عندما أعلن أحد أفراد العائلات الملكية في الشرق الأوسط قبل مدّة أنه يعتزم استثمار أكثر من 100 مليون دولار في الأحجار الكريمة، انتشر الخبر بسرعة بين التجار النافِذين الذين سافر بعضهم إلى المنطقة حاملين معهم حقائب خاضعة لتأمينٍ شامل.

على أن الأمر اللافت في هذا المطلب ليس حجم الأموال التي ستنطوي عليها الصفقة أو أن المبلغ كله سيُستثمر في الألماس والياقوت وغيرهما من الأحجار النفيسة، بل في واقع أن هذا النوع من الممارسات التي تدخل فيها مبالغ مالية ضخمة ليس أمرًا غير مألوف. في الواقع، ثمة إقبال متنام على هذا التوجه.

يقول كبار الوسطاء إن العديد من الزبائن باتوا، منذ بداية هذا العام، الذي شهد أحداثًا عالمية فوضوية، يتطلعون إلى الاستثمار في الأصول الثابتة، مثل الجواهر والأحجار الكريمة الحُرّة. 

خاتم من تصميم بايكو مرصع بياقوتة طبيعية زنة 60.09 قيراط لم تخضع للمعالجة الحرارية.

BAYCO © Brian Moghadam
خاتم من تصميم بايكو مرصع بياقوتة طبيعية زنة 60.09 قيراط لم تخضع للمعالجة الحرارية.

ميول استثمارية متغيّرة 

لطالما كانت الجواهر شبكة أمان مضمونة. فعندما كانت العملات تفقد قيمتها وأسواق الأسهم تنهار، كان الألماس الممتاز يظل عملة تداول عالمية، شأنه في ذلك شأن الأحجار النفيسة. لا يزال هذا الأمر صحيحًا اليوم، وفي هذا يقول لي سيغلسون، المالك الحالي لشركة سيغلسون المتخصصة في بيع الجواهر عتيقة الطراز والأحجار النادرة، والتي يقع مقرها في نيويورك ويعود تأسيسها إلى قرن من الزمان: "بسبب التضخم وانهيار البنوك والعملات المشفرة، أُرجّح أن يزيد اهتمام الزبائن بتخزين ثرواتهم في هيئة جواهر". 

تاريخيًا، أشار الخبراء على الأفراد الذين يعتزمون استثمار أموالهم الفائضة باقتناء الألماس المُلوّن والياقوت الأحمر والأزرق والزمرد الذي لم تمتد إليه تقنية المعالجة الحرارية. ويُعادل هذا الأمر الاستثمار في أسهم الشركات الكبرى. لا خوف على من اتّبع هذه النصيحة، إذ إن قيمة هذه الأحجار لم تتغير. ولكن الزيادة المُطّردة في عدد المليارديرات وسعي الأشخاص الذين أَدركتهم هواية الجمع حديثًا إلى إضافة الجواهر إلى محافظهم الاستثمارية يُسهمان في جعل الأحجار الكريمة القيّمة أكثر ندرة.

يُؤدي هذا التوجّه إلى إحداث تغير في السوق كما يؤدي إلى بروز فرص جديدة، الأمر الذي يدفع هواة الجمع الجدد إلى التعاطي مع الجواهر على نحو مختلف تمامًا عن نهج آبائهم. ما زالت أنظارهم مُعلقة على القطع النادرة بطبيعة الحال، ولكنهم يَسعون وراء الجواهر المبهجة القابلة للارتداء، وليس وراء قطع يَنفُونها إلى الخزائن.

من الأمثلة البارزة على تغير ميول الزبائن بيعُ ياقوتة إستريلا دي فيورا بمبلغ قياسي قدره 34.8 مليون دولار في المزاد الذي نظمته دار سوذبيز في شهر يونيو المنصرم. تُعد هذه الياقوتة الرائعة المتألقة بالحُمرة، والتي تزن 55 قيراطًا، أكبر ياقوتة من هذه الفئة تُعرض في المزادات. ومع ذلك، أثارَ أصلها الذي يعود إلى منجمٍ في موزمبيق دهشة العديد من خبراء الأحجار الكريمة.

