تتجلى قرية ويلينغتون بفلوريدا الوجهة الأعلى تميزًا لهواة عالم الفروسية
في كل شتاء، تحط نخبة مشاهير العالم الدولي للفروسية رحالها في قرية ويلينغتون بفلوريدا للتدرب، والتنافس، والتواصل الاجتماعي. فهل تنجح الوجهات الجديدة المنافسة لها في ترسيخ حضورها في هذا المضمار؟
عندما بات موعد انطلاق موسم الفروسية السنوي لهذا العام وشيكًا في قرية ويلينغتون بفلوريدا، نُظم يوم ترفيهي لفئة الأطفال دون الخامسة من العمر على أرض مزرعة راشي مارش التي تشكل واحدة من أجمل العقارات في مجمع غران بري فيليدج Grand Prix Village، المنطقة الحصرية التي تحتضن إسطبلات فاخرة التجهيز. تعود ملكية الأراضي الغناء والرحبة المكونة لمزرعة راشي مارش إلى فرانك ماكورت – رجل الأعمال الذي كان يمتلك فريق كرة القاعدة «لوس أنجليس دودجرز» قبل أن يبيعه في عام 2012 مقابل مبلغ قياسي مقداره مليارا دولار – وإلى زوجته الثانية مونيكا، ما يعني أن الحدث لا يتمثل بموعد اعتيادي للعب بقطع الليغو وتناول شطائر الجبن المشوي.
الإسطبلات في مزارع آشلاند في قرية ويلينغتون.
كان أفراد طاقم العمل، الذين يتجاوز عددهم عدد الضيوف وأولادهم، يرتدون قمصان بولو الخاصة بالمزرعة، ويزينون رؤوسهم بأكاليل مشغولة من فراشي الشنيل المستخدمة في تنظيف الأنابيب. وقد انهمكوا آنذاك في تقديم قوالب من الكعك أحمر اللون «ريد فيلفت» جيء بها من المخبز المجاور Nothing Bundt Cakes، وفي مساعدة الأطفال على صنع زينة لرؤوسهم من فراشي الشنيل عند منضدة الفنون والمشغولات اليدوية. تميز الحدث أيضًا بأحصنة حقيقية قصيرة القوام يمكن للأطفال التربيت عليها، ودمى وحيد القرن القابلة للنفخ التي يمكن لهم مصارعتها فوق المرج مترامي الأطراف. كما استُقدمت شاحنة تاكو كان العاملون فيها يقدمون شطائر التاكو العضوية والعصائر المعدة من البطيخ والليمون الأخضر أو التمر الهندي والريحان.
الإسطبلات في مزارع آشلاند في قرية ويلينغتون.
في ويلينغتون، تلك البقعة المقتطعة مما كان يشكل سابقًا أرض مزرعة تقع على بعد خمسة عشر ميلاً من المنطقة الحصرية في جزيرة بالم بيتش ومن المحيط الأطلسي، كل يوم يتجلى أقرب إلى موعد للمرح يختبره الكبار وأولادهم على حد سواء. بدءًا من أواسط شهر ديسمبر كانون الأول حتى أواخر شهر أبريل نيسان، يحط نحو 2٫500 فارس و7٫500 حصان الرحال في ويلينغتون ليحولوا مهرجان الفروسية الشتوي إلى مقر رئيس لعالم هواة الخيول. يجتمع هنا، على مدى خمسة أشهر أو نحوها، عدد من أغنى العائلات في العالم قبل أن يتشتتوا في أحداث أقل زحمة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا حيث مسابقات ركوب الخيل وقفز الحواجز تحظى بشهرة أوسع وبتغطية أكبر عبر محطات التلفاز.
