يمكن لسباق غولدن غلوب عتيق الطراز إلى حد بالغ، الذي ينطلق في الرابع من سبتمبر المقبل من بلدة ليه سابل دولون Les Sables – d’Olonne الفرنسية، أن يزعم بأنه يجتذب بعض المتسابقين الأكثر انتقائية في العالم.
يعني ذلك أن البحارة المحترفين الذين اعتادوا الإبحار ثمانين يومًا في قوارب مزعنفة من ألياف الكربون يقدّر سعرها بملايين الدولارات، بمعيّة فرق توجههم من الشاطئ ورعاة ذوي ميزانيات ضخمة، لا يحتاجون على الأرجح إلى التقدم للمشاركة في هذا السباق.
وفي هذا يقول منظم السباق دون ماكنتاير: "إنه السباق الأكثر وحشة بين مختلف السباقات الرياضية، إذ يدوم بين ستة وعشرة أشهر يقضيها المتسابق بمفرده، بلا أجهزة إلكترونية وبلا اتصال بالعالم الخارجي - أنت وقاربك والمحيط فحسب". ويرى ماكنتاير أن سباق غولدن غلوب يقف على النقيض من سباقات القوارب حول العالم التي تكون فيها الميزانيات ضخمة والرهانات عالية.
يتّبع حدثُ هذا العام القواعد والتكنولوجيا نفسها التي اتّبعت في سباق غولدن غلوب الأول الذي رعته صحيفة صانداي تايمز بين عامي 1968 و1969. وكان هذا السباق الفردي من القساوة الشديدة لدرجة أنه من بين البحارة التسعة الذين شاركوا فيه، جرى إنقاذ أحدهم بعد غرق قاربه، وتوفي آخر منتحرًا، في حين قرر متسابق ثالث الإبحار إلى تاهيتي بدلاً من إكمال السباق، وانسحب خمسة آخرون.
أما المتسابق الوحيد الذي أكمل السباق، فكان روبن نوكس جونستون أول شخص يبحر حول العالم بدون مساعدة وبلا توقف على متن قاربه ثنائي الأشرعة Suhaili البالغ طوله 32 قدمًا.
واحتفالاً بالذكرى الخمسين على إطلاق السباق، أعاد ماكنتاير، الذي كان يشارك في الماضي في سباقات الزوارق السريعة، إحياء السباق في عام 2018 بمشاركة ثمانية عشر متسابقًا، خمسة منهم فقط وصلوا إلى خط النهاية.
يتذكر استيفان كوبار، الذي أبحر بقارب Puffin في الأول من يوليو 2018 وأنهى السباق في المركز الرابع في 21 مارس 2019: "لقد كانت مهمة مهيبة في البحر، ولكن التحدي كان أكبر في البر". فبالحديث عن التحضيرات قبل السباق يقول كوبار: "كان عمر القارب عندما اشتريته ثلاثين عامًا، وكان معطلاً على مدار السنوات العشر الماضية. استغرق إصلاحه ثلاث سنوات و2,500 ساعة عمل".
أما الفنلندي تابيو لتينين، المتسابق على قارب Asteria الذي بني في الأصل في عام 1965، فيقول: "كنت أخرج أدواتي باستمرار".
بعد الوصول إلى تسمانيا، النقطة التي تمثّل تقريبًا منتصف السباق، اكتشف لتينين وجود طبقة من قشور الأصداف يراوح سمكها بين بوصتين وخمس بوصات في قاع القارب، وهو ما فسّر تخلفه عن باقي المتنافسين.
وعندما قفز إلى المحيط ليتخلص من القشور، لاحظ "سمكة قرش ضخمة تسبح حول القارب". أجرى لتينين بعض الإصلاحات المؤقتة عن طريق استخدام خطاف مربوط بشفرة لإزالة قسم صغير من القشور من موقع داخل القارب ولكنه قرر ترك الباقي. وفي النهاية، أنهى السباق في المرتبة الخامسة.
يتمثل جانب من جاذبية سباق غولدن غلوب في كون المتسابقين يشاركون بقوارب شراعية بطول يتفاوت بين 32 و36 قدمًا، صُممت قبل عام 1988، وتُستخدم فيها تكنولوجيا من حقبة ستينيات القرن الفائت.
