في يونيو من العام الماضي، كان لاري كونور من بين الجموع التي تسمّرت أمام الشاشات لمتابعة أخبار تيتان Titan، الغوّاصة التي انفجرت في طريقها إلى حطام تيتانيك، مُسفرة عن مقتل الأشخاص الخمسة في داخلها. 
لكن، وعلى غير ما كان عليه حال أغلب المشاهدين، اتخذ الملياردير المنحدر من ولاية أوهايو قرارًا غريبًا، إذ كلّف إحدى الشركات العاملة في القطاع ببناء غوّاصة تتيح له زيارة حطام السفينة الشهيرة بنفسه، وذلك بعدما سبق له زيارة خندق ماريانا الذي يُعد أعمق موقع في العالم. 
في تصريح لصحيفة نيويورك تايمز في شهر مايو المنصرم، قال كونور: "يقلقني كيف أن الناس باتوا يربطون بين الغواصات الحديثة والخطر والمآسي"، مضيفًا: "لسنا من الباحثين عن الإثارة أو المخاطرة". كفّ كونور عن إجراء المقابلات حول الموضوع منذ مقابلته تلك. 

سوق الغواصات الفاخرة يزدهر مرة أخرى 

كلّف كونور شركة ترايتون سابمارينز Triton Submarines، التي يقع مقرها في فلوريدا، ببناء الغوّاصة 4000/2 Abyssal Explorer التي تتسع لشخصين وتُكلف 20 مليون دولار. 

إلى جانب هذه الغوّاصة، تعمل الشركة حاليًا على إنشاء غواصتين تتبعان ملكية خاصة وغوّاصة أخرى لأغراض السياحة البحرية. قبل عام من الآن، كان مثل هذا الإقبال أمرًا بعيد الاحتمال، في سياق التغطية العالمية لكارثة تيتان.

ذكرت بعض التقارير أن باتريك لاهي، الرئيس التنفيذي لشركة ترايتون، يخطط لمرافقة كونور في رحلته إلى تيتانيك. وقد قال لاهي في معرض حديثه عن مأساة أوشن غيت: "تراجعت المبيعات إلى حد كبير بعد الحادثة، لكن الطلبات عادت إلى سابق عهدها في ظل حرص الزبائن على إجراء الأبحاث الضرورية قبل إبداء الاهتمام".  

الأمر نفسه ينطبق على سائر المصنّعين في قطاع الغواصات الصغيرة المتينة. مع ذلك، أصبحت حادثة تيتان مثل إنذار لمختلف الزبائن المحتملين، ما صعّب مهمة لاهي. 

غوّاصة U-Boat Worx Nemo  التي تلبي توقعات الراغبين في الغوص إلى عمق 330 قدمًا تحت سطح الماء.

Nemo © Gavin Newman

غوّاصة U-Boat Worx Nemo  التي تلبي توقعات الراغبين في الغوص إلى عمق 330 قدمًا تحت سطح الماء.

في أعقاب الإشارة إلى الطبيعة التجريبية لغوّاصة أوشن غيت، يقول لاهي: "في البداية لم يفرّق الناس بين تلك الغواصة ونظيراتها في القطاع، لذلك تطلب منا الأمر الانخراط في حملة تثقيفية لتبيان الفروقات بينها". 

تَجدّد الاهتمام أيضًا بالغوّاصات التي تصنعها الشركة الهولندية "يو بوت ووركس" U-Boat Worx. يشير روي هيدرا، مدير التسويق في الشركة، إلى أن سيرورة العمل باتت متسقة مع السوق، لكن طبيعة الاستفسارات تبدّلت. فقد راح تركيز الزبائن يتوجه أكثر إلى تدابير السلامة وإجراءات الاختبار وعوامل الخطر الشاملة".

تختص مؤسسة DNV بإصدار تراخيص الغوّاصات التجارية، وهي مؤسسة لإدارة المخاطر، تُحدد معايير المواد والبناء والتحمل، وتتعهد بإجراء الاختبارات البرّية والبحرية وعمليات التفتيش السنوية. 

يشير لاهي إلى أن سجل المؤسسة في ضبط معايير السلامة في فئة "الغوّاصات المصنّفة المعتمدة" وفي غيرها من الفئات لَم تشُبه شائبة على امتداد نصف قرن من الزمان، من ثم يعود ليؤكد أن غوّاصة تيتان لم تنل ترخيص هذه المؤسسة. 

لقد اشتد التّوق إلى استكشاف الأعماق، والدليل على ذلك اتساع دائرة التصاميم الجديدة التي تعيد رسم حدود الممكن في القطاع. في الفئة المصممة لإجراء الأبحاث، تبرز غوّاصة Abyssal Explorer التي ستكون أعمق غوّاصة بحثية في العالم، علمًا أن مواصفاتها لا تزال قيد التعيين. 

أما في الفئة الموجهة للترفيه، فتبرز غوّاصة U-Boat Worx Nemo التي يبلغ سعرها 1.4 مليون دولار، وقد جاء تصميمها موافقًا لليخوت الفاخرة وملبيًا لانتظارات الراغبين في الغوص عميقًا إلى 330 قدمًا تحت سطح الماء.

ترأس الدكتورة كاتي كروف بيل رابطة استكشاف المحيطات، وفي سياق التمييز بين الغوّاصات المسيّرة وغير المسيّرة، بعيدًا عن أغراض الترفيه، تقول: "شهدت السنوات الثلاث الماضية تعاظم الاهتمام بتطوير المركبات الغاطسة قليلة التكلفة". 

وتكمل قائلة: "نحتاج إلى تكثيف جهود استكشاف المحيطات، وإذا تمكنا من جمع البيانات وإدراك خبايا الأعماق، فإننا سننجح في تدبير أحوال المحيطات بمسؤولية، بما يضمن تأمين بقائنا على المدى الطويل".