عمر القرق في مجلس Modu حيث يمكن للزوّار التفاعل مع قطع الأثاث والاسترخاء وتبادل الأفكار والتواصل اجتماعيًا.

في فيلا Modu Method، نخلع أحذيتنا وندلف إلى مجلس يوحي بحميمية المنازل ودفئها فيما كل زاوية فيه تتزيّن بتصميم يحكي قصة أعاد عمر القرق ترتيب حروفها بالاستناد إلى مقاربة إبداعية هادفة. هناك تنعتق قطع الأثاث من أسر صالات العرض التقليدية لتصير حكاياتها وأسماؤها منطلقًا لرحلة استكشاف مسيرة المصمم الشاب المولود في دبي والذي يقول إن القوة الدافعة لإنشاء Modu Method هي "مشكلات تقليدية في مساحات المنازل يمكن حلها باستخدام أشكال مختلفة من قطع الأثاث". استرشد القرق بخبرات عائلته العريقة في مجال الأعمال ودراسته لهندسة العمارة في الخارج بقدر ما استفاد من تجاربه الحياتية وحس الولاء لمجتمعه للإتيان بمفهوم مبتكر يقوم على المزج في التصميم بين الإبداع والفائدة المجتمعية والأغراض الوظيفية. وفيما يبقى هذا الفنان وفيًا في إبداعه لمبادئ التصميم المتاح للجميع، والحرفية المتقنة، ولخاصية السرد القصصي الذي يستلهم جذوره العربية لإثراء مشهد التصميم، تتمايز كل قطعة أثاث تحمل توقيعه بطابعها الحسي التفاعلي وبنيتها متعددة الوحدات (على ما يشير الاسم Modu المشتق من Modular) التي تتيح توظيف التصميم لأغراض متنوّعة. وفي هذا يقول: "جل ما أريده هو أن أجعل حياة الأفراد أكثر سهولة فيما أتيح لهم تطوير علاقة حسية مع أغراضهم". 

ما الذي استثار اهتمامك بعالم التصميم؟

أعتقد أن اهتمامي بالتصميم وُلد من اهتمامي بالفن. اصطحبني أهلي منذ سن مبكرة لزيارة متاحف مختلفة واختبار الفن واستكشافه. 

كما أني نشأت محاطًا بأفراد حققوا الاكتفاء الذاتي ودأبوا على تحقيق المنفعة للغير. أعتقد أن هذا المزيج هو ما وجّهني إلى عالم التصميم.

ما هي أول قطعة أثاث ابتكرتها وما الذي ألهم تصميمها؟ 

كانت أول قطعة مشجبًا متعدد الوحدات يحمل اسم Spike ويحتضن نحو 15 شماعة قابلة للتحريك. خلال أدائي خدمتي العسكرية، أردت تنشيط عقلي الإبداعي، لذا رحت أفكر في تلك المشكلات أو المنغصات التي يختبرها المرء في منزله.

وكان أول ما تبادر إلى ذهني هو فوضى قطع الملابس التي نبقيها ملقاة على الأرض أو فوق كرسي وكيف أن المساحة ستبدو أكثر تنظيمًا إذا ما علقنا هذه القطع. هكذا انبثقت فكرة هذا المشجب الذي يشكل ترجمة على شكل منحوتة لغرض منزلي.

مقاربة تصميمية مبتكرة لمفهوم "الكرسي الهزاز" في مجموعة Coco.

Modu Method

مقاربة تصميمية مبتكرة لمفهوم "الكرسي الهزاز" في مجموعة Coco.

تبث مقاربتك للتصميم حياة جديدة في المادة، فما الذي تسعى إلى تحقيقه من خلال ابتكاراتك؟ 

نعيش في عالم يستنفد فيه الأفراد طاقتهم في استخدام هواتفهم وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، فيصير من الصعب عليهم الاتصال بمحيطهم. لكني أسعى من خلال قطع الأثاث التي أبتكرها والتصميم الجيد إلى تحفيز الأشخاص على التواصل مع اللحظة الراهنة. ولذا فإن ابتكاراتنا بمعظمها ذات طابع حسي وتفاعلي، وهي تضفي لمسة مرحة على المساحة في منزلك.  

كل تصميم جديد بتوقيعك يحكي قصة، بل إنك تميل إلى أنسنة ابتكاراتك، فأين تجد الإلهام؟ 

أفكر في الأغراض أو الكائنات التي تذكرني بالتصميم الذي ابتكرته وأحاول أن أشتق الاسم منها. فمشجب Spike مثلاً يذكرني بالصبّار، والاسم Ned هو اختصار Misned أو المسند الشهير في ثقافتنا. بعض الأسماء يرتبط بوظيفة التصميم لكن بعضها الآخر يعكس مقاربة مرحة. أعتقد أن أنسنة أغراضنا توثّق علاقتنا بها.  