في الماضي، كان الاستثمار الجاد في الياقوت الأحمر حكرًا على الأحجار المستخرجة من وادي موغوك في ميانمار (بورما سابقًا). ولكن الأوضاع تغيرت اليوم. فمن يُرد أن يمتلك ياقوتة بورميّة وازِنة وغير مُعالَجة مِن تلك الفئة المعروفة باسم "دم الحمام" (اسم يشير إلى اللون الأحمر القاني) أو زوجًا من الأقراط الألماسية بلونٍ من الدرجة D وزنةٍ تبلغ 10 قراريط، مستخرجة من مناجم غولكوندا الهندية المعروفة تاريخيًا بإنتاج أنقى أحجار الألماس في العالم، فليَتوقعْ أن يقضي شهورًا أو سنوات في اقتفاء آثارها.

ولِيَتوقع أيضًا أن تكون أسعارها متناسبة مع ندرتها. قبل المبلغ الذي حققته ياقوتة إستريلا دي فيورا، كان الرقم القياسي في حوزة ياقوتةٍ بورمية بيعت في عام 2015 مقابل 30.3 مليون دولار، أي بسعر يقل بنحو 4.5 مليون دولار فقط عن سعر ياقوتة إستريلا، بالرغم من أن زنتها الإجمالية أقل بمقدار النصف أو أكثر. 

أقراط باغات Bhagat المشغولة من البلاتين والذهب والمتألقة بالزمرد واللؤلؤ الطبيعي والألماس الأبيض.

Bhagat
أقراط باغات Bhagat المشغولة من البلاتين والذهب والمتألقة بالزمرد واللؤلؤ الطبيعي والألماس الأبيض.

البحث عن الكنز 

ثُلةٌ من التجار فقط، بمن فيهم سيغلسون، قادرون على الوصول إلى الأحجار الكريمة غير المعالجة والجواهر الأصيلة المرغوبة. يُشبه البحث عن إحدى هذه الجواهر التفتيشَ عن لوحات بيكاسو أو جياكوميتي: بعضها لا يصل المزادات العلنية أبدًا، بل يتداولها هواة الجمع بعيدًا عن الأنظار. لذلك، عندما يتناهى إلى هؤلاء التجار خبر جوهرة مثيرة للاهتمام، تَراهم يَركبون الطائرة فورًا إلى حيث عُرضت، لأنها قد لا تظهر ثانية على ما يقول سيغلسون.

من الأسماء الأخرى المألوفة بين العاملين في القطاع نَجد مارتن ترافيس، مالك شركة Symbolic & Chase التي تتخذ من لندن مقرًا لها، الذي يُقدم المشورة للمستثمرين وجامعي الأعمال الفنية والمتاحف. تتضمن قائمة زبائنه عائلاتٍ أنفقت ما يُراوح بين 10 ملايين و50 مليون دولار على جواهر مختلفة خلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية، ولا تنفك تثري خزائنها بالمزيد.

وبالرغم من أن ترافيس يتجنب ذكر التفاصيل المتعلقة بمجموعات زبائنه، إلا أنهم على الأرجح من النخبة التي حازت فرائد تحمل توقيع المصمم ثيودوروس الذي يصعب الوصول إليه، ذلك أن ترافيس أحد وكلائه المعدودين على الأصابع.

خاتم من فورمز مشغول من الألمنيوم والذهب الأبيض زنة 18 قيراطًا، ومرصع بياقوتة وردية طبيعية غير معالجة زنة 4.03 قيراط وألماسة بيضاء زنة 2.18 قيراط.

Forms
خاتم من فورمز مشغول من الألمنيوم والذهب الأبيض زنة 18 قيراطًا، ومرصع بياقوتة وردية طبيعية غير معالجة زنة 4.03 قيراط وألماسة بيضاء زنة 2.18 قيراط.

إن امتلاك قطعة متفردة بتوقيع ثيودوروس، الذي يبتكر مجموعة محدودة للغاية كل عام، أو بتوقيع غيره من المصممين المعاصرين، يَفتح لجامع الأعمال الفنية أبواب نادٍ حصري جدًا. على أن الاسم الذي لا يُعلى عليه في هذا الميدان يظل جويل آرثر روزنتال، المعروف أيضًا باسم "جار" JAR. إن روزنتال مصمم أمريكي يعيش في باريس، وقد أصبحت ابتكاراته الغريبة وبالغة التعقيد مُبتغى الجامعين في العقود الأخيرة.

