تمكن باحثون من فك رموز مخطوطة قديمة احترقت بالكامل في أثناء الانفجار البركاني الذى دمر مدينة بومبيي منذ ما يقرب من 2000 عام.
الذكاء الاصطناعي ينجح في قراءة مخطوطة PHerc. 172
تُعد هذه المخطوطة واحدة من مئات المخطوطات التي عُثر عليها في مكتبة قصر رومانى فى هيركولانيوم، وهى بلدة تقع على الساحل الغربي لإيطاليا، والتي تعرضت للتدمير عندما ثار بركان جبل فيزوف عام 79 بعد الميلاد، وفقًا لما نشرته صحيفة غارديان البريطانية.
المكتبة الضخمة تُعرف باسم فيلا البرديات Villa of the Papyri، وكانت ملكيتها تعود إلى والد زوجة يوليوس قيصر لوسيوس كالبورنيوس بيزو كيسونينوس. ويُعتقد أن مخطوطات البردي البالغ عددها 1785 مخطوطة في المكتبة تحتوي على نصوص فلسفية وأدبية مهمة لعلماء يونانيين ورومانيين بارزين.
المخطوطة المعروفة باسم PHerc. 172، والتي جرى فك شفرتها حاليًا باستخدام خوارزميات التصوير بالأشعة السينية والذكاء الاصطناعي، محفوظة في مكتبات بودليان بجامعة أكسفورد في المملكة المتحدة. ومن بين الكلمات اليونانية القديمة التي جرى تفكيكها διατροπή التي تكررت في عدد من مخطوطات هيركولانيوم الأخرى والتي تعني شيئًا مثل الارتباك أو الاضطراب أو الاشمئزاز. تظهر الكلمة مرتين في بضعة أعمدة من النص، ولكن ما تشير إليه بالضبط غير معروف حتى الآن.
وبالمثل، في جزء آخر، تسلسل الحروف اليونانية τυγχαν هو بداية الفعل τυγχάνω، الذي يعني "أن يحدث"، وقد ظهر الحبر الذي دُوّنت به هذه الحروف أكثر وضوحًا في الأغلفة الخارجية للمخطوطة، وفي بعض الحالات، كان واضحًا فقط في كل سطر آخر، ما يشير إلى أن الكاتب غمس قلمه مرة كل سطرين.
يُذكر أن تحدي فيزوف هو مسابقة تقدم جوائز مالية في دايموند، منشأة السنكروترون الوطنية البريطانية في أوكسفوردشاير، لمن يسهم في فك شفرة المخطوطات باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، حين لا يمكن فتح المخطوطات المحترقة بسبب هشاشتها.
أعلن تحدي فيزوف عن نتائج فك الشفرة قائلًا: "تقدم المخطوطة دلائل تشير إلى أن مؤلفها المحتمل هو فيلسوفنا المفضل الشاعر الأبيقوري فيلوديموس. هناك بعض الأدلة الأولية التي تدعم هذا الاتجاه، إذ تشير أشكال الحروف في هذا المخطوط إلى أنه كُتب في القرن الأول قبل الميلاد، وهي تتشابه مع الخط المستخدم في مخطوطات أخرى منسوبة إليه".
وقال الدكتور برنت سيلز: "نحن سعداء بنجاح تصوير هذه المخطوطة من مكتبات بودليان. تحتوي هذه المخطوطة على نص قابل للاسترداد أكثر مما رأيناه في مخطوطة هيركولانيوم ممسوحة ضوئيًا".
أول عملية تصوير بالأشعة السينية لهذه المخطوطة نُفذت باستخدام آلة سنكروترون في مختبر بأكسفورد، ثم استُخدمت نتائج الفحص لإنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد جري تحليله بوساطة الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، كانت هذه المخطوطة أكثر تعقيدًا من غيرها، نظرًا لكثافة الحبر المستخدم في كتابتها، ما جعل من الصعب على الحاسوب اكتشاف النص.
يركّز التعلم الآلي المستخدم في هذا المشروع على اكتشاف وجود الحبر فحسب، إذ لا تمتلك النماذج أي فهم للغة ولا تستطيع التعرف على الأحرف. ونتيجة لذلك، فإن المرحلة التالية من هذا الجهد متمثلة في نسخ النص وترجمته، وتُوكل إلى خبرة الباحثين المتخصصين.
يعمل الذكاء الاصطناعي بطريقة مشابهة للكتّاب في القرن الثامن عشر، الذين كُلّفوا بنسخ ما يرونه بدقة من المخطوطات من دون فهم محتواها. هذا الافتقار إلى الفهم لا يزال ميزة، لأنه يضمن عدم إدخال أي تعديلات تخمينية أو تفسيرات ذاتية، ما يحافظ على أصالة النص الأصلي.
قال ستيفن بارسونز، رئيس المشروع، لهيئة الإذاعة البريطانية BBC: "نحن واثقون بقدرتنا على قراءة المخطوطة بالكامل. يمكننا أن نؤكد أن المخطوطة مليئة بالنصوص بالكامل، والآن نعمل على جعلها تظهر بوضوح أكبر. سننتقل من بضع كلمات إلى مقاطع نصية كاملة ومهمة".
في العام الماضي، أعلن نات فريدمان، وهو مسؤول تنفيذي في مجال التكنولوجيا في الولايات المتحدة والراعي المؤسس لمسابقة فيزوف، أن فريقًا من ثلاثة طلاب فاز بالجائزة الكبرى للمسابقة وقدرها 700 ألف دولار بعد قراءة أكثر من ألفي حرف يوناني من مخطوطة أخرى من مخطوطات هيركولانيوم.