتوجهات العصر الحالي.
وبالرغم من أن الغلبة فيما تقدمه الدار على هذا المستوى تبقى للتعديلات الجمالية على تصميم الساعة، لا سيما النقوش اليدوية والرسم المنمنم على الميناء، إلا أن مشاريع الساعات المبتكرة بحسب الطلب قد تشمل في بعض الحالات تعديلات على مزاياها التقنية. ففي العادة، لا حدود تقيد ما يمكن إنجازه سوى الشروط التي يفرضها جامعو الساعات، على ما تشهد مثلاً ساعة Fleurier 0 Leman Lake التي يزهو ميناؤها برسم بديع لبحيرة ليمان، أو ساعة Récital 22 Grand Récital التي تتيح لصاحبها تحديد منحى خارطة العالم بحيث يتجلى الموقع الذي يختاره فوق محور الأرض والشمس وقت الظهيرة. في مختلف الأحوال، تنطلق الدار في كل مشروع من فهم رغبات الزبون ثم تترجمها إلى عروض وأفكار غير تقليدية. وفي الساعات الاثنتين والسبعين التي تلي الاتفاق على التفاصيل، تطور الدار صورة للساعة النهائية باستخدام الحاسوب للحصول على موافقة الزبون قبل البدء بمرحلة التصنيع.
تشهد ساعتا Petite Heure Minute HarrodsوPetite Heure Minute Golden Gate Tourbillon Boutiqueعلى تفوق المحترفات الفنية لدى جاكيه – درو ،تزهو الأولى برسم لمتجر هارودز في لندن. |
والثانية بمشهد لجسر البوابة الذهبية في سان فرانسيسكو.
|
فلسفة التميز
تعتمد دار جاكيه – درو المسار نفسه تقريبًا إذ تتيح لزبائنها إضفاء لمساتهم الفنية الشخصية على كثير من ساعاتها. ففي أعقاب الحصول على موجز عن التصور الذي يتقدم به الزبون إلى أحد متاجر الدار، يبدأ العمل في المصنع على تطوير مسودة أولية للمشروع تشمل تقديرًا أوليًا للكلفة والمهلة التي يستغرقها إنجازه، وتشكل منطلقًا لمسيرة إبداعية يتعاون فيها الفنان مع الزبون.
يذكر أن دار جاكيه – درو تفوقت في ابتكار الساعات المصممة بحسب الطلب منذ عام 1779، وكان زبونها الأبرز في هذا المجال الإمبراطور الصيني كيانلونغ الذي امتلك مجموعة من ساعات الدار وتماثيلها الحركية. وقد أعادت جاكيه – درو هذه الخدمة إلى الواجهة مع انضوائها سنة 2000 تحت مظلة مجموعة سواتش، لتبعث مجددًا فلسفة التميز التي طبعت تاريخها القديم. فالدار التي أتقنت فن الإبهار وتمايزت بفلسفة إبداعية ترتكز إلى مقاربة جماليات التصميم من منظور متفرد يصعب استنساخه، عادت لتضع مهاراتها الحرفية بين أيدي زبائنها، متيحة لهم، إلى جانب اختيار المادة التي تُصنع منها علبة الساعة (من الذهب الأبيض أو الأحمر)، وقطرها، وحجمها، تحديد التقنيات الفنية الممكن تطبيقها على أي من طرز الساعات المعقدة، على غرار ساعات التوربيون، ومعيد الدقائق، والمنطقة الزمنية الثانية، أو حتى التماثيل الحركية.
وسواء كان خيار الزبون ميناء يزهو بصورة لمشهد طبيعي، أو مدينة، أو رسمًا شخصيًا، يتأنى حرفيو الدار في ابتكار الساعة الحلم باستخدام فنون حرفية زخرفية بديعة مثل طلاء الميناء المشغول بتقنية الإشعال في الفرن، والنحت، ورسم المنمنمات. يستغرق العمل على الساعة ما بين شهرين إلى سنة كاملة، ويتفاوت سعرها بحسب تعقيد التصميم والتقنيات الحرفية التي يتطلبها الإتيان بابتكار حصري. فالحصرية هي أيضًا ما تنشده النخبة من زبائن جاكيه – درو الذين يثمنون انخراطهم في تجربة إبداعية يندر مثيلها.
