اختتم معرض ديزاين ميامي 2024، الذي يُعد أحد أبرز معارض التصميم السنوية في العالم، أطواره خلال أسبوع ميامي للفنون 2024 بنجاح. انطلق المعرض بداية هذا العام في لوس أنجليس، ثم عاد إلى باريس، وبعدها انتقل إلى بازل، قبل أن يحطّ الرّحال أوائل شهر ديسمبر في ميامي، مكملاً بذلك احتفالية العام بمرور عقدين على إطلاقه.

معرض ديزاين ميامي 2024

في هذه المناسبة، تبنّى معرض ديزاين ميامي 2024 موضوع "السماء الزرقاء"، وذلك تحت قيادة مدير التقييم الفني غلين أدامسون. ضمّ المعرض أعمالاً تجريبية عابرة للزمن، كما عرض تصاميم جريئة ومبتكرة تدفع بحدود الإبداع. 

وبالرغم من أن القطع تنوّعت بين التحف الفنية المشغولة يدويًا والإبداعات السريالية المستقبلية، إلا أنها شجّعت الضيوف على استكشاف الاحتمالات غير المحدودة للتصميم، ولا سيما في سياق توظيفه غير المألوف للمفاهيم الحِرفية والإبداعية والوظيفية. لذلك، تمايزت مختلف الأعمال المعروضة بسَعة الخيال عبر الجمع بين الأساليب العريقة والتفكير الطليعي.

في حديث إلى مجلة Robb Report العربية، يقول أدامسون: "إن التصميم، بوصفه تجربة تأملية وجماعية، يتغذّى على ما هو ممكن وما هو غير محدود. وأرى أن هذه الأفكار، بما فيها من تفاؤل، تتجسّد في موضوع السماء الزرقاء، لأنه يُؤسس للاستكشاف المُبدع ضمن سياقٍ عالمي يزداد ترابطًا". ويضيف أدامسون: "تجمعنا سماء واحدة، بغض النظر عمّن نكون".

اغتبط أدامسون بما قدّمته الصالات المشاركة من تفسيرات مختلفة لهذا الموضوع، وفي هذا يقول: "ينبغي للتصميم أن يُجابه المستقبل بروح ملؤها التفاؤل والخيال، ولأن هذا التخصص معنيّ بحل المشكلات وتكوين الأفكار الجديدة واستحداث الأشكال، فإن هذه الأرضية كفيلة بتوليد الحلول المناسبة".

نستعرض في ما يأتي مقاربة هذا الموضوع من منظور مبدعين توحّدوا تحت راية الابتكار والتفاؤل.

ترجمة صادقة 

كانت جائزة Best Thematic Expression (التعبير الأمثل عن الموضوع) الخاصة بهذه الدورة من معرض ديزاين ميامي من نصيب صالة ميندي سولومون Mindy Solomon Gallery التي تتخذ من ميامي مقرًا لها. 

بعد رحلة سولومون المدهشة والزاخرة بالسماوات الزرقاء إلى باتاغونيا في الأرجنتين، شجّعت المصممين المنضوين تحت لوائها على الاستلهام من التجربة، فكانت الحصيلة كراسيَ من الحبال بتوقيع استوديو هيتلر تولمان تحاكي الحيوانات، ومعلّقات بتوقيع فرانسيس ترومبلي وجاكلين سورديل. 

كراسٍ من الحبال بتوقيع استوديو هيتلر تولمان ومعلّقات من إبداع فرانسيس ترومبلي وجاكلين سورديل في صالة ميندي سولومون./ ديزاين ميامي 2024

Kris Tamburello

كراسٍ من الحبال بتوقيع استوديو هيتلر تولمان ومعلّقات من إبداع فرانسيس ترومبلي وجاكلين سورديل في صالة ميندي سولومون.

خزف من إفريقيا

في سياق الانتعاشة العالمية التي تشهدها صناعة الخزف، أضاء غاليري ساذرن غيلد Southern Guild الجنوب إفريقي على ابتكارات 12 فنانًا إفريقيًا رائدًا في الميدان، مثل أنديلي ديالفاني وزيزيفو بوسوا ومادودا فاني. 

تنوّعت المعروضات بين قطع الأثاث والمنحوتات والأواني، مسلطة الضوء على أصول هذه الصناعة والأساليب التجديدية في مقاربة الشكل والتقنية والمنفعة والرمزية.

