يعلو الدرب فوق الجذور المكشوفة بين الحجر الجيري المغطى بالنباتات الحزازية، وتتناثر أشعة الشمس على الطريق من خلال أشجار البلوط والزان.
وفوق مرج مرتفع، تتراقص فراشة زرقاء صغيرة بين الزهور البرية الصفراء والبيضاء والأرجوانية فيما ينعش نسيم خافت بشرتي الساخنة. هنا كل شيء على ما يرام، على أحسن ما يرام، ولكنني جائع.
لقد قدمت إلى إيطاليا للتنزّه في الطبيعة وتناول أطايب الطعام، وربما أيضًا للتأمل في بعض الأمور بينما أختبر بعض الترف، وعلى غير العادة في العطل الإيطالية، لخسارة بضعة كيلوغرامات من وزني.
لأكثر من عقد من الزمان، كرس منتجع ذي رانش في ماليبو The Ranch Malibu، الذي يقع في ماليبو بكاليفورنيا، جهوده لإعادة ربط صلة ضيوفه بأنفسهم وبالطبيعة على حد سواء.
يمشي الضيوف أربع ساعات يوميًا، ويمارسون التمارين الرياضية، ويستفيدون من جلسات التدليك، ويمارسون اليوغا، ويتبعون نظامًا غذائيًا نباتيًا. وفي نهاية إقامتهم يكونون قد تحسّنوا ونحِفوا.
والآن أصبح للمنتجع فرع جديد في إيطاليا، ومن المقرر أيضًا افتتاح منتجع ثالث في وادي هدسون بنيويورك العام المقبل.
وفيما تقع الوجهة الأصلية في عالم مستقل في موقع فسيح وذاتي الاكتفاء معلق فوق المحيط الهادئ، يستوطن المنتجع في إيطاليا فندق بالاتزو فيودجي Palazzo Fiuggi الذي يضم 102 غرفة، ويقع على بعد 50 دقيقة بالسيارة من روما، في هذه البلدة الجبلية التي تحمل الاسم نفسه والتي تشتهر بينابيعها المجددة للنشاط.
لقيني إدواردو عند قدومي إلى المنتجع. وبإيماءة سريعة عليمة، لاحظت أنه يجسد مزيج الفندق اللافت بين البذخ والحاجة المفهومة إلى التكتم.
يهمس إدواردو قائلاً: "ينتمي أغلب المستفيدين من خدماتنا إلى النخبة الروسية. على الأقل هذا ما كان عليه الحال قبل اندلاع الحرب".
تواجه غرفتي الكاملة التجهيز الحي القديم في البلدة، وخارج النافذة تتبدّى المنازل المتداعية أسفل التل. قبل افتراقنا، قال إدواردو: "استمتع بتجربة المنتجع، وإذا كان بمقدورنا في الفندق مساعدتك بأي شيء..." وكاد ينحني وهو يقول هذه الكلمات.
ألقى في المنتجع أمريكيين وأوروبيين وبعض الكنديين ومجموعة من السعوديين مجتمعين.
سبق للعديد منهم أن زار منتجع ذي رانش ماليبو (يفتخر المنتجع بأن 50% من زواره يعودون إليه مرة ثانية). خلال الأسبوع المقبل، ستتناول مجموعتنا المؤلفة من 23 شخصًا ثلاث وجبات يوميًا، وتمشي لمسافات طويلة، وتشارك في الصفوف معًا.
وسرعان ما تلاشى خوفي من هذه الحميمية القسرية عندما رأيت كيف تباعد الأشخاص الذين ينشدون مساحة خاصة بهم، وتقارب الأشخاص الاجتماعيون.
فالمواقف كلها مرحب بها هنا بالقدر نفسه. وبوصفي مولعًا بالمشي المطوّل ومحبًا لإيطاليا، أبدأ أسبوع إقامتي بتفاؤل يشوبه الحذر، لأنني لست "مدمن نواد صحية" ولست نباتيًا.