جيسيكا سبرينغستين
لكن رواد الأعمال، بمن فيهم الرجل الذي يُزعم أنه صاحب الفضل في تحويل ويلينغتون إلى مركز للخيول على ما نشهد اليوم، يحاولون استغلال القدرة الشرائية في عالم الخيول والإفادة من الشهرة الهائلة التي تحظى بها البلدة بموازاة الابتعاد عنها. يسعى مثلاً مارك بيليسيمو، الذي حول القرية إلى وجهة لأسلوب حياة خاص، إلى استنساخ معادلته الرابحة في بلدة تريون النائية في كارولاينا الشمالية، فيما يستعد منافساه لاري وروبي روبرتز لافتتاح مركزهما الباذخ World Equestrian Center في عام 2021 في أوكالا، على بعد 250 ميلاً شمالي ويلينغتون. لكن نجاح أي من المشروعين في استقطاب الأوفياء لويلينغتون يبقى مثار جدل لما للقرية من حضور متجذر في ثقافة عالم الخيول في أمريكا.
فرسان المُهرة في ما يُعرف باسم بوني آيلاند ينتظرون نتائج الدرس
يقول أحد الفرسان الجادين: «لا أظن أن ويلينغتون ستواجه يومًا منافسة حقيقية من قبل أوكالا. فويلينغتون تقع هنا في مقاطعة بالم بيتش، فيما أوكالا تقع في مكان ناء. وفي تريون، إذا ما غادر المرء أرض المنافسات، فإنه لن يجد وجهات لتقديم الطعام أو عددًا ملحوظًا من الفنادق.» أما جورجينا بلومبرغ، التي تُعد، بالإضافة إلى كونها فارسة من الدرجة الأولى، واحدة من المستثمرين في مركز ويلينغتون للفروسية، فتقول: عندما بدأت أقصد ويلينغتون في عام 1998، لم تكن مسابقات الخيول هناك على ما هي عليه اليوم. لقد توسعت آفاق هذا الحدث إلى حد بالغ. بل يمكنني القول إن ما نسبته %75 من الأفراد المعنيين بعالم الخيول قد يذكرون ويلينغتون بوصفها عنوانهم البريدي.»
تخوض جورجينا بلومبرغ المنافسة في مهرجان الفروسية الشتوي
لا تتحدث بلومبرغ عن الأمريكيين فحسب. تقول الفارسة أريانا بوردمان، التي شهدت على تطور ويلينغتون المهيب على مدى الأعوام العشرين التي شاركت خلالها في منافسات على أرض القرية: «يرى المرء اليوم مجموعات متنوعة من مختلف الجنسيات والثقافات. تضم الحشود المشاركة رجالاً ونساءً، كبارًا وصغارًا تراوح أعمارهم بين سبع سنوات وسبعين عامًا. إنها مجموعة أفراد يجتمعون بدافع من تشاركهم الشغف بركوب الخيل والرغبة في أن يشاركوا في هذا الحدث الرياضي في ظل طقس جميل. سيكون من الصعب جدًا تحقيق الأمر نفسه في أي مكان آخر في العالم.»
مارك بيليسيمو
تقابل الزوجان ماكورت في لوس أنجلوس قبل أن ينتقلا من هناك للعيش في جنوب فلوريدا. يقول فرانك، المطور العقاري ذو الباع الطويل في هذا القطاع: «أحببتها أولاً ثم أحببت الجياد.» عندما تقابل الثنائي، كانت السيدة ماكورت، السمراء الفاتنة التي ترعرعت في تكساس، تهتم بركوب الخيل على سبيل الهواية فحسب. تقول مونيكا: «إن فرانك هو من ابتاع لي أول حصان من فئة الوثاب»، مشيرة في ذلك إلى نوع رياضي محدد من الخيل. (يمكن لثمن الجياد الوثابة الأفضل ضمن فئتها أن يصل إلى الملايين، لكن بمقدور حصان من هذه الفئة بسعر خمسين ألف دولار أن يحقق الفوز في أي ليلة.) أخذت مونيكا زوجها معها إلى ويلينغتون في سياق رحلة استطلاعية، وقرر الثنائي الانتقال إلى هناك.
