في خطوة طال انتظارها لأكثر من عقدين، كان من المزمع أن يشهد العالم في الثالث من يوليو 2025 الافتتاح الرسمي لأحد أضخم المشاريع الثقافية في التاريخ المعاصر:
المتحف المصري الكبير GEM، ذلك المعلم المعماري الباذخ الذي يتّخذ من جوار أهرامات الجيزة موقعًا استثنائيًا.
ولكن، وعلى الرغم من التحضيرات المستمرة، أعلنت الحكومة المصرية تأجيل الافتتاح الرسمي للمتحف إلى الربع الأخير من العام، في ظل ما وصفه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي "بالتطورات الإقليمية الحالية"، في إشارة ضمنية إلى تصاعد التوترات في المنطقة.
المتحف، الذي يمثل حجر زاوية في رؤية مصر المستقبلية لإعادة تقديم تراثها الحضاري للعالم من قلبها النابض، أوضح في بيان رسمي: "في ضوء التطورات الإقليمية الحالية، تقرر تأجيل الافتتاح الرسمي، على أن يُحدَّد الموعد الجديد بالتنسيق مع مختلف الجهات المعنية بما يضمن تنظيم حدث يليق بمكانة مصر الثقافية والسياحية عالميًا".
وأضاف البيان: "ينبع هذا القرار من المسؤولية الوطنية لمصر والتزامها بتقديم حدث عالمي استثنائي، في أجواء تحتفي بعظمة الحضارة المصرية وتستقطب مشاركة دولية تليق بالمناسبة".
ورغم أن مصر ليست طرفًا مباشرًا في النزاعات الأخيرة، إلا أن السياق الجيوسياسي الدقيق دفعها لاتخاذ قرار يُعبّر عن حسّ استراتيجي يستشرف اللحظة المناسبة لاستضافة حدث ثقافي بهذا الحجم.
منذ إعلان خطط المتحف في عام 1992، واجهت العملية تأجيلات عدة لأسباب مختلفة، من بينها الاضطرابات السياسية أخيرًا، وجائحة كوفيد-19، والتحديات الاقتصادية الداخلية.
ورغم ذلك، جرى افتتاح جزء من المتحف فعُرضت 12 قاعة رئيسة منذ أواخر أكتوبر 2024. ويُنظر إلى الافتتاح الرسمي للمتحف بوصفه حدثًا ثقافيًا وسياحيًا عالميًا يُسهم في تعزيز مكانة مصر في مجال التراث الإنساني والحضارة، خصوصًا مع مشروع تطوير هضبة الجيزة. والأهم من ذلك، يمثل المتحف استعادة للتراث المصري داخل حدوده الوطنية.
ويُعد المتحف المصري الكبير، الواقع على بعد نحو كيلومترين من أهرامات الجيزة، أكبر متحف أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة، وهو ثمرة مشروع ضخم بدأ منذ أكثر من عقدين.
Grand Egyptian Museum (GEM)
ويضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية من مصر القديمة إلى مصر اليونانية الرومانية، من بينها المجموعة الكاملة لكنوز الملك توت عنخ آمون، بما في ذلك 20 ألف قطعة تُعرض لأول مرة، لم يسبق أن رآها أحد، ما يجعل المتحف أكبر منشأة من نوعها في العالم مخصصة لحضارة واحدة. كما يشمل المتحف قاعات عرض ضخمة، ومركزًا للترميم، ومرافق ترفيهية وسياحية تهدف إلى جعل الموقع مركزًا عالميًا للجذب السياحي والثقافي.
وسيكون للملك توت عنخ آمون أربعة أضرحة وقاعة خاصة به تبلغ مساحتها 7500 متر مربع في المتحف، وستعرض أكثر من 5 آلاف قطعة أثرية للملك. كما يضم المتحف أيضًا أحد أكبر مراكز أبحاث الحفاظ على الآثار في العالم، وقد افتُتح في عام 2010.
بلغت تكلفة المتحف حتى الآن أكثر من مليار دولار، بحسب مساعد وزير الآثار المصري للشؤون الأثرية بالمتحف المصري الكبير. بمجرد افتتاحه، سيكون المتحف قادرًا على استقبال 15 ألف زائر يوميًا، ومن المقرر أن يستقبل في الافتتاح التجريبي 4 آلاف زائر يوميًا بحد أقصى.
هذا وقد بدأت مصر تشييد المتحف المقام على مساحة تتجاوز 300 ألف متر مربع في مايو 2005 تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، وبدعم من هيئة التعاون الدولي اليابانية جايكا.
وفي عام 2023، افتتح بهو المتحف المصري الكبير حيث يتربع تمثال ضخم للفرعون رمسيس الثاني. وبعد بضعة أسابيع، أصبح بالإمكان التجول في الدرج الكبير المؤلف من ستة طوابق، والذي يزدان بتماثيل ضخمة ويوفر إطلالة على الأهرامات، لكن القاعات بقيت مغلقة.
وفي نوفمبر 2024 افتتحت 12 قاعة، تحتوي على 15 ألف قطعة أثرية على الأقل، كجزء من تجربة أولية، وقد قسمت القاعات الاثنتا عشرة إلى عصور زمنية مختلفة، بما في ذلك الفترة الانتقالية الثالثة (حوالي 1070-664 قبل الميلاد)، والفترة المتأخرة (664-332 قبل الميلاد)، والعصر اليوناني الروماني (332 قبل الميلاد - 395 ميلادي)، وعصر الدولة الحديثة (1550-1070 قبل الميلاد)، وعصر الدولة الوسطى (2030-1650 قبل الميلاد)، وعصر الدولة القديمة (2649-2130 قبل الميلاد).
وتعرض إحدى القاعات تماثيل "نخبة الملك" وأعضاء العائلة المالكة وكبار المسؤولين الذين عملوا في الجيش والكهنوت والحكومة. وفي ما يُلقب "بالدرج الأعظم" الذي يبلغ ارتفاعه 6 طوابق ويطل على الأهرامات، تعرض الآثار والتحف بما في ذلك التوابيت والتماثيل.
ومع ذلك لا تزال بعض القاعات الكبرى مغلقة حتى موعد الافتتاح الرسمي، بما في ذلك قاعة مجموعة الملك توت عنخ آمون، وقوارب الشمس التي وجدت مدفونة بجوار هرم خوفو، ولم يتم الكشف عنها بعد.