« لا بد من الحفاظ على دقة أداء هذه المعدات حتى في ظل ظروف الملاحة
الأشد قسوة ودرجات الحرارة والرطوبة الأكثر تطرفا بغض النظر عن اندفاع القارب صعودا ونزولا وسط غمار الموج ».
_ ماسيمو بونفيلي Massimo Bonfigli،
مدير المتحف وقسم التراث لدى دار أوليس ناردين
في غرفة الجلوس التي أقيمت على متن يخت فاره، تكمّل تفاصيل البيئة البحرية ساعة كرونوميتر حديثة ومتقنة الصنع تحاكي الساعة ذات الشكل النحتي Atlantis Orbis التي أبدعها الصانع الألماني إيروين ساتلر. يبدو وجود الساعة على متن اليخت مبررًا. صحيح أن النظام العالمي لتحديد المواقع يتولى اليوم المهام الملاحية الصعبة، إلا أن الوضع لم يكن على هذه الحال دومًا. إذ تجلّت الحاجة الماسة في البدايات الحرجة للقرن الثامن عشر إلى معرفة الوقت بدقة في أثناء التنقل بحرًا من أجل البقاء ضمن المسار الصحيح، ساعدت ساعات الكرونوميتر البحرية على تحديد الجزء الأكبر من المزايا التقنية التي تشتمل عليها اليوم كل ساعة معصم.
بينما كانت خطوط العرض في البحر تُحدد بشكل مباشر نسبيًا عبر الاسترشاد بالنجوم، كان العثور على خطوط الطول على كرة دوارة في ظل غياب أي مرجع ثابت، يشكّل مهمة أكثر صعوبة. كانت المهمة تقتضي نظريًا مقارنة وقت الظهيرة في الموقع المحلي (وقت بلوغ الشمس أوجها في كبد السماء) بحسب ما تبيّنه آلة السدسية بوقت الحدث نفسه في موقع محدد. وبسبب أن الحاجة كانت ملحة لإيجاد ساعة دقيقة بما يكفي لقياس الوقت في أعالي البحر، عرض المجلس الإنجليزي لتحديد خطوط الطول في البحر جائزة بقيمة 20 ألف جنيه إسترليني لآلة قياس الوقت التي تثبت فاعليتها في تحقيق المهمة المرجوة.
تشمل أفضل الحكايات الشهيرة في قطاع صناعة الساعات قصة صانع الساعات الإنجليزي جون هاريسون الذي عمل طيلة 30 عامًا على سلسلة من آلات قياس الوقت الضخمة والمعقدة التي خصصها لهذه الغاية. عندما نجح هاريسون أخيرًا بسبب ساعته H4 (التي تحاكي بحجمها ساعة للجيب) في الحصول على الجائزة من مجلس تحديد خطوط الطول الذي بدا مكرهًا على الدفع، كان صنّاع آخرون في فرنسا، على غرار بيار لو روي، وفرديناند بيرتهود، قد شرعوا يقدمون تصاميمهم الخاصة لساعات تخدم الغرض نفسه. كان يجدر بكل واحد من هؤلاء الصنّاع أن يبتكر آلية ساعة تُعبأ ذاتيًا دون الحاجة إلى إيقافها وتُحافظ على دقة أدائها وسط أمواج البحر العاتية وفي ظل تقلب درجات الحرارة.
ساعة من تصميم بيرتهود.
بموازاة ذلك، نجح جيل جديد من صنّاع الساعات في إنجلترا، ومن بينهم جون أرنولد، وتوماس إيرنشو، في أن يقدموا النسخ الأخيرة من ابتكاراتهم داخل صناديق خشبية وفي أطر ثنائية المحور لضمان بقاء آلة الوقت في الوضعية المفضلة (أي بقاؤها مواجهة إلى أعلى) حتى عندما تندفع السفينة صعودًا ونزولاً وسط غمار الموج». بحلول أواسط القرن التاسع عشر، باتت ساعات الكرونوميتر البحرية الميكانيكية تشكل جزءًا أساسيًا من منظومة الملاحة، بل إنها لم تُستبدل بها آلات الكوارتز، ولاحقًا النظام العالمي لتحديد المواقع إلا بعد مرور قرن كامل على ابتكارها.
بين مد وجزر
1714
أسست إنجلترا مجلس تحديد خطوط الطول في البحر، وأطلقت جائزة لآلات قياس الوقت البحرية المتميزة بدقة أدائها.
1759
انتهى جون هاريسون من بناء ساعته البحرية H4.
1766
عمد بيار لو روي، مبتكر ميزان الساعة بتصميم النابض ذي النصل بالغ الرقة، إلى بناء آلة كرونوميتر معززة بميزان يتيح تصميمه تعويض تأثير الحرارة، ومجهزة بنابض فاعل لعجلة الاتزان.
1770
عُيِّن فرديناند بيرتهود صانع الساعات المعتمد لدى سلاح البحرية الفرنسي.
1771
أنتج جون أرنولد آلة كرونوميتر مرتبة في صندوق من الماهوغاني. وقد ضمَّن أرنولد آلته ذات التكلفة الاقتصادية المقبولة نسبيًا نابض ميزان حلزونيًا يسمح بتعويض التأثير الحراري.
1772
في الرحلة عبر المحيط الهادئ، حمل القبطان جيمس كوك على متن سفينته عددًا من ساعات الكرونوميتر التي أبدعها جون أرنولد، وساعة تستلهم التصميم الذي ابتكره جون هاريسون.
1801
سهَّلت آلة الكرونوميتر البحرية المثبتة في إطار ذي محورين، والتي ابتكرها طوماس إيرنشو، مهمة البعثة المعنية بوضع خرائط أستراليا.
1876
بدأت أوليس ناردين بإنتاج ساعات الكرونوميتر البحرية من طراز Grand Format Admiralty مستخدمة فيها أجزاء تبادلية، ما سمح بتعزيز الدقة وتقليص التكلفة. واظبت الدار على إنتاج هذه الساعات حتى سنة 1975.
أوليس ناردين.