من المقرر أن توقِف وكالة ناسا عمل محطة الفضاء الدولية (ISS) نهاية هذا العقد، وذلك بعد قضائها أكثر من ربع قرن في مدار الأرض، والسبب أنها تتوخى التركيز على استكشاف الفضاء السحيق والرحلات إلى القمر والمريخ. وبهذا سيصبح المدار الأرضي المنخفض، الذي يرتفع فوق الغلاف الجوي على مسافة 250 ميلاً، قبلةً مفتوحة أمام شركات الفضاء التجارية. ويبدو أن وكالة ناسا تُؤيد هذا التغيير، إذ إنها تدعم شركات التطوير الخاصة بمِنَحٍ عديدة، ما يُبشّر بإطلاق حُمّى جديدة قوامها البحث العلمي والسياحة الفضائية.

شركة "سبيس أدفنتشرز"

يقول توم شيلي، رئيس شركة "سبيس أدفنتشرز" Space Adventures التي دأبت على إرسال المدنيين إلى محطة الفضاء الدولية منذ عام 2001: "خلال السنوات الخمس أو العشر المقبلة، ستوجد محطة فضائية خاصة واحدة على الأقل في مدار الأرض، أو اثنتان". وبالرغم من أنه متأكد من الإطار الزمني لهذا المشروع، إلا أن التفاصيل الدقيقة تظل غامضة، إذ يقول موضحًا: "من المبكر جدًا الجزمُ بحجم المحطة وهيئتها".

ستتنقّل مركبة Tenacity التي طورتها شركة Sierra Space بين الأرض ومحطة "أوربيتال ريف".

Nasa
ستتنقّل مركبة Tenacity التي طورتها شركة Sierra Space بين الأرض ومحطة "أوربيتال ريف".

شركة "فاست سبيس"

أسس رائد الأعمال في قطاع العملات المشفرة، جيدْ ماكالِبْ، شركة "فاست سبيس" Vast Space، وهي شركة ناشئة مقرها كاليفورنيا تعتزم أن تكون السبّاقة إلى مدار الأرض. تُخطط الشركة لإرسال وحدة Haven-1 إلى المدار في عام 2025 على متن صاروخ سبيس إكس فالكون 9، لتضع بذلك اللبنة الأولى للمحطة الجديدة. وبعدها، ستلتحم مركبةُ سبيس إكس دراغون، المثبتة على صاروخ آخر من طراز فالكون (استأجرته شركة فاست)، بوحدة Haven-1، ما سيتيح لأربعة سياح فضاء قضاء بضعة أيام في المحطة.

من المرجح أن يصل قطر وحدة Haven-1 إلى 12 قدمًا وطولها إلى 36 قدمًا، بيد أن شركة فاست تُخطط أيضًا لبناء "محطة فضائية بطول 330 قدمًا، تتمايز بجاذبية اصطناعية ووحدات متعددة"، وفقًا للرئيس التنفيذي ماكس هاوتْ. ويقول هاوت: "إن تركيزنا ينصبّ على حل مشكلة الجاذبية الاصطناعية، وتحقيق ذلك من شأنه تحويل الخيال العلمي إلى حقيقة واقعة".

من المرجح أن تُطلق شركة نورثروب غرومان محطة الفضاء التجارية في عام 2027.

Nasa
من المرجح أن تُطلق شركة نورثروب غرومان محطة الفضاء التجارية في عام 2027.

شركات ناشئة أخرى

تُنافس شركات ناشئة أخرى على إطلاق محطات الفضاء، بالإضافة إلى شركات الطيران المعروفة: قد تبدأ نورثروب غرومان في تشييد محطتها ابتداءً من عام 2027، على أن تتضمن المرحلة الأولى من المشروع إرسال أربعة رواد فضاء. تشهد هذه المنافسة أيضًا مشاريع تعاون بين الشركات الناشئة والمعروفة، على ما هو عليه حال الشراكة التي أقامتها شركة "فوياجر سبيس" Voyager Space التي يقع مقرها في كولورادو مع قسم إيرباص للدفاع والفضاء.

تتوخى الشراكة تطوير محطة "ستارلاب" Starlab وتشييدها وتشغيلها، وهي قاعدة فضائية ستكون مأهولة على الدوام، ومن المقرر إرسالها إلى المدار على متن صاروخ واحد ثقيل قبل توقف محطة الفضاء الدولية عن العمل. جدير بالذكر أن مجموعة فنادق هيلتون ستكون مسؤولة عن تصميم أجنحة رواد الفضاء في هذه المحطة.

فضلاً عن ذلك تتعاون شركة "سييرا سبيس" Sierra Space، التي يقع مقرها أيضًا في كولورادو، مع شركة بلو أوريجين التابعة لجيف بيزوس، وشركة بوينغ، إلى جانب خبراء البنية التحتية الفضائية في شركة "ريد واير" Redwire، بهدف إطلاق "محطة فضاء تجارية متعدد الاستخدامات" باسم "أوربيتال ريف" Orbital Reef بحلول عام 2027. وستشتمل هذه المحطة على فندق ومطعم ومختبرات، ما سيتيح تقييم المنتجات في ظروف الجاذبية الصغرى.

يُتوقع أن تدخل محطة ستارلاب المدار الأرضي المنخفض سنة 2028.

Nasa
يُتوقع أن تدخل محطة ستارلاب المدار الأرضي المنخفض سنة 2028.


أما التعاون بين شركة "أكسيوم سبيس" Axiom Space وشركة سبيس إكس، فإنه يسعى إلى أن يكون عام 2026 تاريخَ إكمال المرحلة الأولى من مشروع المحطة المشتركة، والتي سيستفيد طاقمها من أماكن إقامة بتوقيع المصمم فيليب ستارك. جدير بالذكر أن هذه الإقامات ستكون مفتوحة في وجه الحكومات ورواد الأعمال الراغبين في استكشاف فرص البحث والتطوير الجديدة المحيطة بهم، إن جاز هذا التعبير.

لكن مَقام السياحة الفضائية سيظل دومًا ثانويًا في البعثات التي ترعاها الحكومة. وفي هذا يقول شيلي: "تَبقى المحطة الفضائية في مدار الأرض طيلة 365 يومًا كل سنة، لذلك تحتاج الشركات التي تعتزم إطلاقها إلى تقديم أفضل المبررات التجارية المؤيدة لهذه المشاريع". ويُشير شيلي إلى أن "بعض الشركات المُطوّرة لا تهتم كثيرًا بجذب اهتمام نخبة المواطنين، لكن بعضها الآخر يتوق إلى معاينة الإسهامات التي قد يُضيفونها".

وفيما يلفت هاوت إلى أن فاست سبيس تنتمي إلى الفئة الثانية من الشركات، لا يُخفي أن مصطلح "سائح الفضاء" يُضايقه. وفي هذا يقول: "هؤلاء أفراد عاديون ومغامرون حقيقيون، يهمّهم تعزيز فهم البشرية للفضاء أكثر مما تهمّهم زيارة فندقٍ في مدار الأرض". لكن الواقع سيكون على الأرجح خليطًا من الرؤيتين، وهو ما يطرح السؤال التالي: ما المانع في أن يحظى المرء بوقت ممتع داخل فندق مُعلق في الفضاء؟