نحن لا نسافر لنرتاح وإن كان هذا ما يُسوّق لنا. نحن نسافر لنكسر التكرار، لنُخرج أيامنا من نسقها المألوف، ونفتح نوافذ جديدة تطل على أنفسنا قبل أن تطل على مدن أخرى.
في السفر لا نبحث عن وجهة فحسب، بل نفتش عن أنفسنا كما لم نرها من قبل، ونمشي في دروب غريبة لا لنهرب بل لنُعيد ترتيب ذواتنا.
هناك، في الشوارع التي لا تحفظ خطواتنا، نكتشف أن الجمال القابع في داخلنا لا يستيقظ إلا عندما نشعر بالانبهار، عندما تهتز أعماقنا ونُلقى في أحضان الدهشة.
التكرار يقتل الحس والسفر يوقظه. ولهذا فإن أجمل الرحلات ليست تلك التي يُخطط لها بعناية، بل تلك التي تُحررنا من الحاجة إلى التخطيط. فهي التي تسمح للزمن بأن يتباطأ ويتمدد ليخبرنا بأسراره، ليس من خلال الساعات الإلكترونية، بل من خلال التفاصيل الصغيرة التي نغفل عنها عندما نكون أسرى الرتابة.
تخيّل أن تُعلق الزمن في معصمك..
كما تعلّق ساعة معقدة تختزل حركة المجرات. معادن ثمينة وتعقيدات هندسية مشغولة بإتقان في جنيف، لم تُصغ لإبهارك فحسب، بل لتهمس بأن الزمن ملك لمن يفهمه.
أنصت لصوت التروس، راقب بشغف وتهيّأ لاكتشاف دهشة اللحظة. بل احرص على ألا تفلت منك خلسة من دون أن تعيشها بما يليق بها من جمال الانبهار.
فاللحظة، مهما بدت عابرة، قد تكون الممر الوحيد نحو أنفسنا. وأنت تدرك أن الزمن لعبة، لكنك ولأول مرة، تعرف قواعدها.