حجرة كؤوس الفوز في حظيرة كينت فارينغتون
ينشط آل ماكورت اليوم في مجال الجياد، إذ يمتلكان فريق قفز الحواجز الاستعراضي Miami Celtics الذي يضم جيسيكا سبرينغستين، ابنة المغني بروس، التي تحتفظ بجيادها في مزرعة راشي مارش. يتنافس فريق Celtics ضمن الحلبة الدولية الرائدة للفروسية Global Champions League. وكان الزوجان ماكورت قد ابتاعا في عام 2014 نصف هذه الحلبة آملين تحويلها إلى مضمار للكأس العالمي أو لسباقات الفورمولا وان في مجال قفز الحواجز. يُضاف إلى ذلك أن الزوجين وابنتهما لوسيانا البالغة من العمر ثلاثة أعوام يركبون الجياد معًا.
تقول مونيكا، التي تواظب على الجمع في حديثها بين اللغتين الإنكليزية والإسبانية: «إنه متفان في عمله إلى حد بالغ ويوليه كامل اهتمامه، كما أنه في الرابعة والستين من العمر، لكني نجحت في دفعه إلى المشاركة في رياضة قفز الحواجز.»
ثمة بالطبع اللقاءات الاجتماعية التي تُعقد قبل ركوب الخيل وبعد ذلك. تقول مونيكا، التي بدا أنها لم تكن تأبه للخطر الوشيك بأن تفسد الميادين الموحلة في مزرعتها حذاءها الرياضي ناصع البياض من غوتشي: «إننا ننظم مثل هذه الحفلات طيلة الوقت. فالأطفال يشعرون بسعادة عارمة. أرى أن ويلينغتون تجمع بين الجانب الاجتماعي، والرياضة، والطقس المشمس، ولا يمكن التغلب على ذلك.»
مهرة البولو تتبرد في أعقاب مباراة في ظل طقس فلوريدا الحار.
تشكل الأحصنة عصب الحياة لمجتمع ويلينغتون. بل إنها تُعد جزءًا لا يتجزأ من الإيقاعات الحياتية اليومية إلى حد يبدو معه أن السكان نادرًا ما يتنبهون إلى حقول ترويض الخيل المشذبة بإتقان، والأسيجة الخشبية ريفية الطابع، والإشارات التحذيرية صفراء اللون المرفوعة على الطرقات وقد حملت عبارة: «أبطئ السرعة. أحقية المرور للجياد.» تقول دانيال ليفين، التي أطلقت سنة 2017 شركة كافال للتجارة الإلكترونية آملة أن تجعل منها نسخة في عالم الخيول عن موقع Net-a-Porter: «إنها ليست رياضة، بل أسلوب حياة. إن ويلينغتون تجسد واحدة من أضخم الصناعات التي تحتجب على مرأى من الأنظار.» أما أدريان ستيرنليخت، التي تُعد فارسة أخرى من الطراز الرفيع في مجال قفز الحواجز، والتي بدأت تشارك في المنافسات مذ كانت طفلة في عام 2002: «غالبًا ما نقول ممازحين إن المرء لا يتجاوز حقيقة على مر الأسابيع، إذا ما أمضى فصل الشتاء هناك، قطر هذه المساحة التي تعادل خمسة أميال مربعة.»
أريانا بلومبرغ وابنتها أوليمبيا
تقضي ابنة باري ستيرنليخت، رئيس مجلس إدارة مجموعة ستاروود كابيتال ورئيسها التنفيذي، فصلي الخريف والشتاء في نيويورك، وتشارك عادة خلال فصل الصيف في المنافسات التي تُنظم في أوروبا، حيث المنافسات رفيعة المستوى ومربحة وكفيلة باجتذاب ستين ألف مشاهد. قد يقصد فرسان آخرون مسابقات الفروسية في أولد سالم بنيويورك وديفون في بنسلفانيا في شهري مايو أيار ويونيو حزيران، ثم يشاركون في بطولة Hampton Classic في شهر أغسطس آب، ليعودوا بعد ذلك إلى كنتاكي وإلى المشاركة في فصل الخريف في مسابقات تُنظم في مواقع داخلية في أماكن مثل العاصمة واشنطن، قبل أن يتجهوا مجددًا إلى ويلينغتون لتكرار المسيرة نفسها مجددًا. «يتبع الفرسان الجادون المال ونقاط التقييم المحددة للتأهل من قبل الاتحاد الدولي للفروسية» على ما توضح ستيرنليخت.(تُعقد بطولة ألعاب الفروسية الدولية التي يديرها الاتحاد الدولي للفروسية مرة كل أربع سنوات خلال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية).