يحذو هواة الجمع الجادون حذو إليزابيث تايلور وليلي صفرا، عاشقتي الجواهر اللتين امتلكتا مجموعاتٍ شاملة تحتوي على قطع تستوفي شروط الفخامة كلها. على سبيل المثال، جمع الشيخ القطري حمد بن عبد الله آل ثاني أكبر مجموعة من الكنوز الإمبراطورية المغولية بسرعة البرق، بداية من عام 2009 وهو لمّا يزل في العشرينيات من عمره. جرى عرض هذه القطع والجواهر التاريخية، التي يبلغ عددها 6,000 قطعة، في متحف متروبوليتان للفنون ومتحف فيكتوريا وألبرت في لندن على مدار العقد الماضي.

سواء أكان غرضك الربح أم إنشاء مجموعة منتقاة أم امتلاك قطعة جذابة يُمكن ارتداؤها بأريحية، تَذكر أن تتعامل مع هذا القطاع بالمنطق الواضح نفسه الذي تتعامل به مع أسهمك وحافظة أصولك العقارية، ولا تنس أن تأخذ في الحسبان هذه الأصناف من الأحجار والجواهر. 

 سوار من فورمز مرصع بالزمرد الكولومبي والألماس ومشغول من الذهب الأبيض زنة 18 قيراطًا.

Forms
سوار من فورمز مرصع بالزمرد الكولومبي والألماس ومشغول من الذهب الأبيض زنة 18 قيراطًا.

أحجار نفيسة ملوّنة لم تخضع للمعالجة 

إذا كان أصل الأحجار الملوّنة بورما أو كولومبيا أو كشمير، فإن قيمتها محفوظةٌ، ولكن الأصل وحده لا يكفي، إذ ينبغي التحقق من أن هذه الأحجار طبيعية، بمعنى أنها لم تخضع للمعالجة لتحسين اللون أو الجودة. قد يصل الفرق في السعر بين الأحجار المعالجة وغير المعالجة إلى ملايين الدولارات.

وفي هذا يقول ترافيس: "ليس من السهل العثور على الزمرد الكولومبي أو الياقوت الكشميري غير المعالج في المتاجر". ويُضيف: "يتمايز الياقوت غير المعالج المستخرج من الأرض بلون نادر ومرغوب، ومن المتوقع أن يصبح هذا الصنف أكثر ندرة وأعلى قيمة".

 سوار من بايكو مشغول من البلاتين ومرصع بزمردة تزن 71.88 قيراط وبألماس أبيض.

BAYCO
سوار من بايكو مشغول من البلاتين ومرصع بزمردة تزن 71.88 قيراط وبألماس أبيض.

قد يكفي دليلاً على التفاوت الكبير في القيمة بين الأحجار الطبيعية والأحجار المعالجة أن متجر ستيفن راسل للجواهر في نيويورك يعرض خاتمًا مرصعًا بزمرد كولومبي غير معالج بزنة 4.95 قيراط وبألماسة بالحجم نفسه وبلون من الدرجة D مقابل ما يزيد على مليون دولار. في هذا يقول راسل زيلينيتز، أحد الشركاء في شركة ستيفن راسل، إن قيمة الزمرد المعالج بقصد إخفاء العيوب تكون في العادة أقل بنسبة 40% تقريبًا من قيمة الزمرد غير المعالج.

مع ذلك، لا تتوقع أن ترتفع الأسعار في أي وقت قريب، على ما يقول موريس هادجيباي، أحد ملاك الشركة العائلية بايكو Bayco التي يقع مقرها في نيويورك والتي تعمل في هذا القطاع منذ 42 عامًا. عندما استفسر أحد زبائن هادجيباي عن الاستثمار في الأحجار الكريمة، اقترح عليه خاتمًا مرصعًا بياقوتة حمراء متفردة غير معالجة وأقراطًا مطابقة (بيعت كلها مقابل 3 ملايين دولار).

وفي هذا يقول: "لا مثيل لهذه القطع". بالرغم من أن الياقوتة المَعنيّة مستخرجة من بورما، إلا أن هادجيباي يُشير إلى أن ياقوتة إستريلا دي فيورا لم تكن حالة شاذة، إذ بات الياقوت الممتاز المستخرج من موزمبيق يحظى بجاذبية متزايدة بين هواة الجمع. ويرى هادجيباي أن الحجر الآخر الذي ينبغي الانتباه إليه هو تورمالين بارايبا، المعروف بلونه الأزرق الفاتح. على أن مقام هذا الحجر لم يبلغ بعد مقام الياقوت الأحمر والياقوت الأزرق والزمرد.