تعد ساعة Tropical Bird Repeater من جاكيه – درو
ابتكارا فريدا ينبض فيه تعقيد معيد الدقائق على إيقاع
حركة الطيور في مشهد استوائي نفذه الحرفيون بتقنيات
الحفر والطلاء فوق ميناء من عرق اللؤلؤ.
حكايات شخصية
يختبر أي زبون من هواة الساعات المتفردة تجربة مماثلة إذ ينخرط في مسار ابتكار ساعة شخصية من طراز Reverso لدى جاجيه – لوكوتر. وكانت ساعات هذا الطراز قد طُرحت للمرة الأولى في عام 1931 خصيصًا لهواة رياضة البولو من الضباط البريطانيين، وشكلت إمكانات إضفاء طابع شخصي عليها سمة راسخة في خارطتها الجينية منذ تلك البدايات. طورت جاجيه – لوكوتر هذا الطراز في علبة دوارة تكشف عن جزء خفي يصلح خلفية مثالية للترصيع بالأحجار الكريمة، أو لنقوش أو رسوم تُنفذ بتقنية طلاء الميناء لتوثيق تواريخ وحكايات شخصية قد تتفاوت بين ولادة طفل أو رحلة مع الأصدقاء على متن مركب شراعي، أو رسم شخصي منمنم، أو حتى قصيدة عاشق. في محترف Atelier Reverso، يستغرق نقش خلفية الساعة ما بين بضع ساعات ويومين إلى ثلاثة أيام، فيما تتفاوت كلفة هذه الخدمة بين 350 يورو للنقش البسيط، وألفي يورو وما فوق للنقوش الشخصية الأشد تعقيدًا.
أما إنجاز رسم منمنم باستخدام طلاء الميناء بتقنية الإشعال في الفرن، فقد يستغرق أكثر من أسبوع كامل بكلفة تبدأ من 92٫500 يورو لساعة في علبة من الذهب. تتيح الدار، فضلاً عن ذلك، للزبون خيارات عدة للون سوار الساعة والمادة التي يُحاك منها، مثل جلد العجول، أو جلد التمساح، أو الساتان، وغيرها من الخيارات الشخصية القابلة للتنفيذ والكفيلة بتوثيق العلاقة بين الرجل وساعته.
تتيح دار جاجيه – لوكوتر لزبائنها زخرفة الجزء الخفي من ساعة Reverso بتقنية
الطلاء بالميناء على ما هو عليه الحال في ساعة Reverso Tribute Enamel
التي تزهو بنسخة عن إحدى لوحات الرسام الصيني زو بيهونغ.
في الختام، تبقى هذه الساعات - سواء أكانت تُبتكر بحسب الطلب من لا شيء، أم تشكل نماذج من طرز متوافرة أصلاً لكن تزهو بتعديلات شخصية على مزاياها الجمالية أو التقنية – انعكاسًا للمتميز في عالم صناعة الساعات، واستثناء تنشده النخبة بمنأى عن التوجهات الآنية. يقول باسكال رافي: «من المرجح أن تشهد خدمة الساعات المبتكرة بحسب الطلب مزيدًا من الازدهار مستقبلاً. اقتحمت الهواتف الذكية، في السنوات الأخيرة، حياتنا ورسخت حضورها في عاداتنا اليومية. نحمل هواتفنا هذه معنا أينما كنا، ونستخدمها لمعرفة الوقت. لكنها تمثل منتجًا يُصنع على نطاق واسع ويخلو من أي روح. باتت الفنون الزخرفية والمزايا الشخصية، في المقابل، تحتل مكانة متقدمة في مجال صناعة الساعات الراقية. نرصد هذا الواقع بأسبابه وتأثيراته على نحو جلي عندما نتحدث إلى زبائننا من هواة جمع الساعات عن دوافعهم. فما يحققونه لدى اقتناء ساعة مصممة بحسب الطلب من بوفيه مثلاً، هو اختبار عاطفة شخصية لا يخبو أثرها في وجدانهم.»
يصلح الجزء الخلفي من ساعة Reverso Tribute Moon خلفية لنقوش
تبتكر بحسب الطلب لتوثق تاريخا أو شعارا أو حكاية أو رسالة.