تعيد الفنانة بات ستير ابتكار العجلة بمجموعة قوامها 28 لوحة.

 

هو يوم من تلك الأيام الغائمة التي تكون أواخر الصيف في مدينة نيويورك، والتي يشد فيها غالب الفنانين المعاصرين المرموقين الرحال مستبشرين صوب محترفاتهم الفنية المنعشة والمريحة في لونغ آيلاند أو في كونيتيكت. لكن بات ستير، 79 عامًا، قائمة في محترفها الفني في تشيلسي وهي ترتدي وشاحًا موشى بالأزهار، تحوطها 28 لوحة مرتفعة. تتزين كلٌ من هذه اللوحات التي تستند إلى الجدران، والتي يبلغ ارتفاع كلٌ منها تسع أقدام، بلون مختلف يتدرج ما بين الأصفر الزاهي حتى الأرجواني الداكن. تقضي ستير الأسابيع الأخيرة من موسم الصيف في العمل على إنهاء المجموعة اللونية قبل أن تُرسل إلى متحف هيرشهورن وصالة سكالبتشر غاردن في العاصمة واشنطن، حيث تُثبت وفق تدرج متسلسل حسب منظومة ألوان الطيف، أي من الأحمر إلى البنفسجي، في معرض منفرد.

 

عندما تواصل المتحف معها بشأن معرض فني، تمعنت ستير، التي تصنف نفسها رسامة تصورية، في التصميم الهندسي الغريب للصالة الذي يحاكي شكل كعكة، ومن ثم اقترحت تشكيل عجلة ألوان. تقول ستير، فيما تتناول كتابًا ألمانيًا يبحث في الموضوع الذي طالما أشارت إليه: «ثمة تاريخ ضخم من عجلات الألوان، بدءًا من نيوتن وغوته. إن عجلة ألواني هي عجلة ألواني. إنها ليست نسخة مقلدة. إنها اكتشافي المحض.»

 

 تفصيل من أعمال بات ستير: عجلة الألوان، متحف هيرشهورن، وصالة سكالبتشر غاردن، 2019.

 

تبدو التدرجات اللونية، من مسافة بعيدة، أحادية اللون ومعتمة، فيما يشبه في الغالب طلاء المنازل. لكن عن قرب، تلوح هنا وهناك عروق الأصباغ المتعددة. تقول ستير: «إن ما تشاهدونه إنما هو في بعض الأحيان إحدى عشرة طبقة من ألوان شفافة.» تتميز كل لوحة بظل لوني متباين يسيل على الجهة الأمامية، مثل لون أحمر منسكب على لون أخضر، على سبيل المثال، نتيجة ضربات فرشاة ستير الثرية بمجموعة وافرة من الألوان. والتأثير الناتج هو عجلة لونية ثانية ومكملة. تعمل ستير أيضًا، التي كانت في السابق مصممة كتب ومديرة فنية، على ابتكار مطوية كتاب على هيئة آلة الأوكورديون، تنكشف لحظة فتحها كل اللوحات الثمانية والعشرين معًا في الوقت نفسه، محاكية هيئة التركيبة الدائرية. 

 

افتُتنت إيفلين س. هانكينز، كبيرة أمناء متحف هيرشهورن، بمقاربة ستير لعجلة الألوان على وجه التحديد، وكذلك بتكافؤ الشقين: الاكتشاف العلمي والتعبير الفني على حد سواء. تقول هانكينز: «الأمر يتعلق بالإدراك اللوني بقدر ما هو متعلق بلون رسم الخرائط.» 

ليست هذه هي المرة الأولى التي تلجأ فيها ستير إلى تبني ما يُعد عموما أداة عمل فنان أو تقنية وتعمد إلى تحويلها لتصبح مادتها الأولية. نالت ستير شهرة في ثمانينيات القرن المنصرم من خلال مجموعتها Waterfall التي عمدت فيها إلى سفح الطلاء ورشقه ورشِّه على أقمشة اللوحات، مستحضرة هيئة مياه متدفقة. تستذكر ستير: «كنت أرسم القالب، أي الرمز، من وحي الفكر التجريدي، من ضربة فرشاة ينساب منها اللون متقطرًا، أي الصورة الماثلة.» ثمة تغيير طفيف واحد في مجريات عملها: في تلك الأيام كانت تعتلي سُلمًا، الآن تستخدم رافعة.

 

تفصيل من أعمال بات ستير: عجلة الألوان، متحف هيرشهورن، وصالة سكالبتشر غاردن، 2019.

 

أقامت ستير بعد تخرجها في كلية الفنون، في ستينيات القرن المنصرم، عروضًا فنية في متاحف وصالات بكل سهولة، وهو ما يُعد حدثًا نادرًا لفنانة من هذا العصر، وطورت صداقات وثيقة مع أعلام مبدعين آخرين، من بينهم الفنانة أغنيس مارتن، والمؤلف الموسيقي الرائد جون كيج، ومصمم الرقصات ميرس كننغهام. اعتنقت ستير، تحت تأثير كيج، نظرية المصادفة في لوحاتها واحتفت بفن الخط الآسيوي والفلسفة الطاوية. تقول عن الفلسفات الشرقية: «كنت امرأة شابة في سبعينيات القرن المنصرم، كان كل ذلك رائجًا. لم أكن وحدي مَن طرق باب البحث ذاك.»

 

ثابرت ستير على مدى السنين، لكنها ما انفكت، منذ انضمامها في عام 2016 إلى معرض ليفي غورفي، تستمتع بدفقة من الاهتمام المتجدد. بالإضافة إلى معرض هيرشهورن، الذي سيمتد حتى شهر سبتمبر أيلول عام 2020، أقامت مؤخرًا معرضًا يضم لوحات جديدة في مؤسسة بارنز نال استحسانًا وافرًا، وصممت المجموعة لأجل الذكرى المئوية لكننغهام، وكانت مادة لفيلم وثائقي. لكن لا يبدو أن السنوات الأكثر هدوءًا أزعجتها. فهي تقول: «شعرت دومًا بالفخر بأعمالي. كنت الطفلة الصغيرة الموجودة في مقدمة الغرفة التي قالت: «أنا أعرف الإجابة! استدعني! أنا ذكية حقًا!» هذا كان نهجي فيما يتعلق بعملي. لم أكن أدرك إن كان الناس يعيرونني انتباهًا أم لا. لطالما ظننت أنهم كانوا يفعلون ذلك، حتى عندما لم يكونوا كذلك.»

 

تفصيل من أعمال بات ستير: عجلة الألوان، متحف هيرشهورن، وصالة سكالبتشر غاردن، 2019.

تفاصيل من أعمال بات ستير: عجلة الألوان.