ما الذي يستثير اهتمامك بالمساحات وتفاعل الأفراد معها؟ 

أروع ما في المساحات هو أنها قد تغيّر شعور المرء. فالألوان المختلفة قد تولّد شعورًا بالاسترخاء أو الإثارة، فيما اللمسات النهائية المختلفة قد تجعل الأفراد يشعرون بقدر أكبر أو أقل من الراحة. والحقيقة هي أن بعض المساحات، مثل المقاهي، شُكلت عمدًا على نحو يجعل الزائر لا يشعر بالراحة لضمان استخدامه المجلس لوقت أقصر، ما يعني أن يصبح متاحًا في فترة زمنية أقصر للزائر التالي. ينطبق الأمر نفسه على المساحات العامة إذ إنها تكون أكثر ازدحامًا بالأفراد عندما تكون مجهزة بمقاعد ومجالس.

تستعرض تصاميمك في فيلا مفتوحة، فهلا حدثتنا عن المفهوم الذي تمثله هذه الواحة؟ 

تمثّل الفيلا المفتوحة مجلس Modu. كانت غايتنا أن يدخلها الزوّار فتستثير حواسهم. يبدو المكان معتمًا للوهلة الأولى، لكن سرعان ما تتكيّف الأنظار مع البيئة الهادئة. تستنشق هنا رائحة بخور قد يُرجع إليك ذكرى ما، ثمّ تجول في الأرجاء بحرية كأنك في المنزل. 

الغاية هي أن تشعر بدفء المنازل لتتمكّن من التفاعل مع قطع الأثاث التي نبتكرها على نحو لا يشبه ما تختبره في صالات العرض. نريد أن يشعر الزائر بالراحة ويُفتن بتصاميمنا. لذا استحدثنا هذه المساحة حيث يمكن للزوّار الاسترخاء وتبادل الأفكار والتواصل اجتماعيًا. يزورنا أيضًا مبدعون آخرون للعمل من هنا، ما يولّد حسًا مجتمعيًا يتركّز من حول مجلسنا.

زاوية في المجلس يثريها مشجبان متعددا الوحدات من طراز Spike، وطاولة جانبية من طراز Gene في محيط مجلس تركيبي شُكل من قطع Nu التي تصلح لأغراض مختلفة.

Modu Method

زاوية في المجلس يثريها مشجبان متعددا الوحدات من طراز Spike، وطاولة جانبية من طراز Gene في محيط مجلس تركيبي شُكل من قطع Nu التي تصلح لأغراض مختلفة.

تعاونت سابقًا مع دار فاشرون كونستانتين لابتكار عمل متفرد باسم Among The Pillars، فما هي الرسالة التي أردت تقديمها من خلال هذه الشراكة الفنية؟ 

للأركان دلالة بالغة في العديد من الثقافات المختلفة. إنها من المنظور المعماري الركائز التي تحمل الأبنية. في مصر القديمة كانت تُستخدم لقياس الوقت، واليوم نرى أشكالاً مختلفة من هذه الأركان تزيّن واجهات أبنيتنا وتنتصب في منتصف منازلنا. 

يُضاف إلى ذلك أن لها دلالة رمزية إذ يُعد العنصر المهم ركنًا أو ركيزة. وفي هذا المشروع التعاوني الذي حمل اسم "بين الأركان" كانت غايتي أن أستحضر أهمية الحرفية في فاشرون كونستانتين باستخدام عنصر دلالي مثل الأركان إلى جانب توظيف مواد محلية الصنع ومستدامة. 

استخدمنا نوعين من المواد: مادة PlyPalm وهي نوع من رقائق الخشب مصنوع من مخلفات سعف النخيل، ومادة Dateform المصنوعة من مسحوق بذور التمر المحمّصة. للمادتين دلالة ثقافية في منطقتنا، واستخدامهما أتاح بناء سياق مشترك بين الحرف المختلفة التي توظّفها فاشرون كونستانتين في صناعتها والحرف التي نشتهر بها في منطقة الخليج.  

كيف أسهمت قيم عائلتك وتقاليدها في تشكيل مسيرتك في ريادة الأعمال؟ 

أنحدر من عائلة طموحة تنشط في أكثر من 30 مجالاً مختلفًا من مجالات الأعمال. لدينا العديد من الأهداف طويلة الأمد، ونعمل بجهد على تحقيقها. ثمة الكثير لأتعلّمه من مجموعة القرق وأنا ممتن لهذه الفرصة. تقوم قيمنا في مجال العمل على التمكين والنزاهة والتنوّع، وفي بيئة العائلة على الاحترام في المقام الأول. 

