على الرغم من الجدل الكبير الذي أثير حول رئيس الوزراء البريطاني الراحل السير وينستون تشرشل، وما تخلل فترة حكمه من أحداث كبيرة هزت العالم، إلا أن السير تشيرشل ظل يتمتع بكاريزما خاصة وسحر لا يقاوم لكل عشاق التميز والفخامة. ويكفي أن نذكر أن الإعلان عن عرض أي من مقتنياته يجعل هؤلاء يتسابقون لنيلها.
أعلنت دار كريستيز للمزادات أخيرًا عن لوحتين من إبداعات وينستون تشرشل ضمن المجموعة الفنية لمقتنيات السير أنتوني إيدن، الصديق المقرب لتشرشل وزوج كلاريسا ابنة أخت تشرشل، وهي المجموعة التي عرضتها الدار الشهيرة للمزادات تحت عنوان: Churchill to Eden: The Collection of The Earl and Countess of Avon.
وتقدر قيمة المجموعة كاملة بنحو 1.5 مليون جنيه إسترليني، فيما يقدر سعر اللوحتين بنحو مليون جنيه إسترليني، ومن المقرر أن يتم بيعها بالمزاد في 21 أكتوبر الجاري.
لوحتان من التاريخ
بدأ وينستون تشرشل هوايته للرسم عام 1915، حين أصيب بسلسلة من الإخفاقات، وزاد شغفه بتلك الهواية عندما توقفت حياته السياسية، وأصبح الرسم هو العلاج الرئيس لحالة الاكتئاب التي تعرض لها آنذاك.
وحسب المتابعين لهذه الفترة من حياته، فقد كان هاويًا متحمسًا يسعد بمشاركة لوحاته مع الأصدقاء، إذ قدم أعمالا فنية خاصة به هدية لمجموعة من الأصدقاء المقربين، مثل لوحة "برج مسجد الكتبية" التي أكملها خلال الحرب العالمية الثانية وقدمها لفرانكلين روزفلت تذكارًا لمؤتمر الدار البيضاء عام 1943.
جمعت تشرشل وأنتوني إيدن علاقة صداقة من نوع خاص، وعندما وصل تشرشل لرئاسة الوزراء في عام 1940 اختار إيدن ليكون وزيره للحرب، فيما كان إيدن عملياً هو مساعده الأول في القرار العسكري، ثم أصبح وزيراً للخارجية والرجل الثاني في القيادة ووريث تشرشل المقبل.
كما تزوج إيدن من ابنة أخت تشرشل "كلاريسا سبنسر تشرشل" في عام 1952، وخلف تشرشل بعد تقاعد الأخير في عام 1955، إلى أن استقال عام 1957.
وقد أهدى تشرشل لوحتين قريبتين لقلبه رسمهما في الثلاثينيات إلى صديقه ونائبه السير أنتوني إيدن وزوجته كلاريسا عام 1958. احتفظ الزوجان باللوحتين بمنزلهما في ويلتشير، وبوفاة إيدن في عام 1977 نقلت زوجته كل شيء إلى منزلها في لندن، واحتفظت به حتى وفاتها في نوفمبر 2021.
The Canal at St-Georges-Motel
أطلق تشرشل على اللوحة الأولى اسم The canal at St-Georges-Motel ومن عنوانها يتضح هروب تشرشل من احباطاته بإبعاد نفسه والانعتاق إلى الطبيعة من خلال الرسم، إذ تحول إلى الرسم بعد حملة الدردنيل الفاشلة عام 1915 والتي جعلته يتنحى عن مناصبه في كل من الأميرالية والحكومة، مستخدماً الرسم كمنفذ لإلهاء نفسه عن حالة عدم اليقين المتزايدة في المشهد السياسي آنذاك. وكان تشرشل وزوجته كليمنتين يترددان بانتظام طوال ثلاثينيات القرن الماضي على فندق St-Georges-Motel التاريخي في نورماندي.
Christie’s
ويوضح العمل المعروض ولع تشرشل الكبير بالمناظر الطبيعية، ففي لوحته هذه (قياس 49.5 سم طول و35.5 سم عرض) تجذب التموجات والانعكاسات في الماء نظر المرء، فيما تضيء ممرات من البرتقالي الدافئ والأصفر الساطع المشهد بشكل كبير. نُفذت اللوحة بألوان الزيت على القماش، وحظيت بعدد من الكتابات والشهادات حول ظروف رسمها، وكيف كان تشرشل يهتم بأدق التفاصيل في لوحاته.
ومن المتوقع أن يصل سعر لوحة The canal at St-Georges-Motel خلال المزاد إلى نحو 400 ألف جنيه إسترليني.
Still Life, Silver at Chartwell
اللوحة الثانية المعروضة بين مقتنيات إيدن هي اللوحة التي أطلق عليها تشرشل عنوان Still Life, Silver at Chartwell، وقد علقها إيدن في مقر إقامته في 10 داونينغ ستريت.
وفي هذه اللوحة يظهر الكثير من تأثير العائلة على تشرشل، إذ شجعته الليدي جوينديلين سبنسر تشرشل خلال عطلة صيفية على الرسم، وأقرضته صندوق تلوين ابنها، فمكنته بذلك من الانغماس في هذا الشغف. وفي حديقة منزل عائلته في تشارتويل في كنت رسم دون انقطاع، فكانت هذه اللوحة بألوان الزيت على القماش (قياس 35.6 سم طول و50.2 سم عرض).
توضح هذا اللوحة كيف أثرت صداقات تشرشل الوثيقة مع الفنانين على أسلوبه، بما في ذلك والتر ريتشارد سيكرت والسير جون لافري، إذ تعلم من خلالهما تقنيات عدة وطور تطبيقه للألوان.
Christie’s
كما أقام الفنان السير ويليام نيكولسون بانتظام في تشارتويل، وعلى مدار هذا العقد أصبح معلماً فنياً لتشرشل، وزاد من شغفه بلوحات الحياة الساكنة، إذ كانا يرسمان العديد من المشاهد داخل أراضي المنزل الريفي وفي الداخل عندما يضطرهما إلى ذلك سوء الأحوال الجوية. وكان تشرشل غالباً ما يطلب من الأصدقاء والعائلة المساعدة في تأليف المشاهد له ليرسمها.
وفي هذه اللوحة يوازن تشرشل الدرجات الأكثر نعومة من الطلاء الزيتي بشكل رقيق، ليصور ببراعة مجموعة من الأواني الفضية، بينما تضيف إليها الظلال الجريئة إحساساً بالعمق.
ومن المتوقع أن يصل سعر لوحة Still Life, Silver at Chartwell خلال المزاد إلى نحو 600 ألف جنيه إسترليني.