تنوّعت المعروضات في غاليري Southern Guild بين قطع الأثاث والمنحوتات والأواني المشغولة من الخزف./ ديزاين ميامي 2024

Kris Tamburello

تنوّعت المعروضات في غاليري Southern Guild بين قطع الأثاث والمنحوتات والأواني المشغولة من الخزف.

ترياق لجمود العمارة 

في معرض ديزاين ميامي 2024، قدّم غاليري فريدمان بيندا Friedman Benda الشهير زُبدة أعمال المهندس المعماري المكسيكي المتمرد خافيير سينوسيان الذي جعل من الأشكال العضوية والألوان الزاهية ترياقًا للجمود الكامن في العمارة الحديثة. 

من بين أعماله المعروضة، تألقت مجموعته الأولى الحصرية من قطع الأثاث، وقد اشتملت على طاولة طعام خارجية وأُصص للنباتات ومرآة ومقعد، تزيّنت كلها بقطع آجر مكسيكية مشغولة يدويًا. 

كذلك احتضن غاليري فريدمان بيندا مصباحًا كهربائيًا معلّقًا بتوقيع الاستوديو الإيطالي "فورما فانتازما" Formafantasma، الذي سيستقبل الغاليري مجموعته الكاملة لأول مرة ضمن معرض فردي في الولايات المتحدة خلال فصل الربيع.

في جناح صالة فريدمان بيندا، أثاث من ابتكار خافيير سينوسيان يتزيّن بقطع آجر مكسيكية مشغولة يدويًا./ ديزاين ميامي 2024

Kris Tamburello

في جناح صالة فريدمان بيندا، أثاث من ابتكار خافيير سينوسيان يتزيّن بقطع آجر مكسيكية مشغولة يدويًا.

تحدي الجاذبية 

حمَل أحد الابتكارات اللافتة في المعرض توقيع جوزيف والش، الذي زاوج بين منحوتاته الخشبية المتموجة والآنية الخزفية البسيطة التي حملت توقيع سارة فلين. 

واستكمل الفنانان الأيرلنديان ما توقّفا إزاءه عام 2019، إذ حوّلا صالة العرض إلى ملتقى شاعري يؤلّف بين المواد والأشكال والتقنيات الحِرفية الدقيقة من خلال أعمال تتحدى الجاذبية.

حوار مبتكر بين منحوتات جوزيف والش الخشبية المتموجة والآنية الخزفية التي تحمل توقيع سارة فلين./ ديزاين ميامي 2024

Kris Tamburello

حوار مبتكر بين منحوتات جوزيف والش الخشبية المتموجة والآنية الخزفية التي تحمل توقيع سارة فلين.

أرنب ودجاجة 

من خلال معرض تلو آخر، تتعزّز منزلة كراسي ماثيو بلايزي المستخدمة في عروض بوتيغا فينيتا للأزياء في عالم التصميم. ولعروض ربيع 2025، استعان المدير الإبداعي للعلامة بشركة التصميم الإيطالية "زانوتا" لابتكار كراسٍ تتخذ هيئة حيوانات (قبل عامين، كان بلايزي قد تعاون مع الفنان الراحل غايتانو بيسكي على تصميم كراسٍ مصنوعة من الراتنج بألوان صارخة وهيئة صندوقيّة). 

أَشار بلايزي إلى أن المجموعة الجديدة التي تحمل اسم "الفُلك" The Ark بمنزلة "عالم مبهج يبعث على الدهشة"، وهذا ما يتسق مع فكرة التفاؤل التي ذكرها أدامسون. 

تستلهم الكراسي محدودة الإصدار كرسي "ساكو" Sacco الشهير الذي طرحته زانوتا في عام 1968. حتى قبل افتتاح المعرض، نفدت بعض الكراسي المجسّمة على هيئة حيوانات (تستحضر المجموعة 500 حيوان بألوان مختلفة). 

جدير بالذكر أيضًا أن العلامة خصّت معرض ديزاين ميامي بكرسيين، أحدهما يتخذ هيئة أرنب رمادي فاتح والآخر يتخذ هيئة دجاجة بيضاء، وكلاهما متاح للبيع.

كراسٍ تتخذ هيئة حيوانات في مجموعة The Ark من زانوتا لعروض أزياء بوتيغا فانيتا./ ديزاين ميامي 2024

Bottega Veneta

كراسٍ تتخذ هيئة حيوانات في مجموعة The Ark من زانوتا لعروض أزياء بوتيغا فانيتا.