متجر هيرمس على أرض مسابقات الخيول في ويلينغتون.
في سياق هذا المضمار التنافسي إلى حد بالغ، تشبه ويلينغتون «ديزني لاند»، على ما يقول بيليسيمو، المتعهد الأشهر الذي يقف خلف النمو المهيب للمنطقة. ترعرع بيليسيمو في ماساتشوستس، ثم انطلق لمتابعة تحصيله العلمي في أندوفر، وميدل بوري، وهارفرد ليتحول إلى نوع من رائد أعمال ناشط في تحويل مسارات الشركات سيئة الأداء بدءًا من شركة العائلة المتخصصة في خدمات الطعام، ومرورًا بأخرى في قطاع التقنية، وفي مجال توزيع أجهزة الإنذار الخاصة بشاحنات الدعم اليابانية، وفي القطاع الطبي ومجال الرعاية الصحية، إلى شركة مندوبي مبيعات باسم Brandwise. في أواخر تسعينيات القرن الفائت، شرعت ابنتاه تمارسان رياضة ركوب الخيل، الأمر الذي انطوى في نهاية المطاف على رحلات في عطل نهاية الأسبوع إلى ويلينغتون للمشاركة في المنافسات.
عندما بزغ فجر مسابقات الفروسية في الولايات المتحدة الأمريكية، كانت تُنظم على أرض عقارات خاصة تحتضن حلبات داخلية في مواقع محلية مثل لوكوست فالي في لونغ آيلاند. وفي نهاية المطاف، باتت تلك المنافسات تشكل نشاطًا أكبر من أن تتسع له تلك المواقع، فجرى نقلها إلى وجهات أكبر مساحة على غرار ديفون، وحتى متنزه ماديسون Madison Square Garden حيث درج الحاضرون على ارتداء ملابس الأمسيات الرسمية إلى الحدث. ومنذ سبعينيات القرن الفائت، واظب محبو ركوب الخيل من المحترفين والهواة على إمضاء فصل الشتاء في ويلينغتون. يُعزى السبب في ذلك، في جزء منه، إلى كون هذه الواحة مؤاتية للتنافس. كما أن الطقس فيها دافئ وأسطح الأرضيات آمنة أكثر مقارنة بالتربة الصلبة شمالاً. بحلول مطلع العقد الأول من الألفية الثالثة، كانت حلبة ويلينغتون تقتصر على منافسة تستمر خمسة أسابيع ولا تصاحبها الكماليات الخاصة بالمجالس الفاخرة أو أموال الرعاية. رأى بيليسيمو آنذاك إمكانات للنمو.
في عام 2006، ابتاع بيليسيمو، ومعه عدد ضئيل من الشركاء، موقع المنافسات، فضلاً عن مئتي فدان من الأراضي، وفرض سيطرته على مهرجان الفروسية الشتوي. كما أنه عمد إلى تمديد موسم المنافسات إلى اثني عشر أسبوعًا، وطور ميدانًا جُهز بسبعة آلاف مقعد و2٫500 إسطبل، وشجع أفراد المجتمع المحلي على حضور الأنشطة من خلال الدعوة العامة المجانية، والأجواء الاحتفالية، وشاشات البث العملاقة. وإذ ازدهر المهرجان لم يعد يقتصر على مسابقات الأداء العام ودقة الأداء في قفز الحواجز، ومباريات البولو، بل بات يشمل أيضًا مسابقات الترويض (التي تشبه الباليه الراقص للأحصنة). أما غاية بيليسيمو، فكانت تتمثل بتطوير تلك الواحة «من موقع لمسابقات الجياد إلى وجهة لأسلوب حياة خاص بعالم الفروسية» على ما يقول مستعيدًا تلك البدايات قبل أن يضيف: «عندما ذكرت فكرة أسلوب الحياة الخاص بعالم الفروسية للمرة الأولى، لم يفقه أحد ما قصدته. كانت تلك الفكرة تعني لي الجمع بين مستوى عال من حس الضيافة والترفيه والتجارة.»