لا نظام لتحديد المواقع ولا رادار ولا سونار.
بدلاً من ذلك، يستخدم المشاركون آلة السدس والخرائط الورقية والملاحة الفلكية. كما يتعيّن على المتسابقين تخزين حاجتهم من المياه والطعام خلال الرحلة.
بل إن وسائل الترفيه على القارب تكتسي أيضًا بصبغة قديمة: للمتعة السمعية ثمة أشرطة كاسيت، ولتسجيل السباق ثمة كاميرات من الطراز الذي يستخدم أفلامًا بحجم 35 ملليمترا وأخرى من طراز Super 8.
لا يرى المتسابقون بشرًا لأشهر طويلة. وفي أثناء السباق، يغمضون جفونهم بضع ساعات كل يوم فيما يبقون باستمرار عينًا يقِظةً على الممرات الملاحية التي تعبرها سفن الشحن.
إنه عمل متسق وشاق في أحيان كثيرة، ولذلك فإن المشاركين في سباق غولدن غلوب معظمهم كبار في السن، ولديهم تجارب سالفة في الإبحار عبر المحيط.
سبق أن شارك لتينين، الذي يبلغ من العمر 64 عامًا، في سباق Whitbread Round the World لعام 1981 وفي سباقات أخرى. أما كوبار، البالغ من العمر 69 عامًا، فكانت أولى تجاربه في الإبحار الفردي في عام 1990، وقد أنهى تلك التجربة بعد عام. الجدير بالذكر أيضًا أن جان - لوك فان دن هيدي كان يبلغ من العمر 74 عامًا عندما فاز بسباق غولدن غلوب لعام 2018.
Historical Shot: Bill Rowntree/PPL
في عام 1969، أصبح روبن نوكس جونستون أول رجل يبحر بمفرده حول العالم دون توقف.
لكن نسخة عام 2022 استقطبت متسابقين شبابًا لهم تجربة في سباقات الزوارق السريعة، ومنهم إليوت سميث البالغ من العمر 27 عامًا، والقادم من جاكسونفيل بيتش بولاية فلوريدا، والكندي غوراف شيندي البالغ من العمر 35 عامًا، والجنوب إفريقية كيرستن نيوشيفر البالغة من العمر 39 عامًا، وهي ثاني امرأة تشارك في هذه المنافسة.
ويرى المراقبون أن داميان جيلو، البالغ من العمر 39 عامًا، هو المرشح للفوز بالمسابقة بفضل مسيرته في سباقات الزوارق السريعة ولأنه يحظى برعاية مجموعة PRB.
في هذا السباق، يواجه الإنسانُ البحرَ - وبالأخص في القسم الذي يبحر فيه المتسابقون وحدهم على مدار أشهر عبر المحيط الجنوبي - ومع ذلك يستمتع لتينين بوتيرة السباق المتمهلة. وفي هذا يقول: "لقد كنت بمفردي لشهور ولكنني لم أشعر بالوحدة مطلقًا. قرأت الكتب واستمعت إلى الموسيقى الكلاسيكية باستفاضة على شرائط الكاسيت.
لقد كانت تجربة عظيمة". سجل 39 متسابقًا للمشاركة في النسخة المقبلة، لكن 18 فردًا منهم مشاركون "مؤقتون"، أي أنهم يخططون للقدوم إلى خط البداية فحسب.
بعد نسخة عام 2018، قرر لتينين أن ينقص وزن قارب Asteria بنحو 453 كيلوغرامًا وذلك عن طريق تقليل كمية الماء والوقود. لقد تدرب من أجل حدث هذا العام، لكنه يقول إن الجانب البدني للإبحار حول العالم لا يطغى على هذا السباق مثلما يطغى عليه في سباق المحيط Ocean Race وسباق فيندي غلوب Vendée Globe، مضيفًا: "ليس عليك أن تكون طرزان. فمفتاح النجاح يكمن في الاستعداد بالقدر الكافي حتى لا تؤذي نفسك أو تؤذي القارب لأن بقاءك منوط ببقاء القارب".