على مدار عقود طويلة عُدَّ هنري فورد Ford Henry المبتكر الأول في مجال صناعة السيارات. والحقيقة هي أن مؤسس فورد موتور كومباني Ford Motor Company لم يخترع السيارة، ولكنه تاريخيًا كان المسؤول الأهم عن تحويلها من اختراع ذي منفعة غير محددة، إلى ابتكار شكل بعمقٍ ملامح القرن العشرين.

وقد ترك فورد بصمته الخاصة في العالم الصناعي بابتكار مفهوم خطوط الإنتاج، حيث تضافرت جهود تطويره للسيارات مع طريقته في الإنتاج لتؤثر على حياتنا حتى يومنا هذا، إذ أصبحت جزءًا أصيلاً في عملية إنتاج أي شيء وكل شيء، ومن ثم استحق بجدارة لقب رجل أعمال القرن.

فمن هو هنري فورد الذي صار اسمه وعلامته البيضاوية الزرقاء دليلاً على الثقة والريادة؟ وما هي قصته؟ وكيف بدأت أحداثها حتى وصلت إلينا في شكل إبداعات خالدة وتاريخًا لا يُنسى؟

الشغف بالمحركات

بدأت القصة عندما ولد الطفل هنري في مزرعة والده ويليام فورد في بلدة سبرينغويلز بمقاطعة واين، ميشيغان في 30 يوليو 1863، بعد أن استقر والده المهاجر من مقاطعة كورك بأيرلندا في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1847.

ومنذ سنوات طفولته الأولى، أظهر هنري ميلاً كبيرًا وشغفًا بالمحركات والميكانيكا وعالمها الساحر، إذ كان ينظم الأولاد الآخرين لبناء عجلات مائية ومحركات بخارية.  بل إنه استطاع تعلم الكثير عن المحركات من خلال تكوين صداقات مع العاملين في هذا المجال، فيما كان شغوفًا بتعليم نفسه إصلاح الآلات الدقيقة من خلال الممارسة، وأساسيات تصميم الماكينات من خلال الكتب المدرسية.

هنري فورد رجل أعمال القرن

Ford

وببلوغ الثانية عشرة عامًا من عمره، كان هنري يقضي معظم وقت فراغه في ورشة صغيرة للآلات جهزها بنفسه، إذ كان يريد دائمًا استكشاف طريقة عمل كل شيء، لدرجة أنه عندما حصل في عيد ميلاده الثالث عشر على ساعة جيب هدية، فإنه سرعان ما شرع في تفكيكها، ليرى كيف تعمل ولماذا قد تتوقف عن العمل، وهي السمة الاستكشافية التي ميزت شخصيته دائمًا مع سعيه للتعلم عن طريق التجربة والخطأ، حتى تمكن في الخامسة عشرة من عمره من بناء محركه البخاري الأول.

واصل فورد الشاب تطوره الملحوظ دون توقف، وسرعان ما أصبح متدربًا في شركة ميشيغان للسيارات Michigan Car Company، ثم عمل بعد انتهاء تدريبه في Detroit Dry Dock Company، قبل أن يمضي عامًا في إعداد محركات Westinghouse البخارية وإصلاحها في جنوب ميشيغان. وكان في غضون ذلك يعود بين الحين والآخر إلى مزرعة والده ليساعد الفلاحين بصيانة معداتهم. شغل فورد العديد من الوظائف وكان يتنقل أحيانًا عندما يعتقد أن ثمة فرصة لتعلم المزيد في مكان آخر.

هنري فورد رجل أعمال القرن

Ford

بداية الانطلاق

تزوج هنري فورد من كلارا براينت وانتقلا عام 1891 إلى ديترويت، حيث عمل مهندسًا ليليًا في شركة Edison Electric Illuminating Company، إذ رأى في هذه الوظيفة فرصة لتعلم المزيد عن الكهرباء التي لم يكن يعرف الكثير عنها، إلى أن أصبح كبير المهندسين بالشركة. وقد توطدت آنذاك علاقته بتوماس إديسون الذي أصبح مرشدًا وصديقًا له.

