استطاع العلماء تطوير الألماس الصناعي في عام 1954، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف الجدل حوله. ولا يقتصر الجدل القائم على جواز المساواة بين الأحجار الصناعية والأحجار الناتجة عن الظواهر الجيولوجية الممتدة، بل يمتد أيضًا إلى صوابيّة الموازنة بينها.
يتطابق الصنفان من الناحية الكيميائية ولا يمكن التفريق بينهما بالعين المجردة. لطالما بدا أن الأحجار الثمينة المطوّرة مخبريًا تحل بعض المعضلات الخُلقية والبيئية المتصلة بصناعة الألماس، لكن الزبائن يميلون عمومًا إلى ما يُصنّف نادرًا من دون مواربة. لذلك يتركز الجدل حول "الطابع النفيس والنادر" للألماس، ما دام امتلاكه بات في متناول الجميع.
مع ذلك، حسم السوق القولَ في هذه المسألة، على الأقل في ميدان الزينة. فقد قدّرت مؤسسة الأبحاث Allied Market Research أن قيمة صناعة الألماس المطوّر مخبريًا في عام 2022 بلغت نحو 24 مليار دولار.
لكن في شهر مايو المنصرم، أعلنت شركة دي بيرز، المؤيدة منذ زمن طويل لتطوير الألماس مخبريًا، أن علامتها الفرعية Lightbox المتخصصة في إنتاج هذا النوع من الألماس قررت خفض أسعارها من 800 دولار إلى 500 دولار للقيراط الواحد.
وتعزو ساندرين كونسييه، الرئيسة التنفيذية لسائر العلامات المنضوية تحت اسم دي بيرز، هذا التعديل إلى "ارتفاع العرض عبر الإنترنت في الصين والهند"، كما تشير إلى أن هذا القرار "يعكس التوجّهات المختلفة في قطاع الألماس المطوّر مخبريًا".
في وقت لاحق من الشهر نفسه، تحديدًا في معرض جي سي كي التجاري في لاس فيغاس، أعلنت مجموعة دي بيرز عن استراتيجيتها الجديدة الممتدة لخمس سنوات تحت عنوان "أوريجينز" Origins، والتي تسعى من خلالها إلى "رفع القيمة وإحياء الرغبة في امتلاك الألماس الطبيعي".
في سياق هذه الخطة، ستوقف شركة "إليمنت سيكس" Element Six التابعة للمجموعة والمتخصصة في تطوير الألماس مخبريًا مختلف عمليات الإنتاج الموجهة لقطاع الجواهر من أجل التركيز كليًا على التطبيقات الصناعية.
هل يعني هذا أفول نجم الألماس الصناعي؟ تَشغل هيلين مولزوورث منصب رئيسة أمناء قسم الجواهر في متحف فيكتوريا وألبرت في لندن، كما أنها مؤلفة كتاب Precious: The History and Mystery of Gems Across Time (نفائس: تاريخ وأسرار الأحجار الكريمة عبر التاريخ).
وفي سياق تعليقها على الموضوع، تُثني على دور التكنولوجيا في جعل "هذا الحجر النفيس في متناول الجميع"، لكنها تشير أيضًا إلى أن "الأحجار الصناعية لا تستوفي الشروط التقليدية للأحجار الكريمة، لا سيما معايير الجمال والمتانة والندرة".
وتستطرد مولزوورث قائلةً: "لا شك في أن الألماس المطوّر مخبريًا جميل ومتين، مثل نظيره الطبيعي، لكنه ليس نادرًا. فحقيقة استخراجه من المختبر، وليس من قلب الأرض، تطرح عنه ثوب الحُسن والتألق".
ينبغي الإشارة أيضًا إلى أن إنتاج الأحجار النفيسة مخبريًا يتطلب كميات هائلة من الطاقة، وفي هذا تقول كونسييه: "تُنتج الصين والهند القسم الأكبر من الألماس المطوّر مخبريًا باستخدام الكهرباء المستندة إلى الوقود الأحفوري"، ما يُذهِب أدراج الرياح تلك الفوائد البيئية المزعومة لتطوير الألماس مخبريًا.
بغض النظر عن طريقة إنتاج الألماس، فإن فوائده المادية تظل قائمة. إنه أصلب مادة طبيعية على وجه الأرض. بل إن الابتكارات التقنية المتطورة مثل القضبان النانوية، المعروفة أيضًا باسم الألماس الفائق، لا تضاهيه من حيث الصلابة.
