يحتل العود مكانةً متميزةً بين عطور الشرق منذ قرونٍ طويلة. وخلال العقد الماضي شغل العود بيوت العطور الأشهر حول العالم، إذ عملت على دمجه في إبداعاتها العطرية، والتنافس في هذا المضمار، تلبيةً لذائقة عشاق هذا العالم الملتحف بنسائم الشرق وسحر أساطيره.
ولا يتوقف استخدام العود هنا عند حدوده كعطر، تدوم رائحته لفترة ربما تصل لأيام حسب جودته، بل يمتد تأثيره لينعكس أيضًا على تحسين الحالة المزاجية والنفسية، مع ما يثيره من أحاسيس رائعة بالتميز والفخامة.
ومن ثم فقد امتدت استخدامات العود ودهونه إلى صناعة الأدوية الطبية ومستحضرات التجميل والعناية، الأمر الذي أدى إلى زيادة كبيرة في الطلب، في ظل ندرة الأشجار التي يستخرج منها هذا الدهن الأغلى في العالم، وهو ما أدى أيضًا إلى خلط البعض للعود الطبيعي النقي بمكونات أخرى للتحايل على تلك الندرة وتبعاتها السعرية، وهي أمور لا يستطيع كشفها سوى الخبراء في هذا المجال، كخلط العود بمسك الغزال المذاب في زيت القطن أو زيت اللوز وغير ذلك من المكونات، في وقت تشهد فيه أسعار العود الطبيعي ارتفاعًا مستمرًا وكبيرًا لكل ما أشرنا من أسباب.
فما هي أغلى أنواع العود؟ ولماذا؟ وكيف تبدو رحلته الطويلة حتى يصل إلينا؟

رحلة شاقة ومكلفة

بحسب الخبراء فإن وصول العود إلينا سواء في شكل عطور أو بخور هي رحلة شاقة ومكلفة، تنعكس بالتأكيد على أسعاره، إذ تستخرج مادته الخام من شجرة العود النادرة التي لا تنمو إلا في مناطق معينة بدول جنوب شرق آسيا وشمال شرق الهند.

ولكن وجود الشجرة لا يعني بالضرورة وجود العود، إذ إن مادة العود الخام لا تتكون إلا إذا أصيبت الشجرة بنوع من البكتيريا التي تنفذ من أي ثقوب أو جروح بالشجرة إلى جوف جذعها، ومن ثم فإن الشجرة تفرز مضادات خاصة لمقاومة هذه البكتيريا الدخيلة. وفيما تستمر هذه المعركة لسنوات قد تصل إلى خمسة عشر عامًا أو عشرين عامًا أو أكثر، فإنها تخلف هذا التأكسد لأجزاء داخل الجذع، مكونة النسيج الخشبي الأغلى للعود الخام.

أغلى أنواع العود في العالم

قد تكون هذه العملية طبيعية، بمعنى أن تكون الشجرة قد ثُقبت أو جُرحت بشكل طبيعي خلال مراحل عمرها وتفاعل البيئة المحيطة معها. وقد تكون العملية صناعية يطلق عليها الخبراء عملية الاستزراع، وفيها يُثقب جذع الشجرة في أماكن متفرقة ويُحقن بمادة سكرية، لحث الشجرة على إفراز مضادات الأكسدة التي تتفاعل مع الرطوبة الشديدة في هذه المناطق على مدار سنوات تتجاوز الخمسة عشر عامًا على الأقل، مكونة مادة العود الخام في جوف الشجرة.

ببلوغ الشجرة العمر المطلوب بعد مرور سنوات الإصابة المحددة، تُفحص عن طريق تعرية لحائها الخارجي في مناطق الثقوب. وفور التأكد من تحقق الهدف ورؤية نتائج التفاعلات في جوف الشجرة والتي هي بدورها دليلاً على تكوّن العود، تُقطع الشجرة لاستخراج هذا الكنز الدفين في جذعها من خلال عملية دقيقة ومعقدة.

تبدأ العملية بقطع المناطق المصابة بالبكتيريا من جذع الشجرة، وتنظيفها من مخلفات تفاعلات البكتيريا مع خلايا الجذع الميتة، ثم يستخرج من الجذع الأجزاء القاتمة في سياق عمليات يدوية دقيقة لنحت عيدان العود الخالصة من الشوائب. وباستخلاصها تُنشر في الشمس الحارقة للتجفيف، ومن ثم نكون قد حصلنا على العود في صورته الخام، بينما يجري طحنه أو طحن الأجزاء الصغيرة المفتتة وتجفيفها لصنع البخور، أو لاستخدامها في صناعة دهن العود الذي يستخدم في صناعة العطور.

