حين يُغيّر قارب السباق SailGP F50 مساره فجأة، تُثبّتني قوة الجاذبية داخل حجرة التوجيه في المؤخرة. وفي مواجهة هذه القوة، يُسارع جيمي سْبيتهيل، قائد الفريق الأمريكي، وأربعة بحارة آخرين، إلى الحجرة الموجودة على الجانب الأيمن للقارب والتي تبعد 20 قدمًا عن حجرة الجانب الأيسر.

يرتكز هذا القارب متعدد الهياكل بقوة على زعانفه، وهذا ما يجعله يطفو على ارتفاع ست أقدام فوق الماء. ما نخاله هدير طائرة نفاثة تُحلق فوق رؤوسنا ليس في الواقع إلا صوت ارتطام الريح بأجنحة القارب (أشرعةٌ قوية يبلغ ارتفاعها 95 قدمًا، مُصممة على هيئة أجنحة) بسرعة 15 عقدة بحرية. هكذا يتسارع القارب الذي يبلغ طوله 50 قدمًا بسرعةٍ تُعادل ثلاثة أضعاف سرعة الرياح.

يُعد قارب F50 قاربًا متطورًا وجريئًا ومبهجًا، وخطيرًا أيضًا إذا غاب القائد المناسب. يصفه المهندس البحري بول بيكر بأنه "نسخةٌ أسرع من طراز AC50"، في إشارةٍ إلى مصدر الإلهام، القارب متعدد الهياكل الذي يمتد بطول 50 قدمًا والذي شارك في كأس أمريكا لعام 2017.

وقد أدّى استوديو بيكر دورًا في تصميم زعانف القارب الذي شارك في كأس أمريكا، ولكن تصميم قارب SailGP يُسهم في زيادة السرعة بكثير، حتى إنه يتخطى حدّ السرعة القصوى الآمن المحدد عند 60 ميلاً/الساعة.

ويرجع بعض الفضل في ذلك إلى الزعانف الرقيقة المصنوعة من ألياف الكربون والمصممة على هيئة الحرف "L"، وهي تضاهي في صلابة التوائها وقوتها الفولاذَ، ولكنها أخف منه بخمس مرات.

من الصعب أن يفهم المرء مَبلغ قوة هذه القوارب إن هو لم يُحلق على متن أحدها. إن ضغط الديناميكا الهوائية على حبال القارب كان قويًا إلى حدّ أن دفّة ضخمة تصدّعت في أثناء جلسة التدريب.

وفي هذا يقول بول كامبل جونز، ضابطُ الأشرعة في الفريق الأمريكي: "تتأتّى سرعة القارب الكبيرة من التحليق بلا توازن على أعلى ارتفاع ممكن. إن الهدف من ذلك هو دفعُ حدود إمكانيات القارب إلى أقصاها، ولكن إذا تجاوز هذه الحدود ولو بقليل، فإنه إما أن يتحطم وإما أن يُسقط بحّارته من على الزعانف بعنف في المياه".

هذا النوع من الإبحار خطرٌ ويتطلب مهارة كبيرة ودِراية تقنية على مستوى غير مسبوق، بالإضافة إلى اللياقة البدنية المطلوبة من البحارة الستة الذين يُسيّرون القارب، وهو مزيج ساعد في الارتقاء بهذه الرياضة إلى مستوى جديد.

قارب C-8 الذي طورته شركة كانديلا، وقارب N30 الذي طورته نافييه، مجهزان ويُوظفان التقنية المتطورة للزعانف النشطة لتوفير رحلات إبحار مريحة.

SailGP
قارب C-8 الذي طورته شركة كانديلا، وقارب N30 الذي طورته نافييه، مجهزان ويُوظفان التقنية المتطورة للزعانف النشطة لتوفير رحلات إبحار مريحة.


تُعيد تقنية الزعانف كتابة مستقبل الإبحار بأكمله، من رياضة ركوب الأمواج بالألواح الشراعية المشاركة في الألعاب الأولمبية إلى كأس أمريكا. بل إنها تُحدث ثورة في فئة القوارب السريعة، وفقًا لبيكر. منذ عهد قريب، صَمّمت شركته، التي تقع في مدينة أناكورتس بولاية واشنطن، زعانف قارب Navier N30، وهو قارب كهربائي سريع يتّسع لتسعة ركاب وينزلق فوق صفحة المياه على ثلاث زعانف مصنوعة من الكربون، طول كل واحدة منها سبع أقدام وخمس بوصات.

يقول بيكر: "لِزعانف قارب F50 وقارب Navier N30 المبادئ نفسها. الاختلاف الرئيس هو أن الفريق يتحكم يدويًا بزعانف القارب الأول، فيما يُبقي حاسوب متطور زعانف القارب الثاني مُتّزنة فوق المياه".