خاتم غلين سبيرو المشغول من الذهب الأصفر زنة 18 قيراطًا والمرصع بياقوتة بورمية وسادية القطع زنة 3.33 قيراط، تحيط بها أربع ياقوتات أخرى.

Glenn Spiro
خاتم غلين سبيرو المشغول من الذهب الأصفر زنة 18 قيراطًا والمرصع بياقوتة بورمية وسادية القطع زنة 3.33 قيراط، تحيط بها أربع ياقوتات أخرى.

الألماس 

يستمر الألماس الملوّن، من النوع الذي يستحق الاستثمار فيه، في تسجيل أسعار قياسية، وخصوصًا الألماس الوردي الذي زاد عليه الطلب بسبب نضوب منجم أرجيل الواقع في غرب أستراليا. كان هذا المنجم المصدر الرئيس لهذا النوع من الألماس، لذلك أحدث إغلاقه في عام 2020 ضجة كبيرة.

عززت علامة تيفاني أند كو مكانتها بوصفها إحدى أكثر العلامات المستهلكة للألماس النادر في العالم منذ أن استحوذت عليها مجموعة إل في إم إتش في عام 2021. لقد أصبحت الدار تتمتع بالقدرة الشرائية اللازمة لالتقاط بعض أرقى الأحجار التي تصل السوق مباشرة من المناجم، مثل الألماسة الخام الصفراء زنة 71 قيراطًا التي اشترتها هذا العام من منجم إيكاتي في كندا، حيث استُخرجت. حتى قبل مُباشرةِ العمل على هذا الحجر، عرضته فيكتوريا رينولدز، كبيرة خبراء الأحجار الكريمة في دار تيفاني أند كو، على نخبةٍ من الزبائن الذين يمتلكون ذائقةً وموارد تُتيح لهم اقتناءه.

في نهاية المطاف، جرى قطْع هذه الألماسة وتشكيلها على هيئة حجرين بقطْع الزمرد، أحدهما تزيد زنته على 20 قيراطًا والآخر تفوق زنته 15 قيراطًا. سيتعاون المالك مع المصممين في الدار لتثبيت الحجرين على قِطع جواهر مخصصة. فضلاً عن ذلك، اقتنت تيفاني أند كو هذا العام 35 ألماسة وردية تُعد من آخر الأحجار المستخرجة من منجم أرجيل، ثم عادت وباعت المجموعة كلها لزبون واحد. وتعمل الدار مع المالك وعائلته عن كثب لابتكار مجموعة متكاملة من التصاميم المرصعة بهذه الألماسات.

أما في ما يتعلق بالألماس الأبيض، فإن أفضل استثمار هو ألماس غولكوندا من فئة Type IIa، المعروف بأنه أنقى أنواع الألماس وأكثرها صفاءً وجمالاً. كانت الهند المنبع الوحيد للألماس في العالم طيلة ألفي عام، خصوصًا مناجم غولكوندا التي كانت مصدرًا لأفضل الحجارة، إلى أن نضبت وأُغلقت في القرن الثامن عشر. أما اليوم، فتقع أهم مناجم التنقيب عن الألماس في بوتسوانا، وجنوب إفريقيا، وناميبيا، وكندا، وروسيا. كانت الأحجار المستخرجة من غولكوندا خالية من النيتروجين، العنصر الذي يُعطي الألماس مسحة صفراء، ولهذا صُنفت على أنها من فئة Type IIa.

لكن ينبغي للباحثين عن ألماس غولكوندا من هذه الفئة اتخاذ الحيطة، إذ يُشير ترافيس إلى أن المعلومات الخاطئة حول هذا الصنف كثيرة. في بعض الحالات، جرى اكتشاف ألماسٍ من فئة Type IIa في مكان آخر ووسْمه خطأً باسم غولكوندا، فيما الأحجار الوحيدة التي يَصحّ نعتها بهذا الوسم هي تلك المستخرجة من المناجم الهندية. تُتيح الاختبارات العلمية تمييز الألماس من فئة Type IIa بسهولة، بيد أن الألماس الوحيد الذي يُمكن نعته باسم غولكوندا هو ذلك الألماس قديم القطْع المستخرج منذ مئات السنين.

مِن تيفاني أند كو، ألماسة خام صفراء تزيد زنتها على 71 قيراطًا.

