ما ينبغي تذكره بشأن فيراري هو أنها تسير بحزم وثبات على إيقاعها الخاص. على الأقل، هذه هي السردية التي تُروّج لها الشركة، وإذا حدث أن خالفتهم القول، فإن شخصًا أنيق الهيئة سيعيدك إلى جادة الصواب بحزم وصرامة. والسبب في ذلك هو أن فيراري بمنأى عن مطامح العلامات الصغرى، إذ إن مركباتها لا تولد أبدًا من مطمح بسيط مثل تلبية طلب.
ولكن، ما هو تفسير سيارة بوروسانغويه Purosangue، التي تعد أول مركبة رياضية متعددة الاستعمالات تنتجها العلامة؟ في البداية، لا تُسمّها مركبة رياضية متعددة الاستعمالات، لأن فيراري لن تفعل هذا أبدًا.

قد يبدو للوهلة الأولى أن الصانع الإيطالي يرفض بعناد الاعتراف بأنه قد انجرّ إلى إنتاج فئة من المركبات لطالما وسمها بالنقص من الناحية الجمالية والفلسفية، بل من الناحية الخُلقية. في الواقع، إن هذه السيارة جرعة مُستحبة من الدّقة في عالم سياراتٍ سقط فجأة في وهدة الغموض والغرابة.

إلى عهد قريب، كانت كلمة "SUV" تعني شيئًا محددًا: مركبة أشبه بشاحنة، تمتاز ببنية على هيكل، وهو ما لا ينطبق على طراز بوروسانغويه. في الواقع، إن هذه السيارة المنحدرة السطح من الخلف، ذات المقاعد الأربعة، هي من الناحية التقنية مركبة دفع صغيرة "كروس أوفر" (غير أن فيراري لا تتعجل تصنيفها في هذه الفئة أيضًا).

هذا الانزلاق اللغوي البسيط يعكس التطور المتسارع للسيارات الحديثة، بمختلف فئاتها الجديدة الغريبة. وبما أن تقسيم السيارات إلى فئات قليلة محددة بات أمرًا متعذرًا، فمن ذا الذي يقول إننا لا نريد سيارة فيراري بأربعة مقاعد كبيرة الحجم وبهيكل مرتفع عن الأرض، خصوصًا إن كانت مجهزة بمحرك V-12 من اثنتي عشرة أسطوانة، يعمل بالسحب الطبيعي، ويولد قوة تساوي 725 حصانًا؟ 
إنها بالتأكيد السيارة المناسبة للذهاب في رحلة قصيرة على طول الطرق الضيقة والوعرة التي تتعرج عبر جبال الدولوميت الإيطالية المكسوة بالثلوج.

بالطبع، إنها أكبر وأثقل من مركبات التجوال الفاخر التقليدية، ولكن هذا هو أيضًا حال صانعي الألعاب المُحدثين في كرة السلة مقارنة بأسلافهم، وهذا لا يعيبهم في شيء يُذكر، لا سيّما إن همْ حافظوا على السرعة المطلوبة والرشاقة اللازمة.

لكن، حذارِ من إساءة الفهم، ذلك أن سيارة بوروسانغويه تتسارع من صفر إلى 62 ميلاً/الساعة في غضون 3.3 ثانية، وتبلغ سرعة قصوى تساوي 193 ميلاً/الساعة، إلى جانب كونها مجهزة بنظام مستقل لتوجيه العجلات الأربع، فضلاً عن نظام تعليق نشط يتيح اجتياز المسارات الوعرة بسلاسة وإشعار السائق بما يحدث تحته.

تمتاز السيارة أيضًا بأذرع تبديل ضخمة مثبتة على المقود، ومحور خلفي لنقل الحركة يسمح بتوزيع الوزن بدقة بين المقدمة والجزء الخلفي (بنسبة 51% إلى 49%)، وقناة مُعدلة لسحب هواء المحرك تُحسّن عزم الدوران المتاح مع الاحتفاظ بالقوة القصوى. 

جُهّزت بوروسانغويه بنظام مستقل لتوجيه العجلات الأربع، فضلاً عن نظام تعليق نشط يتيح اجتياز المسارات الوعرة بسلاسة.

Lorenzo Marcinno
جُهّزت بوروسانغويه بنظام مستقل لتوجيه العجلات الأربع، فضلاً عن نظام تعليق نشط يتيح اجتياز المسارات الوعرة بسلاسة.


على الطرقات الجبلية الملتوية ومسارات الغابات المغطاة بالثلوج، تعدو سيارة بوروسانغويه وتزمجر وتنهب المنعطفات. بل إن مؤخرتها تبدو للحظات كأنها ستخرج عن السيطرة، إلى أن يكبح جماحها نظام التوجيه المضاد.