وللحصول على دهن العود يجري تفتيت العود الخام لقطع صغيرة، ثم تخميره لمدة تراوح بين 6 إلى 8 أشهر. بعدها تتم عملية التقطير والتعتيق باستخدام معدات خاصة، فتبدأ عملية التقطير بغلي هذا الخمير بشكل مستمر، مع تقطير البخار المتصاعد، الذي يُترك ليبرد مع تعريضه لأشعة الشمس للتخلص من الرطوبة، التي تتبخر خلال هذه العملية من التعتيق، وبذلك نكون قد حصلنا على دهن العود الطبيعي الصافي والأغلى الذي يستخدم في صناعة الكثير من العطور الفاخرة للرجال والنساء حول العالم.

والحقيقة أن هذه العملية التي استعرضنا خطواتها مكلفة للغاية، كما أنها استثمار يحتاج إلى سنوات طويلة من العمل والعناية، في بيئات صعبة للغاية، حيث الحرارة والرطوبة المرتفعة بين غابات معرضة للنضوب، ومع أشجار في غاية الندرة جرى إدراجها ضمن الأنواع النباتية المهددة بالانقراض.

ولذلك ليس من المستغرب أن تكون أسعار العود النقي أو هذا الراتينج العطري الداكن المستخلص من أشجار العود مرتفعة جدًا. ويكفي أن نقول إنه لإنتاج تولة واحدة فقط (التولة تساوي 12 جرامًا تقريبًا) من دهن العود، نحتاج إلى 24 كيلوغرامًا من خشب العود، فيما قد يصل سعر التولة الواحدة من العود عالي الجودة إلى نحو خمسة آلاف دولار أمريكي.

أغلى أنواع العود في العالم

أغلى أنواع العود

يؤكد الخبراء أن رائحة وخصائص خام ودهن العود تتأثر في تكوينها بعوامل عدة مثل نوع الشجرة وموطنها أو موقعها الجغرافي وعمرها وقت استخلاص العود منها، وكذلك طريقة المعالجة والحصاد والمدة الزمنية بينها وبين الإصابة بالبكتريا. كما أنهم صنفوا أنواع العود من حيث الجودة حسب المناطق والغابات القادمة منها وما تحمله من مميزات خاصة، وهي عوامل تتحكم بالطبع في تحديد الأسعار، ومن ثم تحديد أغلى أنواع العود، ومنها:

دهن العود الهندي:

يعد أغلى أنواع دهن العود في العالم، وتأخذ أسماؤه أسماء حالته أو الشجرة أو حتى الغابة المستخرج منها، كالمعتق، والملكي، والأسام، والسيوفي، والكيارا، والترابي، والكلاكاسي.

دهن العود الكمبودي:

يعد أفضل أنواع دهن العود الفاخرة بعد دهن العود الهندي، ومنه الكلاكاسي الأغلى ثمنًا، والمعتق، وكوكون، والقديم.

دهن العود اللاوسي:

هو من أندر أنواع دهن العود الأصلي، ويُسمّى بعود الأغنياء نظرًا لارتفاع ثمنه، ويتخذ عدة أسماء تجارية لدى الباعة.  

دهن العود الماليزي:

يتميز برائحة مميزة ولون أسود داكن، وله أسماء تجارية عدة تميز درجاته وتصنيفاته.

دهن العود البورمي:

يحظى بشعبية كبيرة لدى الجنسين، ويعد المعتق أفضل أنواعه ثم القديم.

دهن العود التايلاندي:

يتميز بلونه الفاتح، ويعد من أكثر الأنواع طلبًا إذ تعد تايلاند الدولة الأكثر إنتاجًا في العالم للعود، حيث المصانع الأكثر ومن ثم الأسعار الأقل، ومن درجاته البراشين، والتراد، والملكي التايلاندي.

دهن العود الفيتنامي:

يعرف برائحته الهادئة، ويستخدم بكثرة في منتجات التجميل.

دهن العود الإندونيسي:

يتميز بينه المروكي والكلمنتان والأخضر.

وثمة أسماء وصفات ودرجات أخرى مع الكثير من الأسماء التجارية الخاصة أو المتعارف عليها بين تجار العود وصُناعه. واليوم تستثمر كبرى بيوت العطور حول العالم العود بين أسماء منتجاتها عندما تخاطب عشاق عالمه الساحر.