«كانت ويلينغتون تشكل موقعًا صغيرًا ساحرًا للمنافسات. لكن بيليسيمو ارتقى بها إلى مستوى عالمي»
يُضاف إلى ذلك بالطبع محبو الخيول من التائقين إلى أن يكون لهم جيران يشاركونهم الشغف نفسه. تقول كيلي كلاين، المصورة الفوتوغرافية التي تمرست على الفروسية سنين طويلة قبل أن تتخلى عن التنافس على أرض الحلبات لتنصرف إلى نوع آخر من المنافسات، تحديدًا في المجال العقاري المحلي: «كانت ويلينغتون تشكل موقعًا صغيرًا ساحرًا للمنافسات. لكن بيليسيمو ارتقى بها إلى مستوى عالمي.»
انتقلت كلاين، التي اختارت العيش عند الشاطئ عوضًا عن الإقامة في بلدة ويلينغتون، على الأقل بين ثلاثة منازل في المنطقة. وفي هذا تقول: «ستظل السوق مزدهرة. يجيء الناس اليوم إلى البلدة من مختلف أنحاء العالم. إن بيليسيمو يطور مشروعه حقيقة على نطاق واسع. هذا ليس مكانًا يقصده مريدوه بهدف التبجح واستعراض أنفسهم في الأرجاء.»
يقول بيليسمو، الذي يمتلك اليوم 880 فدانًا، فضلاً عن مطبوعة تصدر باسم The Chronicle of the Horse ونادي البولو الدولي في ويلينغتون: إنه عندما شرع في العمل على توسيع نطاق مسابقات الخيل، فكر في أن «الناس سيبدون اهتمامًا أكبر بشراء المنازل والمزارع». كانت الفكرة تتمثل بأن تشكل المنافسات عنصر الجذب الرئيس، أو بحسب تعبيره، «كانت مسابقات الخيل تمثل حقيقة الواجهة البحرية أو ملعب الغولف: كلما كان المنزل أقرب إلى موقعها، ارتفعت قيمته.»
في أمسية يوم سبت من شهر مارس آذار، حط حشد من آلاف الأشخاص الرحال على أرض مهرجان الفروسية الشتوي للمشاركة في بطولة الجائزة الكبرى الأسبوعية. بلغت القيمة الإجمالية لجوائز البطولة في هذا الحدث الممول من قبل الشركة العقارية Douglas Elliman 193 ألف دولار. في نهاية تلك الأمسية، حلت بلومبرغ، التي كانت تمتطي حصانًا يحمل اسم Chameur 137، في المرتبة الرابعة عشرة، فيما كان ترتيب سبرينغستين، على ظهر حصانها Fleur de L’Aube، الثاني والعشرين.
حضر العديد من السكان المحليين وقد ارتدوا ملابس مناسبة لمباراة في كرة القاعدة، تمثلت بقمصان قصيرة الأكمام تزهو بالرسائل المطبوعة عليها، وبسراويل فضفاضة. تناولوا شطائر التاكو، والبطاطس المقلية، والبيتزا التي كانت توفرها الأكشاك وشاحنات تقديم الطعام قبل أن يتخذوا مجالسهم مجانًا في منصات العوارض الخشبية. لكن معظم الحاضرين عكسوا في مظهرهم ملامح أناقة غير متكلفة أو مبهرجة، فارتدوا قمصانًا محددة المعالم بياقات تُزرر إليها، وحملوا حقائب كبيرة من طراز Neverfull المزدان بشعار لويس فويتون. قال أحد الحاضرين في توصيفه لهذا المظهر: «ميسورون يتسكعون في حي للفقراء.»