وفي شتاء عام 1893 دفعه اهتمامه بمحركات الاحتراق الداخلي إلى بناء نموذج صغير لمحرك البنزين أحادي الأسطوانة، ليبدأ محرك فورد الأول في طريقه إلى الحياة على طاولة خشبية في مطبخ منزله، وهي النسخة الأولى لنسخة لاحقة قامت بتشغيل سيارته الأولى Quadricycle، والتي كانت عبارة عن هيكل مزود بأربع عجلات تشبه عجلات الدراجات، تبعتها سيارة ثانية أظهرت قدرة فورد على صياغة رؤية مستقبلية وإقناع الآخرين بمساعدته على تحقيق تلك الرؤية، إذ إنه نجح في إقناع مجموعة من رجال الأعمال بدعمه لتكوين شركة لتصنيع عربات بدون أحصنة وبيعها.

هنري فورد رجل أعمال القرن

Ford

لكن فورد لم يكن ملمًا بإدارة الأعمال، ومن ثم لم يُكتب للشركة الجديدة الاستمرار، فبدأ من جديد بتصميم وبناء بل قيادة سيارات السباق التي اجتذبت بنجاحها داعمين ماليين إضافيين، ليعود إلى الواجهة مرة أخرى بإنشاء شركة فورد موتور كومباني التي بلغت حصته فيها 25.5%. باعت الشركة سيارتها الأولى من الطراز A في  يوليو 1903، وتبعتها مجموعة من الطرز المحسنة.

وبحلول عام 1907، أصبحت سيارة فورد ذات الأسطوانات الأربعة من الطراز N، والتي بلغت قيمتها 600 دولار، هي السيارة الأكثر مبيعًا.

كان لدى فورد رؤية أكبر لسيارة أفضل وأرخص، وهو ما تحقق مع الطراز T الذي تطلب مصنعًا أكبر لتحقيق هذه المعادلة، فكان الانتقال في عام 1910 إلى المصنع الأضخم في هايلاند بارك، حيث بدأت الشركة طريقها لزيادة الإنتاج ومن ثم خفض التكلفة. وهنا استعار هنري وفريقه مفاهيم من صانعي الساعات والأسلحة والدراجات ومعبئي اللحوم، ومزجوها بأفكارهم الخاصة، ليطوروا خط تجميع متحرك للسيارات في عام 1913. وبحلول عام 1922، كانت نصف السيارات في أمريكا من طراز تي إس، وكان يمكن الحصول على سيارة جديدة تتسع لراكبين مقابل 269 دولارًا فقط بفضل عقلية فورد.

هنري فورد رجل أعمال القرن

Ford

قبل هذا التاريخ، وبالتحديد عام 1919، كان هنري قد قرر شراء حصص المساهمين، للانطلاق بحرية نحو تحقيق طموحاته مع أكبر شركة سيارات في العالم آنذاك، إذ كانت لا تصنع السيارات فحسب، بل الفولاذ والزجاج والإطارات والمكونات الأخرى التي تدخل في صناعة السيارات أيضًا.

وبينما ظل فورد هو العقل المدبر، عيّن ابنه إدسل رئيسًا للشركة. ولكن بوفاة الابن عام 1943، اضطر هنري فورد للعودة إلى الواجهة لإدارة الشركة مرة أخرى، إلى أن سلم الرئاسة في عام 1945 لحفيده هنري فورد الثاني، ليعتزل الجد المؤسس حتى وفاته في أبريل من عام 1947 عن عمر يناهز 83 عامًا، تاركًا اسمًا رائدًا، يؤمن بأن النجاح هو أن تقدم للعالم أكثر مما يقدم العالم لك.
والحقيقة هي أن فورد حقق النجاح على مختلف المستويات. فشركته على مدار تاريخها قدمت مساهماتها في أوقات الحاجة، فوفّرت الحاضنات والأجهزة الطبية والتعويضية، مثلما قدمت المعدات العسكرية التي تقاطرت على خطوط تجميع فورد، والتي وصفت بكونها حاسمة في انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ليحصل فورد قبل رحيله على الإشادة بما قدمه، مع لقب مستحق يختصر مسيرته في ثلاث كلمات "رجل أعمال القرن".