ومن خلال التواصل المستمر، نحن قادرون على التأثير إيجابيًا بعضنا في بعض وعلى النمو ليس على مستوى العائلة فحسب، بل في مجال الأعمال أيضًا.

المصمم الإماراتي عمر القرق

Modu Method

من المعروف أنك شغوف أيضًا بالتصوير، متى اكتشفت هذا الميل وكيف يؤثر على المسار التصميمي الذي تتبعه؟ 

بدأت بتعلم فن التصوير في سنّ مبكرة. أعتقد أني كنت في الحادية عشرة من العمر عندما قررت أن أحذو حذو إخوتي مع آلات التصوير. والحقيقة أن هذه الآلات كانت حاضرة دومًا في منزلنا. بل إننا نحتفظ بالعديد من الفيديوهات المنزلية والألبومات الزاخرة بصور من طفولتنا. إن التصوير مثير للاهتمام لأنه يتيح لك إبراز العالم من منظورك الخاص، أقصد بعينك وليس من خلال عدسة الكاميرا. ومن المثير أيضًا أن نرى كيف يهتم أفراد كثر بتفاصيل مختلفة عندما يتعلق الأمر بالتصوير. عندما أفكر في منزل ما، أحاول أن أتصوّره قبل أن أصممه. وقد تكون هذه هي اللحظة التي يتدخل فيها الجانب التصويري للأشياء.  

هل تستهويك عوالم أخرى؟

أهوى الغوص لأنه يتيح لي الانغماس في عالم مختلف ووادع والانعتاق إلى سكينته من صخب الحياة سريعة الإيقاع على اليابسة. أحب المطالعة أيضًا لأنها تغذي المخيلة وتُعد بوابة للإبداع. 

بغض النظر عمّا إذا كنت تطالع كتابًا عن قصة خيالية أم لا، سيظل عقلك يحاول رسم صورة للكلمات التي تقرؤها. كما أني أزور في بعض الأحيان محترفًا لصناعة الفخّار. 

يتولّد لديك شعور بالرضا عندما تصنع غرضًا ما بيديك، لا سيّما عندما تستخدم الصلصال. لن تعرف مسبقًا ما إذا كانت القطعة ستخرج من الفرن متصدعة أو مثالية. حتى عندما تخرج سليمة، ستكتشف فيها عنصر مفاجأة.   

العمل الفني التركيبي Among The Pillars الذي ابتكره المصمم احتفاء بمشروعه التعاوني مع دار فاشرون كونستانتين.

Maxime Casa

العمل الفني التركيبي Among The Pillars الذي ابتكره المصمم احتفاء بمشروعه التعاوني مع دار فاشرون كونستانتين. 

في أسفارك الكثيرة، أي البلاد تركت أثرًا بالغًا في نفسك؟

لا أعرف إن كنت حقيقة اكتشفت وجهة مفضلة. كنت أحب السفر إلى إيطاليا بسبب ما فيها من ثراء على مستوى الطعام والثقافة والمفاجآت السارة. 

لكني أعتقد أني بت في الآونة الأخيرة أكثر ميلاً إلى استكشاف المزيد في منطقتنا. تبيّن لي من زيارتي الأخيرة إلى مصر مقدار الجمال والغنى الثقافي في بلداننا. كما أننا ننسى في كثير من الأحيان أننا نعيش في حاضرة تتلاقى فيها العديد من الثقافات الأخرى، ومن الرائع أن تتسنى لها فرصة تعرّف ثقافات العالم الأخرى من موقعنا في دبي. وربما قد آن الأوان لأزور البلدان المجاورة أكثر من ذي قبل.  

كيف يختبر المرء ذروة الرفاهية؟ وما هي السعادة عندك؟

تكمن ذروة الرفاهية في قضاء الوقت مع أحبائنا وإحاطة أنفسنا بأفراد نتعلم منهم. وقد أضيف إلى ذلك الخصوصية. أعتقد أننا نختبر أقصى سعادتنا عندما لا نضطر إلى تشارك تفاصيل حياتنا مع الغرباء طيلة الوقت ونركّز بدلاً من ذلك على عيش حاضرنا مع أولئك الذين يعرفوننا، أي الأهل والأصدقاء. إننا نسعى دومًا، بحكم طبيعتنا البشرية، إلى الانتماء، لذا أرى أن مقدرتنا على أن نكون جزءًا من مجموعة يسودها الحب والدعم تمثّل ذروة الرفاهية. لا ضرورة لأن تكون مجموعة كبيرة. بل يكفي عدد صغير من الأفراد الذين نشعر بالراحة لوجودنا بصحبتهم.