«إنه مشروع كارثي. فلا أحد سيرغب في قضاء شهر تموز يوليو في تريون»
قبل بدء المسابقة، وفي فترات الهدوء، استكشفوا متجر هيرميس الدائم على أرض موقع المنافسات، أو راحوا يبحثون عن قطع جواهر مثل السوار المرصع بالألماس أزرق اللون البالغ ثمنه 680 ألف دولار في متجر لوغانو الذي ينشط شقيق مالكه في عالم الفروسية. تُحجز لكبار الشخصيات ممن يؤمون الحلبة، البالغ عددهم نحو 1٫200 شخص، طاولات دائمة في النادي الدولي الخاص الذي يضمه المجمع. تقع هذه الطاولات بمحاذاة المضمار وتبلغ كلفة الجلوس إليها عشرات آلاف الدولارات في الموسم الواحد. هناك تُقام كل أمسية سبت موائد عشاء مفتوحة تُقدم عليها أصناف مختارة من الأطعمة مثل لحوم الأضلاع المشوية ولحم السلطعون.
كان روبرت روس يحترف سابقًا قفز الحواجز في بطولة الجائزة الكبرى، ثم تحول إلى العمل وكيلاً عقاريًا في المنطقة وأطلق مؤخرًا خط Robert-Squared للسروج المشغولة من مواد نباتية، وذلك بالتعاون مع شريكه روبرت دوفر، الفارس الذي يشارك في مسابقات ترويض الخيول. يقول روس إن ويلينغتون «هي الوجهة التي ينبغي الوجود فيها لأنه لا وجهة غيرها.»
لا تشكل الوجهات الفندقية في ويلينغتون، بسبب القيود المحلية، سوى مشاريع تطوير حديثة. بل إنها تقتصر على فندقي Hampton Inn وFairfield Inn، ما يجعل من امتلاك عقار أو تأجيره هناك ضرورة لا غنى عنها.
تحتل المزارع المستوى الأعلى ضمن الملكيات. وتقول بلومبرغ إن الأمر كان يقتصر قبل سنوات على «مزرعتين دائمتين فقط». لكن الحال تبدل. يمتلك أصحاب المزارع، على غرار بلومبرغ، ابنة الملياردير مايكل بلومبرغ، الذي كان يشغل سابقًا منصب عمدة نيويورك، رفاهية القيام بالتدريبات متى شاؤوا ذلك وفي محيطهم الخاص عوضًا عن التدرب على أرض المنافسات.
تقول هولي بيترسون، التي نشرت مؤخرًا بالتعاون مع دار أسولين كتابًا بعنوان Wellington: The World of Horses (ويلينغتون: عالم الخيول): «إن المسألة تشبه امتلاك أحدهم حلبة خاصة للتزلج على الجليد مقابل استخدام حلبة تزلج عامة.» لبيترسون، ابنة المستثمر المصرفي الراحل بيت بيترسون، ابنة فارسة تشارك في المنافسات.
تُعرض اليوم المزارع الواقعة في مجمع غران بري فيليدج، التي يمتلكها ويديرها أمثال آل ماكورت، وشيلا جونسون وأثينا أوناسيس المشاركتين في تأسيس قناة التلفاز الترفيهية BET، في السوق مقابل أسعار تراوح بين ثمانية ملايين دولار وأربعة عشر مليون دولار. لكن قطعة الأرض ليست فسيحة بما يكفي لإنشاء حظيرة من عشرين إسطبلاً ومنزلاً كبيرًا. لذا يعمد المالك في العادة إلى الاحتفاظ على أرض المزرعة بفسحات عيش لساسة الخيل فحسب، فيما يمكث هو في موقع آخر مثل مجمع نادي بالم بيتش للبولو الذي ينبسط على مساحة 2٫200 فدان ويحتضن ملعبًا للغولف، وبناء لمرافق النادي، ويوفر أفراد أمن يجوبون أرجاءه طيلة ساعات اليوم الأربع والعشرين. كما توفر الأحياء المختلفة لمجمع نادي البولو وحدات سكنية متنوعة تتفاوت بين شقق متاحة بسعر معقول يساوي 250 ألف دولار، وعقارات يصل سعرها إلى عشرين مليون دولار.