Tiffany & Co
مِن تيفاني أند كو، ألماسة خام صفراء تزيد زنتها على 71 قيراطًا.

ينصح الخبراء الراغبينَ في الاستفادة القصوى من أموالهم بالاستثمار في الألماس من الدرجة D عوضًا عن الاستثمار في الألماس الأكبر حجمًا والأقل جودة. هذا الصنف من الألماس نادرٌ، ولم تتبدل قيمته كثيرًا، بل واصلت الارتفاع بمرور السنوات. في الواقع، إن قيمة ألماسةِ VVS1 من الدرجة F أقل بنسبة تُراوح بين 30% و40% من قيمة ألماسة من الدرجة D بالحجم نفسه، والعين غير المدربة قد تخلط بين الألماسة الأولى والثانية وتحكم بتماثلهما. 

مع ذلك، يُنبّه ترافيس هواة الجمع إلى أن الطلب على الحجارة الألماسية كبيرة الحجم - التي تزن أكثر من 100 قيراط - قد تراجع، لأن تقنية الأشعة السينية الجديدة في المناجم تُسهم في تحديد الألماس الخام الممتاز قبل مروره في آلة التكسير. بعد أن كان هذا الألماس الضخم وعالي الجودة غير مألوف، بات يظهر كثيرًا في السوق، لذلك تذبذبت أسعاره.

على ما هو عليه الحال دومًا، يُحدد أصحابُ الرؤى المنفصلون عن التيار السائد توجهات السوق. على سبيل المثال، يبحث اليوم بعض هواة الجمع من ذوي الميول الجمالية عن الألماس العتيق، وتحديدًا الأحجار التي لا يجري تثمين مكانتها وقيمتها بالقدر الذي تستحقه. لهذا الصنف من الألماس أسطحٌ أكبر وبريقٌ أنْعم من الألماس اللامع دائري القطع المنتشر كثيرًا هذه الأيام.

وفي هذا يقول كويغ برونينغ، رئيس قسم الجواهر في دار سوذبيز بالأمريكتين وأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، إنه ظل يبحث كثيرًا عن خاتم ألماسٍ قديم بالقطع الوسادي زنة 10 قراريط، وذلك بناءً على طلب زبونٍ أراد إهداءه لزوجته في عيد ميلادها الستين. عثر برونينغ في النهاية على هذا الخاتم عند تاجر دولي مقابل مليون دولار تقريبًا. وهو يقول: "من الصعب العثور على هذا النوع من الألماس الذي جرى قطْعه على ضوء الشموع قبل قرن من الزمان. إن له جاذبية مميزة. فلا أحد يستخدم هذا الأسلوب في القطع اليوم".

لا شك في أن عثور برونينغ على هذا الخاتم مردّه العلاقات الجيدة التي أنشأها. لذلك، من الحكمة أن ينفتح هواة الجمع على خيارات عديدة بدلاً من التركيز على حجر معين، لأن العثور عليه قد يكون مهمة مستحيلة. في بعض الأحيان، تتجلى بعض الفرص النادرة فجأة، على ما حدث مع ترافيس حين ظلّ يبحث من دون جدوى عن زوج من الأقراط الألماسية بناءً على طلب أحد الزبائن.

خلال بحثه، عثر على ألماسة قديمة ِالقطع تتخذ هيئة كمثرى وتزن 35 قيراطًا في قلادة تعود إلى عام 1910. اشترى الزبون القلادة مقابل مليوني دولار تقريبًا. وفي هذا يقول ترافيس: "لقد كانت قطعة جميلة يصعب تفويتها".

من اليسار: ألماسة أرجيل حمراء اللون، وألماسة وردية تميل إلى الأرجواني، وألماسة وردية غامقة.

من اليسار: ألماسة أرجيل حمراء اللون، وألماسة وردية تميل إلى الأرجواني، وألماسة وردية غامقة.

قطع أصيلة بتوقيع الدور الشهيرة

تظل القطع التي تحمل توقيع دور الجواهر الرائدة، مثل كارتييه وفان كليف أند آربلز وبوشرون، مطلوبة، خصوصًا تلك التي تعود إلى حقبة الآرت ديكو. وفي هذا يقول سيغلسون: "لا تتساوى أساور كارتييه المصممة في حقبة الآرت ديكو كلها، فبعضها عظيم وبعضها متواضع". والفروق التي تفصل سوارًا عن الآخر تتمثل بالدرجة الأولى في اختلاف الأبعاد وطريقة نظم الأحجار وحسن هيئتها على المعصم. يُشير سيغلسون أيضًا إلى أن ثمة فرقًا شاسعًا بين هذه التصاميم في السعر وفي القيمة الدائمة. 

