تشكل اللمسة الفردية الميزة التي تعلو بنسيج هاريس تويد الأصيل وعالي الأداء
يجسِّد نسيج هاريس تويد القماش الأعلى تميزًا المصنوع حسب الطلب. هذا القماش الذي ينكب أفراد من النساجين بكثير من الجد والتأني على غزل خيوطه في منازلهم، مستخدمين في ذلك أنوالاً لم تتبدل منذ قرون، قد يُعدّل بما يتماشى مع أي رغبة. لا حدود للنقوش والألوان التي يتيحها هذا النسيج، بدءًا من الأقمشة التقليدية التي تزهو باللون البني أو الأخضر المائل إلى البني، أو تلك التي تتزين بنقوش هرينغبون ذات الألوان المموهة التي تليق بملابس الصيادين، وصولاً إلى الخامات المزدانة باللون القرمزي أو الأصفر والمفضلة لدى فيفيان ويستوود أو إيف سان لوران. بل يمكن حتى تعديل نمط الحبك ليتلاءم إلى أقصى حد ممكن مع الغاية النهائية لاستخدام النسيج. أما غرض الاستخدام الأكثر شيوعًا، فيبقى بالطبع حياكة الملابس. عندما يكون نسيج هاريس تويد مخصصًا لحياكة سترة تشكّل نعومة خامتها ومتانتها عنصرين أساسيين فيها، يُشد إلى الأنوال ما مجموعه 1٫400 خيط من خيوط السداة. كما يُعتمد هذا النسيج بشكل منتظم أيضًا في خامات الأثاث، كالمساند أو الأغطية أو حتى كسوة الأرائك والكراسي، ويُستخدم في حبكه إذا ذاك 1٫600 خيط لضمان قدر أكبر من الاستدامة.
الواقع أن الثابت الوحيد في عملية غزل نسيج هاريس تويد يكمن في المسار الإنتاجي الذي يخضع لمراقبة صارمة من أجل صون مستوى الجودة. سُجِّل أول وسم للجودة في مطلع القرن العشرين، وتمثَّل في شكل جرم سماوي مكلل لا يزال يُدمغ بالشمع فوق كل رزمة من القماش. كان في هذا الرمز، الذي يُعد مرادفًا دقيقًا للمكانة الملكية، إيحاء صريح إلى الملك إدوارد الثامن، الذي يعزى إليه انتشار هذا النسيج الصوفي في أوساط أرستقراطيي بريطانيا. أدرك الملك أن نسيج هاريس تويد مثالي للمغامرات في الأرياف والاستمتاع بالحياة في الهواء الطلق. هذا النسيج المقاوم لنفاذ الهواء وبشكل كبير لنفاذ الماء، كان «عالي الأداء» حتى من قبل أن يشيع هذا المصطلح.
لطالما افتُتنت العائلة الملكية بسلسلة جزر أوتر هيبريديز الواقعة قبالة الساحل الغربي لاسكتلندا، عند الطرف الأقصى من الجزر البريطانية قبل بلوغ أمريكا الشمالية (بل إن الأمير تشارلز أمضى في تلك الجزر سنة كاملة يعتز بها، وكان آنذاك متنكرًا في هيئة مراهق يعمل في إحدى المزارع). هناك كانت بداية معرفة ابن الملكة فيكتوريا وخلفها على العرش، بنسيج هاريس تويد الذي كان يُنتجه في الأصل فلاحو الكفاف ومستأجرو الحقول من سكان تلك الجزر. فإذ كان هؤلاء عازفين عن تبديد صوف الخراف التي يربّونها، عمدوا إلى بناء أنوال يدوية متخلخلة وظلوا يمضون الأمسيات وهم يغزلون الصوف ويحبكون خيوطه في هيئة قماش مثالي لخشونة الحياة في تلك الجزر.