أما الباحثون عن ملكيات من الطراز الرفيع تضم مساحاتها إسطبلات وبيوتًا، فيجدون ضالتهم في مجمع Mallet Hill حيث تمتلك عائلات بلومبرغ وجوبز وغايتس مساكنها الخاصة. ابتاع بيل غايتس، الذي تشارك ابنته الفارسة جينيفر البالغة من العمر ثلاثة وعشرين عامًا في المنافسات، تدريجيًا مساكن خمسة من جيرانه ليحوز ملكية شارع بأكمله. أما المنازل قيد التطوير، فنادرًا ما تُعرض في السوق. يتوافر اليوم منزل من أربع حجرات نوم معروض بسعر خمسة عشر مليون دولار، وآخر بسعر ثلاثة وعشرين مليون دولار.
لا بد من أن تؤخذ الجياد أيضًا في الحسبان. فللمشاركة في المنافسات، يحتاج أي فارس إلى اقتناء أكثر من حصان واحد. ويمكن لثمن جواد حسن البنية والأداء أن يبلغ مئة ألف دولار أو أكثر. تُضاف إلى ذلك تكاليف المدرب، والسكن، والعلف، والطبيب البيطري، وشحن الخيول (أحيانًا عبر خدمة FedEx). فالفرسان لا يحتجزون حيواناتهم في حاويات نقل مقفلة. تسافر الجياد عادة على متن طائرات مستأجرة. تقارب النفقات السنوية الإجمالية على الخيل مبلغًا يساوي ستين ألف دولار في الحد الأدنى. يعتمد معظم المنافسين، بمن فيهم أولئك الذين ينتمون إلى عائلات شهيرة، على رعاة ميسورين يتشاركون معهم لاحقًا الجوائز المحققة من الفوز في المنافسات.
حقق مشروع إعادة تطوير ويلينغتون نجاحًا مهيبًا انهمك بيليسيمو على إثره في بناء منطقة لأغراض مشابهة في بلدة تريون محققًا نتائج متباينة. فالبطولة العالمية لألعاب الفروسية التي نُظمت هناك في فصل الخريف الفائت واجهت مشكلات ارتبط بعضها بإعصار فلورانس، فيما نجم بعضها الآخر عن نقص في الاستعداد. لكن بيليسيمو يتحلى بأعلى درجات الثقة على ما هو متوقع. وفي هذا يقول: إن كانت ويلينغتون تشبه ديزني لاند، فإن «تريون أقرب إلى ديزني وورلد. لقد ابتعنا 1٫600 فدان من الأراضي ووضعنا خطة متكاملة لبيئة المشروع.»
يأمل بيليسيمو أن تتحول تريون في غضون سنتين إلى وجهة لمنتجع يحتضن فسحات للإقامة، ومعارض تجارية، ومهرجانات فنية. لكن شعورًا بالغًا بالارتياب، إذا ما أردنا تصوير الوضع بتعبير ملطف، يساور أولئك المعنيين بعالم الخيول. يقول أحدهم: «إنه مشروع كارثي. فلا أحد سيرغب في قضاء شهر تموز يوليو في تريون».
أما أريانا بوردمان، فتتبنى موقفًا أكثر دبلوماسية إذ تقول: «أدرك أن المنشأة رائعة، لكني أجد أن موقعها لا يعكس حقيقة نمط حياتنا.»
فضلاً عن ذلك، يواجه بيليسيمو مصاعب شخصية. فقد تقدم مؤخرًا بطلب لطلاق كاثرين، زوجته منذ ثلاثين عامًا، الأمر الذي لم يشكل مفاجأة لكثير من الناس على ما يبدو، لكنه أثار بالرغم من ذلك بعض المخاوف في ما يتعلق بمستقبل الشركة. يقول أحد الحاضرين الدائمين في الحلبة إن بيليسيمو لم يكن موجودًا بالقدر الكافي في مهرجان الفروسية لهذا الموسم، وربما بدأت سيطرته على المنطقة تتراجع، فيما يؤكد آخر أن عدد المساهمين المؤثرين كبير للحؤول دون أن تواجه ويلينغتون أي مشقات.