قد يرغب هواة الجمع الجريئون في تفقد لائحة القطع التي يمتلكها سيغلسون، لا سيّما خاتم كارتييه المرصع بالمرجان المنحوت والألماس، الصادر حوالي عام 1945، والذي يتمايز بحجمه الكبير وتفاصيله الحرفية البارعة. وكذلك الحال مع الخاتم المرصع بالأكوامارين الذي صممته سوزان بيلبيرون في خمسينيات القرن العشرين، إذ إنه قطعة مرغوبة ليس لأن أحجاره قيّمة، ولكن بسبب طابعه المنحوت والحديث. إنه خاتم عصري الطابع ويُمكن التزيّن به كل يوم.

جدير بالذكر أن امتلاك إثبات بأصل القطعة قد يُحدث مفاجأة في سوق هواة الجمع. في شهر يونيو الماضي، باعت دار سوذبيز أربعة مشابك ذهبية على هيئة راقصة باليه، تحمل توقيع فان كليف أند آربلز وتعود إلى أربعينيات القرن العشرين، مقابل 203 آلاف دولار، مع أن تقديراتها الأولية كانت تُراوح بين 40 ألف دولار و60 ألف دولار. كان المُرسِل قد اشترى هذه القطع من دار سوذبيز في الثمانينيات مقابل 2,500 دولار تقريبًا.

مع ذلك، لا تتحدد قيمة القِطع بأصلها فحسب، سواء أكان منجمًا أم مصممًا. فانتماؤها إلى مجموعاتٍ مشهود لها بالفخامة يرفع قيمتها، والمثال على ذلك ألماسة سيغلسون النادرة للغاية Drexel Heart. تنتمي ألماسة غولكوندا هذه إلى فئة IF وتتمايز بلونٍ من الدرجة D وزنةٍ تبلغ 31 قيراطًا، وهي تتخذ هيئة قلب يُرصع خاتمًا بتوقيع هاري وينستون. تبلغ قيمة الألماسة 7.5 مليون دولار، وقد كانت في حوزة عائلة المصرفيين البارزة دريكسل التي تنحدر من فيلادلفيا، وهي مرفقة بوثائق تثبت أصلها وتُعلي قيمتها.

خاتم Drexel Heart المعروض في متاجر سيغلسون، وهو يحمل توقيع دار هاري وينستون ويتألق بضياء ألماسة غولكوندا تبلغ زنتها 31 قيراطًا.

Harry Winston © Steven DeVilbiss
خاتم Drexel Heart المعروض في متاجر سيغلسون، وهو يحمل توقيع دار هاري وينستون ويتألق بضياء ألماسة غولكوندا تبلغ زنتها 31 قيراطًا.

لآلئ طبيعية

قليلاً ما يجد المرء مجموعة جواهر شهيرة لا تحتوي على لآلئ طبيعية، تلك النفائس النادرة للغاية التي تتشكل في الطبيعة (على عكس اللؤلؤ المستزرع في الأحواض الذي يُستخدم في ترصيع الغالبية الساحقة من جواهر اللؤلؤ بسبب تكلفته المنخفضة).

لقد نضب مخزون بحر البصرة من اللؤلؤ الطبيعي قبل قرن من الزمن، لذلك فإن معظم اللآلئ المتاحة اليوم بهذا القِدم. وما يزيد من ندرة هذه الأحجار، التي يستغرق نموها داخل المحار سنوات طويلة، أن الطلب عليها في السوق الآسيوية شديد للغاية.

قبل فترة..

كلّف أحد الزبائن راهول كاداكيا، رئيس القسم العالمي للجواهر في دار كريستيز، بالحصول على قطعتين تاريخيتين مُرصعتين باللؤلؤ الطبيعي كان قد قرأ عنهما. كان كاداكيا يعرف العائلة المالكة للقطعتين، لذلك كان أحد التجار القلائل القادرين على تحصيلهما. وفي هذا يقول كاداكيا: "لقد تاقتْ نفسه إلى هذه اللآلئ دون غيرها"، كما يُشير إلى أنه تَوسّط صفقة البيع التي قدّرت بقيمة 8 ملايين دولار. ويُتابع: "لقد أخبرت الزبون أن السعر مرتفع، لكن رغبة امتلاكها استحكمت فيه".

