على مدى ما يقرب من 120 عامًا، مرت رولز-رويس موتور كارز بكثير من الصعاب وحقّقت الكثير من الإنجازات، إلا أنها تحت قيادة تورستن مولر-أوتفوش، الذي شغل منصب رئيسها التنفيذي منذ عام 2010، شهدت نهضة كبيرة، وتوسعت في الطرز والزبائن ولكن من دون أن تضحي بالحصرية. وأخيرًا، جرى الإعلان عن اعتزال أوتفوش، بعد ما يناهز ثلاثة عشر عامًا أمضاها على رأس العلامة البريطانية العريقة.

في بداية الأمر، لم يكن مولر-أوتفوش يخطط لترأس علامة مرموقة مثل رولز-رويس. فعندما انضم إلى مجموعة بي إم دبليو في عام 1989، كان ثمة مفاوضات مكثّفة تجري بين المجموعة الألمانية الكبيرة وبين شركة روفر التي كانت علامة ميني تنضوي تحت إدارتها.

وعندما أسفرت نتيجة هذه المفاوضات عن استحواذ بي إم دبليو على روفر، أوكلت إليه مهمة إعادة إطلاق علامة ميني. وعن هذا الأمر قال مولر-أوتفوش: "لقد دفعني ذلك إلى التعمق في العلامات البريطانية، وتعلمت أيضًا الكثير عن مدى تميزها، ومدى العاطفة التي تدور حولها، ومدى العناية التي تنالها ومدى الحرص الذي يحتاج إليه المرء خلال التعامل معها، وإلا فقد يفشل في وضعها بالمكان الذي يناسبها تمامًا".

أما عندما جرى التواصل معه في نهاية المطاف كي يقود فريق رولز-رويس، فلم يتردد ولو للحظة في قبول هذا الشرف، وفي هذا يقول: "لقد كانت اللحظة المناسبة في الوقت المناسب، وهذا شيء تحتم ألا أتجاهله".

محطات في مسيرته مع رولز-رويس

خلال تلك الفترة، كانت رولز-رويس معرّضة لخطر فقدان اهتمام الناس بها كونها سيارة تناسب المتقدمين في العمر.

وفقًا لمولر - أوتفوش، كان متوسط عمر مالك سيارة رولز-رويس 56 عامًا، لذا طلب الرجل مشورة العديد من خبراء البنوك الخاصة واستمع إلى آرائهم حول كيفية تغيير أنماط شراء الأفراد ذوي الثروات العالية في السنوات التي تلت تلك الفترة. "لقد أعطوني بعض الأفكار الرائعة. .  وحدث فعلاً ما توقعوه".

هذا ما قاله الرجل، وهذه ربما إحدى السمات التي تفسر السبب الذي يقف وراء نجاحه في إدارة علامة مرموقة بحجم رولز-رويس، ألا وهو الاستماع إلى آراء الخبراء والسير وفقًا لها.

وكان من أهم ما توصل إليه فارس رولز - رويس الأول من استنتاج هو أنّ السيارات الأكثر فخامةً هي التي ستُصبح مرغوبة أكثر للزبائن الأصغر سنًا. ومتسلحًا بهذه المعلومات، عرف مولر-أوتفوش أنه يجب إحداث تحوّل في الشركة.

وعن هذا يقول: "عندما توليت القيادة، كانت رولز-رويس هي من وجهة نظر 80 بالمئة من الزبائن السيارة التي يقودها سائق مقابل نسبة 20 بالمائة من الزبائن الذين يرغبون بقيادتها بأنفسهم. أما الآن، فقد أصبح الأمر بخلاف ذلك تمامًا".

هذا التغيير بدا جليًا لأول مرة مع تقديم طراز رايث ذي البابين، الذي أعقبه سريعًا الجيل الثاني من طراز غوست سيدان، الذي أصبح الطراز الأكثر نجاحًا تجاريًا ضمن أسطول سيارات رولز-رويس.

ثم أطلت سيارة دون، السيارة المكشوفة ذات البابين التي ظهرت لأول مرة في عام 2016، والتي جذبت شريحة أكبر من النساء إلى العلامة. وفي العام نفسه، جرى إطلاق خيار الفئات Black Badge  الجريئة التي تحاكي روح الشباب.

