احرص على اختيار نموذج من الكشمير باللون الكحلي.
فمثل هذه السترة تعد الخيار الأمثل أينما كانت وجهتك.
بالرغم من أني قضيت زمنًا طويلاً في عالم حياكة الأزياء، إلا أني أبقيت بعض المسافة بيني وبين الكشمير. كان يساورني شعور بأن المرء يستحق الكشمير عندما يصبح أكبر سنًا بعض الشيء، وأكثر حكمة وكفاءة. لكني تخليت عن فكرة الانتظار ريثما أكتسب هذه المزايا في الثلاثينيات من عمري. كنت قد افتتحت متجرين للأزياء الرجالية، ولما كان المشروع كله لا يزال صامدًا، أطلقت العنان لنفسي وطلبت إلى أحد الحائكين الذين أتعامل معهم أن يبتكر لأجلي سترة غير رسمية من الكشمير. وكانت المفاجأة أن تلك المناسبة بالغة الأهمية لم تكن مثار ضجة أو جلبة تُذكر، بل كان الأمر على ما يبدو فكرة تدور في خلدي فحسب.
إن أول ما تلاحظه في سترة غير رسمية من الكشمير هو ملمسها الناعم. ويُعزى السبب في ذلك إلى واقع أن نسيج الكشمير يُصنع من الشعيرات التحتية الدقيقة والقصيرة في صوف الماعز الكشميري الذي يشكل سلالة من الماعز يتركز موطنها في الصين ومنغوليا.
يتميز هذا الجنس من الماعز بكسوته المكونة من طبقتين من الصوف، إحداهما خارجية قوامها شعيرات أطول وأكثر خشونة، وأخرى تحتية تتشكل من شعيرات بالغة الدقة تُعد مثالية لما يبتاعه المستهلك من أزياء في مناسبات ومحطات مميزة في حياته. أما السمة الأخرى التي تلفت انتباهك في الكشمير، فهي دفؤه. فألياف الكشمير تتميز بتغضنها البالغ، فتميل بطبيعتها إلى الالتواء، على المستوى المجهري، في شكل متعرج. وعندما يُجمع عدد هائل من هذه الألياف معًا، وهي تُصنع في خيوط غزل تتحول بدورها إلى قطع من الملابس، يتشكل بداخلها عدد كبير من الجيوب الهوائية، ما يجعل من الكشمير مادة عازلة متميزة الأداء تحفظ حرارة الجسم بقدر أكبر مما تتيحه مواد أخرى.
فضلاً عن ذلك، يلفت نسيج الكشمير الأنظار عندما يُحاك في سترة غير رسمية. فبالرغم من أنه ناعم الملمس، فإنه ليس مزغبًا كالصوف. وبينما ينبغي أن يتميز الصوف جيد النوعية المستخدم في حياكة البذلات بقدر محدد من المرونة، يتسم الكشمير بارتداد أليافه برفق، وعلى نحو مطواع أكثر منه هشًا. أما فيما يتعلق بالألوان، فيشكل الكحلي الخيار البدهي الأول لأي سترة غير رسمية. فإذ يتميز الكشمير ببريق طبيعي، تغلب على الملابس المشغولة من الكشمير بألوان داكنة مسحة ثراء جذابة تتجلى على أفضل ما يكون مع تدرجات الكحلي والأزرق الداكن.
من الضروري، لدى اختيار نسيج الكشمير، التركيز على «بنية» القماش. فالملمس الانسيابي الناعم سيتوثق تلقائيًا باستخدام القماش. لكن الأهم من ذلك هو أن يكون القماش ثقيلاً بعض الشيء لأن في ذلك إشارة إلى أنه صُنع من مقدار ضخم من ألياف الكشمير وليس من أقل نسبة ممكنة من هذا النسيج حتى إن كانت رقعة المنتج تشير إلى أنه مشغول من الكشمير بنسبة %100. كما أن الكشمير الأثقل يصبح بمرور الوقت أكثر متانة، ما يحد من تكور سطحه ومظهره الفضفاض عند المرفقين.
تُعد سترة الكشمير الجيدة خيارًا مثاليًا أينما كانت وجهتك. كما أن استخدامها يجعلها تعمر ولا تشيخ، ونعومتها تتيح لها التكيف مع تضاريس جسمك، ما يعني أن توظيف عبارة «سترة الكشمير القديمة» في صيغ المقارنة يُعد ملائمًا. لقد اكتشفتُ، كوني مسافرًا يرتحل بانتظام إلى مدن أشد برودة، أن الدفء الإضافي الذي يوفره الكشمير مفيد للغاية، إذ إنه غالبًا ما يكون العامل الحاسم من حيث اختيار التحصن بمعطف ثقيل على الطريق أو العزوف عن ذلك. وفيما يتعلق بالمظهر المتناسق، فإن سترة الكشمير غير الرسمية ذات اللون الكحلي تصلح لمجموعة متنوعة جدًا من المناسبات، لكن إمكانات ارتدائها تقف عند حدود المناسبات الأكثر رسمية. لأبهى إطلالة رسمية تتيحها سترة الكشمير هذه، أحب تنسيقها مع سروال من الصوف، وقميص رسمي أبيض، ورابطة عنق محددة المعالم من حرير غرينادين تضفي مسحة تعارض مع الملمس الناعم للسترة والسروال. أما تنسيق السترة مع كنزة بسيطة بياقة مرتفعة وسروال جينز وحذاء خفيف غير رسمي، كما لو أني أجلس في بيتي، فيختزل الإطلالة الراقية في عطلة نهاية الأسبوع.
يحتل اقتناء سترة غير رسمية من الكشمير مكانة متقدمة في أعلى سجل الخيارات الحياتية الجيدة المحدودة التي قمت بها. لا تزال سترتي الموثوقة المشغولة من الكشمير ترافقني منذ سنوات، ولا أزال أستمتع بذلك بسبب الإتقان الساحر في حياكتها والتعديلات اللاحقة التي يفرضها تغير مقاسي عند محيط الخصر. لقد تحولت في نهاية المطاف تلك السترة التي كنت أعتقد أنها تشكل موضوع إسراف لا حاجة له إلى قطعة أثمنها وأعتقد أنها تستحق كل ما دُفع فيها.