في أيامنا هذه، لا بد من أن يُنتج نسيج هاريس تويد بالطريقة القديمة نفسها. لا بد أن تُبتكر كل قطعة من هذا النسيج في جزر هيبريديز، حيث تُغزل الخيوط يدويًا وتُحبك يدويًا وتُصبغ وتُصقل باللمسات النهائية. تقتضي هذه الخطوة العملية الأخيرة تثبيت الأصباغ، وتقليص الخيوط المحبوكة لتعزيز مستوى مقاومتها لنفاذ الماء، ثم نفش النسيج الصوفي لجعله أكثر نعومة.
لا ينطوي طلب قماش من نسيج هاريس تويد بنقش مبتكر حسب الطلب على أي تعقيدات. فهذه الصناعة بُنيت على أساس الإنتاج ضيق النطاق والطلبات المحدودة. يكفي أن تتصل بأحد مصانع غزل النسيج الناشطة في هذه الجزر، على غرار شركة هاريس تويد هيبريديز التي تقوم مقام الوسيط بين الزبائن وما يزيد على نحو 140 نسَّاجًا مستقلاً ما فتئوا يمارسون هذه الحرفة. يمكنك طلب 50 مترًا (أي نحو 164 قدمًا) من نسيج التويد كحد أدنى، وتراوح المدة الزمنية اللازمة لإنجاز طلبك بين 12 أسبوعًا و14 أسبوعًا. يعمل في المصنع فريق متخصص في التصاميم يتولى ابتكار نقش أولي يُعرض على الزبون للموافقة كما هو الحال عند نحو ألف زبون سنويًا يتفاوتون بين أفراد وشركات. ما إن يحظى التصميم بموافقة الزبون، حتى يعمد المصنع إلى توفير الخيوط وشدّها إلى نول النسّاج، وفي مرحلة لاحقة إلى الاهتمام بعملية الصقل النهائية. تتفاوت أسعار نسيج هاريس تويد بين 50 دولارًا و75 دولارًا للمتر الواحد.
أما الخيار الآخر المتاح للزبون، فيتمثل في زيارة موقع الإنتاج والإشراف شخصيًا على مسار ابتكار النسيج. إن بعض النسّاجين يتعاملون مباشرة مع الزبائن دون الاعتماد على المصانع لكي تقوم بدور الوسيط. يُعد دونالد جون ماكاي واحدًا من أفضل هؤلاء النسّاجين. يستقبل ماكاي طلبات الزبائن الخاصة مباشرة بحد أدنى للطلب يعادل 25 مترًا من نسيج التويد، فيما التكلفة ومهل الإنجاز تشابه ما هي عليه في حال تقديم الطلب من خلال أحد المصانع. كما يمكن لهذا النسّاج ابتكار الأقمشة لحياكة الملابس ولتنجيد الأثاث على حد سواء. إن كان ماكاي لا يستخدم خدمة البريد الإلكتروني، فإنه في المقابل يجيب عن الاتصالات الهاتفية. لا شك في أن التواصل الشخصي يبقى الطريقة المثلى للتعاون معه. كما هو الحال عند معظم النسّاجين الناشطين في هذه الصناعة المنزلية، يعمل ماكاي من داخل كوخ صغير في باحة منزله. وفيما خلا الإيقاع المتكرر لصوت نوله الأقرب إلى إحدى آلات روب غولدبيرغ، لا يعكّر السكون الذي يخيّم على أرجاء الكوخ سوى الإيقاع الجذل لنغمات موسيقا اسكتلندية شعبية تنبعث من مذياع صغير يقبع في إحدى الزوايا. ولا شيء هناك ينير بوضوح وجه الرجل عاقد الحاجبين وقليل الكلام سوى الوعد الذي يحمله مشروع نسيج لزبون ما، بغض النظر عن مدى تعقيد اللون أو النقش المطلوب. يقول ماكاي: «لا شيء يصعب تنفيذه. جل ما يقتضيه الأمر هو بعض الوقت لإتمام العمل». ابتكار نسيج هاريس تويد قد اقتضى، بلا شك، تكريس عقود عدة لذلك.