إذا لم يكن تحصيل هذه اللآلئ النادرة مثيرًا وباهظًا بما فيه الكفاية، فإن على هواة الجمع توجيه أنظارهم إلى لآلئ ميلو ميلو عسيرة المنال. تحتاج هذه اللآلئ إلى عقودٍ حتى تتشكل في الطبيعة داخل حلزون ميلو ميلو البحري الضخم الذي يعيش (أحيانًا) في جنوب الصين وبحر أندامان، على أن أجودها مصدره فيتنام.

يطمح العديد من هواة الجمع إلى امتلاك هذا الصنف من اللآلئ، وخصوصًا تلك التي يُقارب حجمُها حجمَ كرات العلكة وتتمايز بلونٍ برتقالي ساطع وسطحٍ مصقول يُظهر أنماطًا شبيهة بألسنة اللهب. وفي هذا تقول بيغي غروز، المديرة الإبداعية والنائبة الأولى لرئيسة شركة أصايل Assael المتخصصة في جواهر اللؤلؤ والمرجان: "إن لآلئ ميلو ميلو أحجارٌ جميلة ومتفردة، مصدرها الطبيعة ويستحيل استزراعها". وتُتابع غروز: "إن أكبرها حجمًا نادرٌ للغاية وقيمتها تنبع من ندرتها هذه، فضلاً عن لونها البرتقالي الحصري وبريقها الشبيه ببريق الخزف".

يكاد العثور على لآلئ ميلو ميلو يكون مستحيلاً، ولذلك هي مدرجة في قوائم أمنيات الكثير من هواة الجمع. تقول غروز: "من بين آلاف محارات ميلو ميلو البحرية، محارة واحدة فقط تُنتج لؤلؤة بحجم مقبول. ولأنها نادرة وجميلة، خصوصًا الكبيرة منها، فإن هذا يُؤدي إلى بلوغ أسعارها أرقامًا قياسية".

بمقدور هواة الجمع شراء لؤلؤة ميلو ميلو صغيرة مقابل 20 ألف دولار، ولكن سعر اللآلئ المخططة الأكبر حجمًا يبلغ قرابة مليون دولار. لتحصل على إحدى هذه اللآلئ، أَعلمْ التجار ودور المزادات التي تتعامل معها، ولكن استعدّ للانتظار طويلاً.

قلادة من أصايل Assael مشغولة من البلاتين ومرصعة بلؤلؤة ميلو ميلو تزن 117 قيراطًا وبألماس أبيض.

Assael
قلادة من أصايل Assael مشغولة من البلاتين ومرصعة بلؤلؤة ميلو ميلو تزن 117 قيراطًا وبألماس أبيض.

أسلوب مميز

إن امتلاك مجموعة من الأحجار الكريمة من شأنه أن يكون قاعدة لإنشاء مجموعة فاخرة، لكن تمايز مجموعة عن أخرى يرجع بالأساس إلى قطع متفردة تعكس الذائقة الجمالية التي يتحلى بها هواة الجمع. من الصواب اقتناء قطع بتوقيع كارتييه أو بوشرون، لكن صانعي الجواهر المستقلين المغمورين، خصوصًا الذين يجمعون بين التصاميم المبتكرة والتقاليد الحرفية الرفيعة والإنتاج المحدود للغاية، قد يُسهمون في الارتقاء بمجموعة ما من مَقام الفخامة إلى مقام الفخامة العظمى. 

عقد من أنا خوري مشغول من الذهب زنة 18 قيراطًا ومرصع بألماسة طبيعية وردية غامقة زنة 5.32 قيراط وبألماس أبيض.

Ana Khouri
عقد من أنا خوري مشغول من الذهب زنة 18 قيراطًا ومرصع بألماسة طبيعية وردية غامقة زنة 5.32 قيراط وبألماس أبيض.