سيارة  Black Badge

Rolls-Royce

وُلدت فكرة Black Badge في ذهن مولر-أوتفوش بعد أن رأى أنّ بعض مالكي سيارات رولز-رويس كانوا يمنحون سياراتهم مظهرًا جماليًا أكثر عدوانية وعناصر داكنة مميزة خلال تخصيصها مع الوكلاء ضمن برامج التخصيص التي توفرها الشركة.

عندها طرح على نفسه السؤال التالي: لماذا لا نعيد ابتكار الأنا العليا للسير هنري رويس، ونبتكر شخصية أكثر حضورًا وأكثر غموضًا، شخصية ترفع مكانة العلامة؟ وفي هذا يقول: لقد كان ذلك ناجحًا للغاية بالنسبة لنا، إذ مكننا من الوصول إلى جيل جديد تمامًا من الزبائن".

تُعد هذه الخطوة أحد العوامل المساهمة في خفض متوسط عمر مالكي سيارات رولز-رويس إلى 43 عامًا، أي ما هو أقل من متوسط عمر مالكي سيارات ميني، كما أنّ متوسط العمر هذا ينخفض أكثر في حال أخذنا مالكي طراز غوست وحدهم، ذلك الطراز الذي حصل على لقب أفضل سيارة فاخرة لعام 2021 من Robb Report.

لكن هذا لا يعني أنّ العلامة البريطانية العريقة تجاهلت الزبائن الأكبر سنًا، إذ شهدت إدارة مولر-أوتفوش ظهور الجيل الثامن من طراز فانتوم الرائد، بالإضافة إلى عودة رولز-رويس لإنتاج النماذج الحصرية، على غرار طراز بوت تيل وغيرها من المشاريع الحصرية الخاصة.

سيارة رولز - رويس سبيكتر

Rolls-Royce

وبالإضافة إلى خفض معدل عمر زبائن رولز-رويس، يسجّل للرجل أيضًا أنّ سنوات تربعه على سدة الرئاسة لدى الصانع البريطاني، شهدت إطلاق طراز كالينان، أول مركبة متعددة الاستخدام في تاريخ العلامة (أو مركبة مرتفعة عن الأرض بلغة رولز-رويس)، فضلاً عن الدخول في عصر الكهرباء مع طراز سبيكتر.

وقد علّق تورستن على إعلان تقاعده، قائلاً: "كان من دواعي سروري تولّي دفة القيادة في رولز-رويس في إطار منصبي رئيسًا تنفيذيًا لما يناهز 14 عامًا. ولا شك في أنّ مسيرتي بين ربوع الشركة كانت مغامرة حقيقية ساهمت خلالها في الارتقاء بالعلامة إلى مصاف العالمية وترسيخ مكانتها المرموقة في السوق اليوم، بصفتها علامة متميّزة للابتكارات الفارهة.

أنا فخور كل الفخر بالدور الذي اضطلع به فريقي الاستثنائي تحت قيادتي، والذي ساهم بشكلٍ كبيرٍ في دعم اقتصاد المملكة المتحدة والترويج لقدرة بريطانيا على إنتاج أفضل المنتجات الفاخرة في العالم".

سيارة رولز رويس كالينان

Rolls-Royce

ربما يقوم مولر - أوتفوش بتسليم زمام الأمور إلى كريس براونريدج، الرئيس التنفيذي الحالي لشركة BMW في المملكة المتحدة، ليتفرغ لصيد الأسماك وركوب القوارب، لكنه سيظل بالتأكيد نشطًا في مجال الاستشارات، وما يسميه "الأدوار غير التنفيذية"، على الرغم من أنه غير متأكد في الوقت الحالي أين وكيف سيقوم بذلك.

وفي النهاية، وبعد كل ما ذكرناه وما قاله السيد مولر- أوتفوش بنفسه، فإنّ الاستنتاج الوحيد الذي يمكننا أن نخرج به هو أنّ أهم ما قدمه الألماني الشاب - رغم تقدمه في السن- لـعلامة رولز-رويس هو أنه لم يكتف بتطويرها مع الحفاظ على تراثها العريق، بل عزز هذا التراث وأضاف اليه المزيد من الرقي الذي رسخ حضورها في عالم وسائل النقل الفاخرة ليستحق بذلك لقب فارس رولز-رويس الأول.