وفيما يتمايز قارب السباق متعدد الهياكل ذاك بقوة غاشمة، يميل القارب N30 إلى تقديم راحة الركاب وكفاءة استهلاك الطاقة على غيرهما من المزايا؛ يُشبه الأمر مقارنة دوّامة الملاهي الدوّارة بسجادة سحرية. تستخدم زعانف القارب N30 جُنَيْحات تخضع للتّصويب 50 مرة في الثانية، بناءً على أجهزةٍ للاستشعار تُقدّر أحوال الأمواج. يتحكم السائق في سرعة القارب ووجهته، فيما يتكفّل نظام الزعانف النشط بالباقي.

كما يسير القارب N30 بسرعة 15 عقدة بحرية، ويقطع مدى يبلغ 75 ميلاً بحريًا عند الإبحار بسرعة 22 عقدة بحرية، فيما تصل سرعته القصوى إلى 35 عقدة بحرية، وهو مجهّز بثلاثة أوضاع للقيادة (وضع التجوال، والإبحار الرياضي، ووضع توفير الطاقة)، تستجيب للظروف ولتفضيلات الربّان على حد سواء.

وفيما تقول شركة نافييه إن القارب N30 قادرٌ على مجابهة الأمواج التي يبلغ ارتفاعها خمس أقدام، فإن رحلتنا الاختبارية في خليج سان فرانسيسكو لم تشهد سوى أمواجٍ قصيرة لا يزيد ارتفاعها على قدمين، حُمْنا فوقها من حجرة قيادة هذا الطراز الذي يُنتظر أن يُسلّم أول نموذج منه في وقت لاحق من هذا العام.

كاد الإبحار الهادئ على متن القارب N30 يُدخلني في صفوف أنصار هذه التقنية. لكن نقطة ضعفها تكْمن في البرمجيات، وهذا ما تبيّن بعد أيامٍ على متن القارب Candela C-8.

قارب C-8 الذي طورته شركة كانديلا، وقارب N30 الذي طورته نافييه، مجهزان ويُوظفان التقنية المتطورة للزعانف النشطة لتوفير رحلات إبحار مريحة.

SailGP
قارب C-8 الذي طورته شركة كانديلا، وقارب N30 الذي طورته نافييه، مجهزان ويُوظفان التقنية المتطورة للزعانف النشطة لتوفير رحلات إبحار مريحة.


يرتكز تصميم قارب عطلات نهاية الأسبوع هذا، الذي يبلغ طوله 28 قدمًا، إلى نظام الزعانف النشط المتطور الذي يتألف من مستشعرات لارتفاع الأمواج، وجهاز جيروسكوب، ومقاييس للتسارع، وكلها ترسل البيانات بمعدل 500 مرة في الثانية إلى وحدة التحكم المسؤولة عن إدارة ميلان الزعانف وزاويتها وارتفاعها.

في مناسبات عدة، رفض القارب C-8 تحريك الزعانف، كما أرجعها إلى الوراء على نحو غير متوقع. أُلقي اللوم على خلل برمجيّ على مستوى المحوّل العاكس، ومن ثم حُلّت المشكلة عن بُعد من مقر كانديلا في ستوكهولم، حيث يعمل 40 موظفًا من أصل 200 في قسم الهندسة.

قدّم قارب C-8 أداءً قويًا حين أُعيد تشغيله، إذ كان توجيهه سهلاً، كما كان صوته خفيضًا بالرغم من أنه قاربٌ مكشوفٌ، وهذا ما سهّل إجراء المحادثات حتى في حجرة القيادة.

سيجري تجهيز الطرز الجديدة من هذه القوارب بمثل البطاريات التي جُهزت بها سيارة بولستار 2 الكهربائية، ما يَزيد مداها من 40 ميلاً بحريًا إلى 57 ميلاً بحريًا ويُتيح شحنها بسرعة في غضون 40 دقيقة. لكن مشاكل البرمجيات، مثل تلك التي واجهناها، تفرض عقبة حقيقية عند الإبحار بالقوارب خارج ساعات العمل. كما أن هذه البرمجيات تتحكم في وظائف السلامة، مثل منع المُناورات الحادة وإعادة القارب إلى المنزل عند نفاد البطارية.

هل تُصبح القوارب السريعة المُزعنفة شائعةً؟ تُؤمِن شركة كانديلا، العلامةُ الوحيدة التي تمتلك خط إنتاج في هذه الفئة، بأنها المستقبل. أضف إلى ذلك أن العديد من أحواض بناء السفن الضخمة، بما في ذلك بعض شركات اليخوت الفاخرة، بصدد وضع هذا الابتكار قيد الاختبار.

يقول بيكر: "يُعدّ تصميم قاربٍ مُحلّق تحديًا تقنيًا حقيقيًا. ولكن تقنية الزعانف تُتيح استهلاك خُمُس الطاقة التي تستهلكها القوارب السريعة المماثلة الحجم. وبارتفاع أسعار الطاقة، قد تَرْجح كفّة القوارب المزعنفة".