ظلت صعوبة قيادة الطائرات حاجزًا منيعًا يقوّض نمو قطاع الطائرات الخاصة، وذلك لأنها تشترط وجود ربان قادر على التحليق بها. ورغم الرفاهية المبطنة في هذه التجربة، إلا أنها حرمت محبي السرعة والطيران من متعة أخرى، وهي متعة قيادة الطائرات واختراق عنان السماء.
بالطبع، توجد حلول في مقدمتها التقدم للحصول على رخصة طيران والتعلم في المدارس الخاصة لذلك. ولكن صعوبة المهمة والتعقيد المتعلق بالتحكم في الطائرات والواجهات الخاصة بها شكلت عائقًا آخر أمام محبي الطيران. 
لذا تحاول شركة إيرهارت AirHart التي يرأسها أحد مهندسي سبيس إكس SpaceX السابقين تبسيط عملية قيادة الطائرات وتحويلها إلى مهمة سهلة تماثل قيادة السيارات، وذلك عبر ابتكار قمرة قيادة جديدة تضم وسائل ذكية للتحكم في الطائرة.

شركة إيرهارت.. الاعتماد على المعدات الذكية

تأسست شركة إيرهارت AirHart في مدينة لوس أنجليس على يد نيكيتا إرموشكين الذي كان أحد مهندسي شركة سبيس إكس العاملين على مشروع الصاروخ الفضائي Falcon 9 وتحديدًا على دمج أنظمة الطيران مع أنظمة الذكاء الاصطناعي في الصاروخ. وبفضل شغفه الكبير بعالم الطيران، قرر إرموشكين الانفصال عن سبيس إكس لتأسيس شركة تحقق حلمه في تبسيط تجربة الطيران وبناء الطائرة الأشد أمنًا على الإطلاق.

شكل تعدد أدوات التحكم في الطائرات والتفاصيل المتعددة لعملية الطيران تحديًا كبيرًا أمام إرموشكين، إذ كيف يمكن له تبسيط عملية معقدة تعتمد على العديد من المكوّنات المختلفة المرتبط بعضها ببعض. 

وقد وجد ضالته في نظام الطيران عبر السلك (Fly By Wire) الذي اعتمدت عليه العديد من شركات الطيران الشهيرة مثل داسو Dassault وإمبراير Embraer، وتحديدًا منظمة التحكم في الطيران الموحدة، وهي منظومة تيسر على الربان التحكم في تفاصيل الطائرة بالتعاون مع الذكاء الاصطناعي لخفض معدل التفاعل مع الطائرة وتبسيط العملية قدر الإمكان. ومن الجدير ذكره أن هذه الأنظمة تستخدم في الطائرات الحربية الحديثة.

ورغم أن الاعتماد على أنظمة الطيران الموحدة FBW ليست أمرًا مبتكرًا أو حديث عهد في قطاع الطيران، إذ يعمل العديد من صنّاع الطائرات وتحديدًا مركبات التحليق العمودية على دمج هذه التقنية في مركباتهم لتيسير التحكم فيها، إلا أن إرموشكين يسعى إلى تقديم تجربة أكثر شمولاً من ذلك عبر جعل تجربة التحكم في الطائرات أكثر سهولة.

تتجسد منظومة إيرهارت للتحكم في الطائرات في عصا تحكم موحدة تتيح للربان توجيه الطائرة إلى الأمام والخلف أو اليمين واليسار بشكل أساسي، واستبدال أنظمة ذكية تحدد السرعة والارتفاع والانخفاض وغيرها من التفاصيل بالأزرار وأدوات التحكم الأخرى الموجودة في الطائرة. تتصل هذه الأنظمة بشكل مباشر ومستمر مع عصا التحكم من أجل استشعار سرعة تحريك العصا ونقل مقاومة الهواء إليها. 

بعصا تحكم موحدة.. AirHart تسعى لتسهيل قيادة الطائرات

Airhart

الانتقال إلى التجربة العملية

رغم الابتكار في فكرة إيرهارت للتحكم بالطائرات، إلا أنها تظل فكرة نظرية في المقام الأول، لذلك أجرت الشركة عددًا من الاختبارات المتنوعة أملاً في إثبات جدارتها. 

ومن ضمن هذه الاختبارات ما جرى عرضه في عام 2022 من نموذج اختباري للقمرة ونظام التحكم فيها، وما عرض في عام 2023 ضمن معرض الطيران الاختباري في ويسكونسن، إذ تعاونت إيرهارت مع شركة سلينغ Sling لتطوير الطائرات لبناء أول نموذج لطائرة يعتمد على منظومة التحكم الجديدة.

تخطط الشركة للبدء في تجارب الطيران مع مطلع 2025 في نموذج تجريبي بالكامل من طائرة Airhart Sling، وذلك لاختبار آلية التحليق والتحكم في الطائرة بشكل كامل ومراقبة تفاعل الربان مع قمرة القيادة والطائرة. 

وفي حال نجاح هذا الاختبار، فإن إيرهارت تسعى لتسليم النماذج الأولى من طائرتها بحلول عام 2026 قبل الانتقال إلى تطوير النماذج التالية والحصول على التراخيص اللازمة لاستخدامها في الطائرات التجارية مع نهاية عام 2027.

سهولة تدفع التوسع

تتيح إيرهارت الحجز المسبق للحصول على النماذج الأولية والتي يبلغ عددها 50 نموذجًا من طائرة AirHart Sling وذلك مقابل 500 ألف دولار. 

ولا تقتصر أحلام إرموشكين على بناء هذه الطائرات وبيعها فحسب، بل يسعى إلى تحويل منظومة القيادة الجديدة الخاصة به إلى جزء ثابت في مختلف الطائرات الخاصة والتجارية المستخدمة في العالم.

يؤمن إرموشكين أن تبسيط عملية قيادة الطائرات سيؤدي في النهاية لانتشار واسع للتقنية وإقبال كبير عليها من مختلف القطاعات والزبائن حول العالم، وهو الأمر الذي يجعل التجربة مختلفة للغاية عما يتيحه المنافسون، الأمر الذي سيحقق الانتشار المرجو لتقنيات الشركة. ولكن هل ينجح في تحقيق أحلامه؟