لا ضير في أن تزيّن مساحات منزلك بقطع أثاث مصممة حسب الطلب وروائع فنية تستحق مكانة في المتاحف.

لكن عددًا متزايدًا من الأبحاث في مجال علم النفس يشير إلى أن العامل الأهم الذي يجعل هذه المساحات كفيلة بتعزيز رفاهك الصحي هو طريقتك في استخدام الألوان.

تقول سالي أوغوستين، المتخصصة في علم النفس البيئي والكاتبة والمديرة في مركز Design With Science (التصميم باستخدام العلم): "يُبيّن العلم أنك تستطيع استحداث حالات مزاجية معيّنة من خلال اللون، وأنك تستطيع حتى التأثير في فكر الآخرين. ولذا فإن اللون قد يشكّل أداء مفيدة ومؤثرة بقوة في أي منزل".

الحقيقة هي أن هذه التأثيرات على العواطف البشرية كبيرة لدرجة أن باحثين في جامعة لوزان بسويسرا أمضوا السنوات الخمس الأخيرة في القيام باستطلاع عالمي طموح حول الروابط بين الألوان والعواطف. وقد أظهرت ردود 12 ألف مشارك جرى تسجيلها من 90 دولة مختلفة أن ثمة رابطًا كونيًا يستحيل طمسه بين الألوان من حولنا وحالاتنا المزاجية.

ولأن الظلال اللونية في منزلك قد تساعدك على الاسترخاء، أو تمدّك بالطاقة، أو حتى تشعرك بالسعادة، ينأى بعض المصممين المرموقين بزبائنهم عن لوحة الألوان الأحادية المبسّطة التي سادت لوقت طويل، ويوجّهونهم نحو ظلال لونية زاهية أكثر حيوية. اطلعوا في تطبيق انستغرام على سبيل المثال على صفحات مبدعين مثل رايمان بوزر، وجيسيكا دايفس، وكوري دايمن جنكيز لمزيد من الشواهد أو للإلهام.

ربما لا مكان يجسّد هذا التحوّل بقدر صالة "غاليري" Gallery في المطعم اللندني سكيتش Sketch الذي يُعد حتمًا واحدًا من أشهر فسحات تناول الطعام في العالم.

أطلقت إنديا مهدافي، خبيرة التصاميم الداخلية المقيمة في باريس التي تولت ابتكار الصالة، حركة نشطة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في عام 2014 عندما أغرقت هذه الفسحة من الأرضية إلى السقف باللون الزهري الفاتح المعروف بتأثيره المهدّئ.

وعندما استقبل المطعم هذا العام تركيبة فنية جديدة للفنان النيجيري يِنكا شونيبار، حذت مهدافي حذوه وغمرت الحجرة باللون الأصفر الفاتح.

في حديث إلى مجلة Robb Report تقول مهدافي: "كان العمل الفني الذي أبدعه يِنكا مصدر إلهام حقيقي حرّضني على المضي في مسار مختلف.

استخدمت عناصر أتاحت لي توسيع الحيز الاستكشافي للثقافة والهوية في فن يِنكا واستحضار الدفء المميز لإفريقيا إلى المساحة وقطع الأثاث فيها. إن الدفء هو اللون الجديد في مطعم سكيتش".

تُعد مهدافي من أبرز المصممين الذين يقودون هذه الحركة، وتقول إنها تبحث دومًا عن الحوار المثالي بين اللون والمساحة، مضيفة: "غالبًا ما أتحدث عن ألواني بوصفها أبجدية أو قواعد نحوية. إنها لغتي الأم الثانية التي أسعى من خلالها إلى الاحتفاء بالفرح. أريد للفسحات التي أبتكرها أن تزخر بالطاقة".

لكن الممارسين في مجال علم النفس اللوني سيخبرونك بأن اختيار حالة مزاجية لحجرات منزلك ليس مهمة بسيطة يمكن اختزالها بقاعدة من مثل: "إن للون الأزرق تأثيرًا مهدّئًا فيما الأحمر يستثير الغضب".

فكل لون يشتمل على ثلاثة مكوّنات مختلفة لا بد من التفكير فيها: الدرجة اللونية، والقيمة، والتشبّع اللوني. تمثل الدرجة طول الموجة اللونية المرئية الغالبة (الأزرق على سبيل المثال)، فيما ترمز القيمة إلى حدة اللون النسبية إذا ما كانت فاتحة أو داكنة (أزرق فاتح مثلاً).

أما التشبّع، فيُقصد به كثافة اللون (أزرق سماوي).

ستائر مرقعة من علامة Les Crafties تضفي مزيدًا من الحيوية على مساحة أخرى من تصميم إنديا مهدافي.

Edmund Dabney
ستائر مرقعة من علامة Les Crafties تضفي مزيدًا من الحيوية على مساحة أخرى من تصميم إنديا مهدافي.

يمكن لكل من هذه العناصر الثلاثة أن يحدث تحوّلاً في منظورنا للون على المستويين البصري والفكري. فالظل اللوني الأقل تشبعًا والأعلى قيمة قد يخلّف تأثيرًا ملطّفًا: على سبيل المثال، يُعد اللون الأزرق أو الأخضر الفاتح والمغبر مثاليًا لحجرة النوم.

أما إذا كانت غايتك استمداد الطاقة من فسحة المعيشة، فإن أوغوستين تنصحك بألوان أعلى تشبعًا وأقل قيمة، مثل الأزرق الياقوتي والأخضر الزمردي.

لكن علم النفس اللوني يتجاوز هذه العناصر الثلاثة عندما تدخل في السياق عناصر مثل التبعات الثقافية وقوة الذاكرة. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة الأمريكية، ترتبط عادة ظلال اللون الأزرق بالموثوقية، الأمر الذي دفع بالعديد من المصارف الكبرى إلى اعتماد هذا اللون في شعاراتها.

وعلى ما جاء في بحث جديد أجرته شركة زيلو Zillow، فإن طلاء باب المنزل باللون الأسود، الذي يرتبط بالنفوذ والأناقة، يزيد قيمة المنزل بأكثر من ستة آلاف دولار. إنه عائد جيّد على الاستثمار في علبة دهان وبعض الفراشي.

في المقابل، لا بد من هذه الملاحظة التحذيرية: تلفت أوغوستين إلى أن ثمة لونًا واحدًا يُفضل تفاديه بالمطلق، وتقول: "أنظر في العموم إلى المساحات البيضاء بوصفها فرصًا ضائعة. وإذا ما ترافقت المساحة البيضاء مع عناصر صارخة نسبيًا، فإنك تستحدث على الأرجح فسحة محبطة قد يشعر الأفراد حقيقة بالإجهاد لقضاء الوقت فيها".