إن نقطة الارتكاز اليومية هي المشي الصباحي. بعد القيام بتمارين تمدد عند الساعة السادسة صباحًا، يليها تناول وعاء صغير من الغرانولا المنزلية الصنع وحليب اللوز، نباشر مشوارنا.
من المفيد أن منتجع The Ranch Malibu على مقربة من جبال الأبنين التي يمكن التنزه فيها.
كل صباح، تأخذنا دروب مختلفة عبر غابات الزان إلى أماكن عالية تحمل أسماء مثل بورتا دِل باراديزو Porta del Paradiso (بوّابة الفردوس)، أو إلى جسور رومانية، أو إلى ضفاف نهر Fiume Aniene، أو إلى درب الحجاج القديم Cammino di San Benedetto، قبل أن يسلمنا العاملون مناشف باردة مبللة باللافندر لنمسح العرق عن وجوهنا.
تسعى هذه التجربة العابرة للثقافات بجدية لتلائم الجميع. يشبه الأمر فرض شعارات حركة العصر الجديد الملائمة أكثر لسكان جنوب كاليفورنيا على الحس الإيطالي، ومع ذلك يعمل البرنامج بشكل أفضل عندما تستوعب المساحة مبادئ الدقة الواعية والصحية للمنتجع والتفاني الإيطالي في الاستمتاع بالحياة الحلوة.
مذاق حساء المينستروني النباتي مُرضٍ ولا تشوبه شائبة، فيما مذاق طبق رافيولي الحنطة السوداء المليء بجذور الشمندر لذيذ وخفيف.
استغرق الأمر أسبوعًا كاملاً لأجرّب المسابح الثلاثة في الفندق، وغرفة الملح (عندما سألت عنها قيل لي إنها لعلاج الالتهابات)، وساونا الأشعة تحت الحمراء (لعلاج الالتهابات)، وغرفة البخار، والساونا الجافة، وأحواض الغطس المتعددة، والعلاج المائي، وحمامات ثالاسو.
لكن لم يسعفني الوقت لتجربة عشرات الخدمات الشخصية المتاحة في النادي الصحي، بخلاف حصة التدليك المقرّرة يوميًا بعد الظهر.
في أمسيتي الأخيرة بالمنتجع، وبعد تناول العشاء، خرجت من بوابات الفندق قاصدًا أسفل التل المؤدي إلى المدينة.
يتجاذب الإيطاليون أطراف الحديث في الشارع ويملؤون المقاهي الخارجية تحت أشجار السرو، بينما يلعب الأطفال حولهم. ينبثق صوت الأكورديون من مكان ما.
في مطعم من الحقبة الجميلة، مُشرع الأبواب ليلًا، أستسلم للإغراء، ثم أنغمس في تناول أفضل مثلجات تذوّقتها في حياتي قبل أن أتسلق التل يغمرني الشعور بأنني عدت مراهقًا يتسلل إلى بيته بعد موعد عودته المُقرر.
إن الإحساس بالتضارب الثقافي الناجم عن التهجين الغريب لمحيطٍ يراعي الأناقة والصحة والوعي، على غرار منتجعات جنوب كاليفورنيا في سياق الثقافة المسترخية لبلدة على التلال الإيطالية، فيما ينشغل بموازاة ذلك بمراعاة ذوق النخبة الروسية، إن هذا الإحساس ظل يداهمني.
مع ذلك، يفي منتجع ذي رانش في إيطاليا بوعوده، إذ يخسر معظم الضيوف ما بين 3% و6% من وزن أجسامهم في أثناء إقامتهم الممتدة أسبوعًا، وعن نفسي فقد خسرت نحو كيلوغرامين ونصف بنهاية فترة إقامتي.
جرب أن تقول هذا عن أي رحلة أخرى إلى إيطاليا (يبدأ السعر من 9,100 دولار للشخص الواحد لمدة أسبوع).