إضاءة ميدانية 

بعدما عمل كريستوفر بايكر مصورًا للمجلات والعلامات التجارية لمدة طويلة، أصبح الآن يصنع منحوتات ضوئية داخل مخزن يعود إلى القرن التاسع عشر في منزله في بروكلين بولاية ماين. 

خلال معرض ديزاين ميامي 2024، عرضت صالة دوبرينكا سالزمان Dobrinka Salzman التي تتخذ من نيويورك مقرًا لها، مجموعة "الإضاءة الميدانية" The Field Lighting التي ابتكرها بايكر. 

وقد تمايزت القطع متقنة الصنع بجمعها بين ألياف الأناناس والحرير المستجلبة من الفلبين، والأقمشة اليابانية العتيقة، والإطارات المصنوعة يدويًا من الفولاذ المقاوم للصدأ والنحاس، بالإضافة إلى خيوط الكيمونو الحريرية التي استُخدمت لتثبيت هذه المواد. 

وظّف بايكر أيضًا العديد من المجسّمات النحاسية الغريبة لتزيين القطع، مثل الأوراق والمراوِح والحشرات. إن هذه المصابيح مرهفة وأنيقة، لذلك حازت جائزة "الأعمال الفنية الأشد تمايزًا/أفضل عمل معاصر" في معرض ديزاين ميامي 2024.

تراكيب إنارة أبدعها كريستوفر من ألياف الأناناس والحرير، والأقمشة اليابانية العتيقة، والإطارات الفولاذية./ ديزاين ميامي 2024

Christopher Baker

تراكيب إنارة أبدعها كريستوفر من ألياف الأناناس والحرير، والأقمشة اليابانية العتيقة، والإطارات الفولاذية.

حوار ثقافي 

في سياق المشاركة الأولى للعلامة الإيطالية الفاخرة فيزيونير Visionnaire في معرض ديزاين ميامي 2024، عرضت تركيبًا متمايزًا باسم Narrazioni Intrecciate بتوقيع استوديو دراغا أند أوريل، الذي سلك مسلكًا غير مسبوق في ميدان التصميم الفني. 

تشتهر العلامة بتحويل المساحات إلى تجارب غامرة، إذ تستحدث قطعًا متفردة تحتفي بالتناغم العاطفي والوظيفي بين الأشياء والأشخاص والبيئة المحيطة. 

ولا تكتفي القطع المعروضة بتجسيد الروح الإيطالية فحسب، بل تنخرط أيضًا في حوار ثقافي يُلاقي بين الرؤى العالمية. لا تُركز فيزيونير على الأغراض المنفصلة عن سياقها، بل على البيئات المتكاملة التي تتقاطع فيها المساحة مع التفاعل البشري والحرف اليدوية. 

وقد أكد ظهورها الأول تفانيها في ميدان الابتكار المعاصر، إذ إن كل قطعة من قطعها تنسج حكاية عِمادها التراث والإبداع.

قطع أثاث تحتفي بالتناغم العاطفي والوظيفي بين الأشياء والأشخاص والبيئة المحيطة في جناح علامة Visionnaire./ ديزاين ميامي 2024

Visionnaire

قطع أثاث تحتفي بالتناغم العاطفي والوظيفي بين الأشياء والأشخاص والبيئة المحيطة في جناح علامة Visionnaire.

في مهب الريح 

مقعد غير تقليدي بتوقيع يِنكا شونيباري، يستحضر سطحه المنسوجات الإفريقية المشتملة على زخارف تتناول مفاهيم الهوية./ ديزاين ميامي 2024

Kris Tamburello

مقعد غير تقليدي بتوقيع يِنكا شونيباري، يستحضر سطحه المنسوجات الإفريقية المشتملة على زخارف تتناول مفاهيم الهوية.

لطالما حضر موضوع "السماء الزرقاء" في الأعمال المعروضة في صالة "كاربنترز ووركشوب" Carpenters Workshop Gallery، غير أن وثَبات الخيال بلغت ذُرى جديدة في الدورة الأخيرة من معرض ديزاين ميامي، بحكم إدراج منحوتة وظيفية آسرة جديدة بتوقيع يِنكا شونيباري. 
عاد المصمم البريطاني النيجيري المعروف إلى سلسلته الأثيرة "منحوتة الريح" Windy Sculpture، ثم صاغ على أساسها مقعدًا رائعًا يُشبه قطعة قماش تُرفرف في مهب الريح، ويستحضر سطحه المشغول من الفولاذ والألمنيوم المنسوجات الإفريقية المشتملة على زخارف تتناول مفاهيم الهوية.