ولا مجال أيضًا لإنكار جاذبيته. بالإضافة إلى ذلك، يمكن التلاعب بالأحجار الصناعية، على عكس الأحجار "الطبيعية". وخير دليل على ذلك ساعة الكرونوغراف المذهلة TAG Heuer Carrera Plasma، التي تتباهى بألماس غير منتظم القطع مدمج في الميناء والمؤشرات والعلبة والسوار، وحتى في التاج المرصع بألماسة مطوّرة مخبريًا بقطع لا نظير له.
إن معظم الألماس المتلألئ على الساعة، إن لم نقل كله، ما كان ليتخذ هذه الهيئة لو كان ألماسًا طبيعيًا. لذلك، من الجائز القول إن ما تحتاج إليه صناعة الألماس المطوّر مخبريًا هو مزيد من الإبداع، وليس مزيدًا من التهويل.
يقول أميش شاه، مؤسس شركة ALTR الواقعة في نيويورك والمتخصصة في تطوير الألماس مخبريًا: "يتيح الألماس الصناعي التحرر من القيود وتصوّر منتجات يتعذر تزيينها بالألماس المستخرج من قلب الأرض".
يَذكر شاه على سبيل المثال أن أحد الزبائن الذين تواصلوا مع شركته طلب معونة فريقه لتصميم سقف سيارة مخصصة تتضمن أضواء ليزر داخلية.
لقد أراد ألماسات رمادية وسوداء مطوّرة مخبريًا تتوافق مع لون السقف بما يتيح تحريض ظاهرة الانكسار في مختلف أرجاء المقصورة عند تشغيل الأضواء. ويقول شاه: "إنها السيارة الوحيدة التي تشتمل على أضواء مماثلة وعلى ألماسات مثبتة في السقف".
لنطرح مثالاً آخر من شركة Future Rocks الواقعة في هونغ كونغ والمتخصصة في ابتكار خواتم مصنوعة من الألماس المطوّر مخبريًا.
يقول أنتوني تسانغ، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي للشركة: "صيغ الخاتم من قطعة واحدة من الياقوت الأبيض المطوّر مخبريًا، وكانت زنته الأصلية تبلغ 60 قيراطًا، لكننا شحذناه يدويًا إلى أن صارت زنته تُراوح بين ستة قراريط وثمانية قراريط".
ويضيف تسانغ: "بعدها، أضفنا إليه هيكلاً من الذهب زنة 18 قيراطًا، ليحتضن الألماسة المطوّرة مخبريًا والتي تبلغ زنتها قيراطين". من عهد قريب، طرحت العلامة نسخة مذهلة من الألماس الأصفر باسم Blondie.
وفي هذا يقول تسانغ: "أرى أن ينحو قطاع الألماس المطوّر مخبريًا وقطاع الأحجار النفيسة الصناعية نحو السبل الإبداعية"، ويصف هذا النهج باسم "تصميم الابتكار".
تتوقع مولزوورث أن "ينفصل القطاعان ماليًا وعاطفيًا"، ويبدو أن هذا الانفصال قد انطلق حقيقةً. فلماذا لا نستغل ذلك؟ لماذا لا نُدمج الألماس الصناعي وغيره من الأحجار النفيسة الصناعية في الأثاث والسيارات والسلع المنزلية واليخوت؟
إننا نعيش في زمن يعِد (أو يُنذر) ببلوغ أعلى مستويات الإبداع البشري من خلال توظيف الذكاء الاصطناعي للإتيان بابتكارات تُضاهي مآثر دون جيوفاني وهاملت وكنيسة سيستين في دقائق معدودة. ولكن الذكاء الاصطناعي والألماس المطوّر مخبريًا كلاهما نتاج الإبداع البشري، أي أن طريقة استخدامهما منوطة أيضًا بنا.
تقول مولزوورث: "نتزيّن بالأحجار الكريمة لنعبّر عن أنفسنا، عن هويتنا وانتمائنا ومكانتنا في المجتمع وما نؤمن به وما نوليه أهمية كبيرة". لن يتغير هذا الحال في قادم الأيام، وبما أن الندرة قيمة هزّت التكنولوجيا قواعدها، فإن الاستخدامات الجديدة للألماس المطوّر مخبريًا ستكشف عن قدرتنا على توسيع حدود الخيال.
نيك سكوت هو رئيس تحرير مجلة Robb Report المملكة المتحدة. وفي منطقة لندن-إسيكس التي قضى فيها سنوات نشأته، كانت عبارة Diamond Geezer تعني "الشخص الموثوق".