ظلت رحلات الغوص إلى أعماق المحيطات حكرًا على العلماء ومحبي المغامرة، إذ لم تكن الغواصات القادرة على الوصول إلى أعماق المحيط مهيئةً للرحلات الفارهة أو حتى تمتلك أدنى مقومات الراحة بسبب اهتمام الشركات بتقديم غواصات قادرة على تحمل الضغط الشديد ومقاومة التيار المائي في المحيط.

ولكن شركة ترايتون Triton قررت أن تتحدى هذا المفهوم عبر تصميم غواصة قادرة على الوصول إلى أعماق المحيط واستكشافه بسرعة كبيرة مع الحفاظ على أعلى درجات الفخامة في الرحلة. 

وقد أثمرت جهود ترايتون عن المفهوم التصوري لغوّاصة Project Hercules الذي ابتكرته بالتعاون مع عمالقة عالم البحار: شركة Dark Ocean للتصميمات واستوديو إسبن أوينو Espen Øino لتصميم اليخوت الفائقة.

غوّاصة سريعة ورشيقة

لا يُعد المفهوم التصوري Project Hercules أول غواصة مُبتكرة تتحدى المألوف تعمل عليها ترايتون، إذ إن الشركة تعاونت سابقًا مع المستثمر ومستكشف الأعماق فيكتور فيسكوفو الذي كان يبحث عن غواصة قادرة على الوصول إلى عمق يتجاوز 11 كيلومترًا تحت سطح الماء، وذلك ضمن مهمة خاصة أطلقها لاكتشاف أعماق المحيطات الخمسة.

لم تكن ترايتون تمتلك غواصةً تُلبي طلب فيسكوفو، ولكن بفضل تمويله للمشروع ومساندته له، وبعد أكثر من ثلاث سنوات من الدعم المستمر، حصل المستكشف على مُبتغاه متمثلاً بغواصة Triton 36000/2 التي تمكنت من النجاح في مختلف اختبارات الصانع، بما في ذلك الاختبارات التجريبية التي أجراها فيسكوفو مع فريقه.

لن تقترب غواصة Project Hercules من هذا العمق بكل تأكيد، إلا أنها تستطيع وبكل سهولة الوصول إلى عمق 200 متر تحت الماء والتحرك بسرعة 8 عقد عكس اتجاه تيار المحيط، ما يجعلها تتجاوز سرعة مثيلاتها بأكثر من الضعفين. ويعود هذا التفوق في السرعة إلى "الجناح" الأمامي المُثبت في الغواصة والقادر على تحطيم أمواج المحيط المقبلة ناحيته، كما أنه يحمل المصابيح الأمامية والمستشعرات اللازمة من عدسات وأجهزة سونار، ويمتد ليمثل وسيلة دفاع في حال تعرض الغواصة للهجوم أو عوائق تحت سطح الماء.

وعلى غير ما هو عليه حال الغواصات التقليدية التي تتحرك للأمام والخلف فحسب، ستوفر محركات الدفع المثبتة في مؤخرة الغواصة Project Hercules مدى كبيرًا للتحرك، متيحة لها الانطلاق في مختلف الاتجاهات لتُحاكي أسماك القرش في سرعتها ورشاقتها.  

تستطيع الغواصة التحرك تحت الماء لمدة 12 ساعةً متصلة باعتمادها على بطاريات كبيرة موضوعة في المؤخرة الغواصة. كما أنها تضم مكبرات صوتية وأنظمة تبريد هواء إلى جانب معدات لإعانة الركاب لمدة تزيد على أربعة أيام.

ترايتون تطرح مفهوم Project Hercules للارتقاء بمفهوم استكشاف الأعماق.

© triton

مقصورة فخمة لرحلة أكثر ترفًا

لكن ما يتمايز به المفهوم التصوري لغواصة Project Hercules ليس أداءها فحسب، بل تناغم هذا الأداء مع معايير فخامة ترقى بالرحلة الاستكشافية للأعماق. ويتجلى هذا التوجّه بوضوح في تصميم الغواصة الأطول والأكبر مقارنة بابتكارات المنافسين، إذ إنها مجهزة بمقاعد فسيحة تضمن الراحة الكاملة لشخصين معًا. ويستطيع كلا الراكبين رؤية المحيط بكل وضوح ودون عوائق عبر القبة الزجاجية المميزة التي طّورتها ترايتون.

يصل حجم القبة الزجاجية في غوّاصة Project Hercules إلى ثلاثة أضعاف حجم القبة الزجاجية التقليدية للغواصات مزدوجة الركاب، ويعود الفضل في ذلك إلى المركب الخاص الذي طورته الشركة واعتمدت عليه في سلسلة 660 AVA. يوفر هذا المركب الحرية الكاملة للمصممين والشركة من أجل بناء القبة الزجاجية في أشكال هندسية غير منتظمة بدلاً من الفقاعة التقليدية، وتقدم ترايتون غواصات فاخرة في هذه السلسلة تسع حتى تسعة ركاب معًا.

لم يتوقف فريق التصميم عند نموذج واحد فقط لمقصورة الغواصة، بل عملوا معًا على تقديم أكثر من خيار وترتيب للمقصورة الداخلية أحدها كان مزودًا بسرير كبير والآخر يقدم تجربةً تدعى "الغوص الخاص" إذ أضافت الشركة حاجزًا يفصل بين قائد الغواصة في الجزء الأمامي ومن خلفه الركاب.

ترايتون تطرح مفهوم Project Hercules للارتقاء بمفهوم استكشاف الأعماق.

© triton

ويعد النموذج الذي يعتمد على تجربة "الغوص الخاص" أحد أكثر نماذج الشركة تطورًا، إذ تستبدل الشركة الزجاج الأمامي لقائد الغواصة مع مجموعة من المستشعرات والكاميرات التي تنقل محيط الغواصة مباشرةً إلى القائد بدقة عالية عبر خوذة واقع افتراضي واقعية للغاية، وذلك حتى يترك مساحة القبة الزجاجية بأكملها للركاب للاستمتاع بالمحيط.

كما تتيح ترايتون إمكانية تعديل تصميم المقصورة الداخلية وتغيير هيكلها بما يتناسب مع احتياجات كل مستخدم على حدة وهو ما يضمن تجربةً فريدة من نوعها في تخصيص رحلات الغوص تحت الماء.

ترايتون تطرح مفهوم Project Hercules للارتقاء بمفهوم استكشاف الأعماق.

© triton

امتد التمايز في الابتكار أيضًا إلى الهيكل الخارجي الذي عملت عليه شركة Dark Ocean للتصميمات، إذ حاولت الشركة إبعاد الأجزاء المصمتة عن القبة الزجاجية حتى لا تعوق رؤية الركاب لما يحيط بهم.تأتي الغواصة مع هيكل ممتد قليلاً بدلاً من الهيكل الكروي المعتاد، لذلك فإن مختلف مكوّنات الغواصة الإلكترونية والمحركات والبطارية مثبتة في الجزء الخلفي منها.
 
أكملت ترايتون بالتعاون مع شركائها التطوير الهندسي لمشروع Project Hercules، وتظل العقبة الأخيرة أمامها هي الاختبارات المائية لضمان تحمل الغواصة للضغط الشديد عند عمق 200 متر، وذلك قبل أن تبدأ الشركة في إنتاجها لتكون متاحة للزبائن من مختلف أرجاء العالم.

لم تكشف الشركة عن تكلفة غواصة المستقبل حتى الآن، إلا أن المتوقع أن يكون سعرها باهظًا بما يتناسب مع أدائها العالي وفخامة التجربة التي تعد بها.