بعبارة أخرى، إنها تتحرك مثل سيارة فيراري وتعطي انطباعًا بأنها كذلك في كل شيء، ما عدا نظام التوجيه. لا حضور هنا لقدرة التوجيه الباهرة التي تمتاز بها سيارات العلامة الخفيفة الوزن الملتصقة بالأرض وذات المقعدين. فقد حلّ محلها نظام توجيه دقيق ومستقيم، فاستقرت عجلة القيادة في الوسط بلا حياة.

ونظرًا لأن الوزن الجاف للسيارة يصل إلى 2033 كيلوغرامًا، فقد كان متوقعًا حدوث بعض التنازلات. وبالرغم من ذلك، وفيما ستنسى غالبًا أنك تقود مركبة دفع صغيرة، ستغفل أيضًا في بعض الأحيان عن حقيقة أنك تقود سيارة فيراري.

ولكن الضغط على دواسة الوقود كفيل بتذكير السائق بما قد يكون نسيه. فما إن يضع قدمه عليها حتى تنطلق زمجرة هائجة غاضبة، كأنه أيقظ أسدًا رابضًا من سباته. ومن الخارج، لا سبيل للخطأ والظن أنها ليست سيارة فيراري.

يعني اسم "بوروسانغويه" في اللغة الإيطالية "أصيل"، وهو معنى يؤكده أكثر المظهر الرياضي الرشيق للسيارة. تبدو الصفيحة المعدنية المليئة بالطيّات مثل مُجسّم أوريغامي مشاغب يطفو فوق الهيكل الجديد المصنوع من الألمنيوم، وهي تنطوي على مزايا للديناميكية الهوائية متطورة إلى حد إلغاء الحاجة إلى المسّاحات الخلفية. فعند الانطلاق بسرعة كبيرة، يؤدي اندفاع الرياح إلى تنظيف النافذة الخلفية.

تغيب بعض العناصر الأخرى عن هذه السيارة. بالرغم من أن ثمة فسحة كبيرة داخل المقصورة الداخلية الرحبة، إلا أن الغائب الأكبر هو وحدة التحكم المركزية، ذلك أن تصميم لوحة العدادات المتموجة المغطاة بكسوة جلدية يؤدي إلى تشكيل مقصورتين منفصلتين، بشاشتين منفصلتين، للراكبين الأماميين.

كما يغيب نظام تحديد المواقع العالمي عن الشاشتين. فعلى ما يبدو، يُفضل الزبائن الاستعانة بهواتفهم في أثناء التنقل. بدلاً من ذلك، يستمتع زبائن فيراري للمرة الأولى بمقاعد تدليك أمامية، وذراع تبديل للسرعة مثل تلك الموجودة في طراز الكوبيه فيراري روما، وقد جرى تصميمها بذكاء لتشبه ناقل الحركة المفتوح الذي شاع استخدامه في الماضي. 

يعني اسم "بوروسانغويه" في اللغة الإيطالية "أصيل"، وهو ما يوحي به المظهر الرياضي الرشيق للسيارة، والطيات التي تثري بنيتها فتبدو مثل مُجسّم أوريغامي مشاغب يطفو فوق الهيكل.

Lorenzo Marcinno
يعني اسم "بوروسانغويه" في اللغة الإيطالية "أصيل"، وهو ما يوحي به المظهر الرياضي الرشيق للسيارة، والطيات التي تثري بنيتها فتبدو مثل مُجسّم أوريغامي مشاغب يطفو فوق الهيكل.


قد يكون أكثر ما يثير الدهشة في هذه السيارة هو الموارد المخصصة لها، إذ قالت فيراري إن هذا الطراز سيمثل 20% من مبيعات سياراتها السنوية، وفي هذا انحراف حاد عن الوضع الراهن. فبورشه، التي بدأت صيحة السيارات الرياضية المتعددة الاستخدامات قبل عقدين من الزمن مع طراز كايان، أثبتت أن هذه الفئة تُدرّ أموالاً طائلة.

وبحلول عام 2016، كانت سبع سيارات بورشه من أصل عشر مبيعة تنتمي لفئة السيارات المتعددة الاستخدامات، ولهذا اتجه أغلب صانعي السيارات الفاخرة والسيارات العالية الأداء إلى التنافس في هذه الفئة.

فهل نصدق أن فيراري وحدها، دون غيرها، غير مهتمة بتأمين مصدر مماثل للإيرادات، لا سيما أن سعر هذه السيارة يبلغ 393,350 دولارًا وأن الطلب عليها سيكون بلا شك مرتفعًا؟

قد تقتصر النسبة المصرّح بها على الإصدار المجهز بمحرك V-12، على أن تُوسّع فيراري إنتاج الطرز المجهزة بمحرك V-8 (أو محرك V-6) في مرحلة لاحقة. أو قد تتخلى ببساطة عن الفكرة بأكملها في غضون عام أو عامين.

غير أن الأمر الجليّ هنا هو أن فيراري تسير حقًا على إيقاعها الخاص. وبعد اختبار براعة سيارة بوروسانغويه، التي لم يكن أحد ليتصور خروجها إلى النور، فإني لا أرى ضيرًا في ما تفعله فيراري.