نجد في أوساط الصنّاع الذين يُتابعهم عدد من هواة الجمع فيرين باغات وهيمرلي Hemmerle وتافين Taffin، لكنك سمعت عنهم قبلاً. ثمة أيضًا جويل روزنتال البالغ من العمر 80 عامًا، لكن الشائعات تقول إنه قد توقف عن إصدار قطع جديدة. فمن هم إذًا الصناع الذين ينبغي متابعتهم اليوم؟

إحدى المرشحات لبلوغ مستوى النخبة هي أنا خوري، المصممة التي تبتكر قرابة 35 قطعة سنويًا وتشتهر بالجمع بين الأحجار الثمينة والمواد المتواضعة، مثل القطع الانسيابية المصنوعة من الخشب والمرْو التي رصّعتها بالألماس الملوّن المبهر. وفي هذا تقول خوري: "قد تُخبرني زبونةٌ بأنها تريد ألماسة وردية، ولكنها ترغب في ارتدائها كل يوم". قد تُراوح قيمة هذه الألماسة بين 5 ملايين و15 مليون دولار، ولكن الزبونة تُفضل ارتداءها على إبقائها في الخزانة.

كما يَذيع صيت علامة فورمز Forms، وهي صالة عرض خاصة في هونغ كونغ تُصدِر سنويًا نحو مائة قطعة مشغولة من مواد غير مألوفة ومرصعة بأحجار كريمة استثنائية. تقول فلورا وونغ، مديرة فورمز: "يمتلك هواة الجمع الذين يقصدوننا الألماس والأحجار الكريمة الملونة، لذلك فإنهم يزورون الصالة بحثًا عن قطع مختلفة".

ومن هذه القطع أقراطٌ دائرية كبيرة تتخذ هيئة حلقات مرصعة بالألماس والعقيق المستقدم من بلاد ما بين النهرين، وخاتمٌ مشغول من أحافير الديناصورات ومرصع بياقوتة زرقاء نادرة. يستطيع الزبائن مشاهدة كبار الحرفيين في أثناء عملهم على القطع المختلفة في المحترف القائم داخل الصالة.

أقراط من هيمرلي مشغولة من الألمنيوم والفضة والذهب الأبيض ومرصعة بالتنزانيت والياقوت الأزرق.

Hemmerle
أقراط من هيمرلي مشغولة من الألمنيوم والفضة والذهب الأبيض ومرصعة بالتنزانيت والياقوت الأزرق.

فضلاً عن ذلك، تُسلط دار سوذبيز الضوء على مصممين معاصرين يقول خبراء الدار إن ابتكاراتهم ستنال مكانة مرموقة، مثل كورا شيباني التي تُصمم خواتم طريفة مشغولة من الألمنيوم ومرصعة بالجواهر وتتخذ هيئة أصص أو قوالب حلوى، وعلامة سابا Sabba المعروفة بابتكار أقراط كبيرة جريئة وملونة. تُعرض إبداعات هؤلاء المصممين المغمورين بجانب الأعمال الفنية وغيرها من القطع الجديرة بالاقتناء، لكي يتسنى للزبائن غير المتمرسين بجمع الجواهر مطالعتها. 

مع ذلك، ليست القطع البراقة مبتغى هواة الجمع كلهم، إذ يبحث بعضهم عن قطع جديرة بالمتاحف ومتمايزة بتاريخها. لقد شرع ترافيس أخيرًا في اقتناء الجواهر القديمة المرصعة بالأحجار المنقوشة Intaglio، ويقول إن قيمتها كانت تعادل قيمة قصور البندقية في القرن الثامن عشر، حين كانت مرغوبة بشدة بين هواة الجمع. ويُضيف: "ثمة إقبال متزايد على الجواهر المرصعة بالأحجار المنقوشة، وهذا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار".

يُغيّر هواة الجمع الجدد الأعراف التي كانت مَصونة في السابق. فلم يعد من الضروري أن يكون مصدر الياقوت الأحمر الكبير مناجمَ موغوك في ميانمار، كما لم تعد جاذبية الألماس الضخم على حالها. يَكمن التشويق الآن في البحث عن الأحجار بالغة التفرد واكتشاف المواهب الجديدة التواقة إلى ابتكار قطع مرغوبة بطابعها الجمالي المعاصر وأسلوبها المتمايز.

باستثناء المستثمرين الأقحاح، لا يرى هواة الجمع الجدد في القيمة التي قد تكتسبها هذه القطع سوى مكافأة إضافية. وفي هذا يقول هادجيباي: "يقتني الأفراد الجواهر في العادة لحبهم لها، لكن إذا حدث واشتروا القطعة المناسبة، فإنه من المرجح جدًا أن ترتفع قيمتها بمرور الوقت".