تتمثل إحدى الشكاوى المتعلقة بمهرجان الفروسية بإمكانية أن يرى العالم الخارجي في صورته جانبًا أحاديًا يتعلق بالرفاهية والثراء. أما في الكواليس، فالمهرجان قد بلغ حد الانفجار وقد يستفيد من بعض التحسينات. يقول أحد المراقبين إن العثور على موقف للسيارة «يشبه الكابوس». وإذ يضيف آخر أن بعض الطرقات الترابية تكتظ بالسيارات، والدراجات النارية، والأحصنة والكلاب، فيبدو المكان أقرب إلى مركز مدينة تعمه الفوضى، يعبر أيضًا عن شعوره بحاجة الإسطبلات في الموقع إلى عملية تجديد شاملة.
في غضون ذلك، شرعت حلبة مصغرة باسم Palm Beach Masters مخصصة لمنافسات تستمر ثلاثة أسابيع على أرض مزارع Deeridge Farms المنبسطة على مساحة 300 فدان (تعود ملكيتها إلى جيري وبيغي جايكوبز) - شرعت تستلب من بيليسيمو بعض تلك الجلبة المميزة لويلينغتون. تقتصر المشاركات المتاحة على 350 حصانًا، ويتميز المضماران فيها بالبنية بالغة التطور لسطح الأرضية. يقول أحد خبراء الحلبة الملمين بخفاياها: إن «المنشأة لا تُستخدم على نحو مسرف، ما يجعلها أكثر فخامة نوعًا ما على ما أعتقد.» ويضيف إن جودة الطعام هناك أفضل بكثير أيضًا، قائلاً: «استضافوا العام الفائت الطاهي الشهير موريموتو.»
يتمثل الهدف في استقطاب حشد أوروبي تحديدًا، على ما يقول دان كار، الرئيس التنفيذي لحلبة Palm Beach Masters. وفي هذا يقول: «إنها منشأة فاخرة للغاية، ونركز فيها تركيزًا بالغًا على الخيول. يجدر بالمرء أن يعمل لكسب موقعه في هذه الوجهة التي توحي للفارس وللعارض بتميزها.»
يرصد مجتمع ويلينغتون أيضًا التوسع في مدينة أوكالا التي تقع على بعد ساعة واحدة من أورلاندو وتروج لهويتها بوصفها «العاصمة العالمية للخيول». هناك تقدم مسابقة تنظمها شركة H.I.T.S. (أو Horses in the Sun التي تدير أيضًا منافسات مختلفة من فرجينيا إلى كاليفورنيا) جوائز تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات، متجاوزة بذلك قيمة الجوائز في ويلينغتون. فضلاً عن ذلك، ثمة مسابقة أخرى للفروسية تستمر تقريبًا أسبوعًا كاملاً تحمل اسم Live Oak International وتحظى برعاية دار الساعات السويسرية لونجين، شأنها في ذلك شأن العديد من الأحداث المشابهة. تتيح هذه المسابقة كسب نقاط للتأهل للكأس العالمي. في عطلة نهاية أحد الأسابيع في شهر مارس آذار، تنافس عدد من الفرسان على أرض ويلينغتون، ثم ارتحلوا في اليوم نفسه على متن طائرات خاصة لخوض المنافسة في أوكالا.
ستشهد المدينة بحلول عام 2021 افتتاح المركز العالمي للفروسية بمحاذاة نادي Golden Ocala Golf & Equestrian Club للغولف والفروسية. صُمم المركز على نسق مركز عالمي آخر للفروسية في ويلمينغتون بأوهايو، ومن المتوقع أن يحتضن فندقًا من فئة الخمسة نجوم، فضلاً عن فسحات داخلية وخارجية لركوب الخيل تمتد على مساحة 1.5 مليون قدم مربعة.
يقول روبي روبرتز، الرئيس التنفيذي للمركز العالمي للفروسية: «إننا لا نسعى إلى منافسة ويلينغتون، بل نرسي معاييرنا الخاصة. نظن أن المنشأة ستشكل أصدق تعبير عن واقعها وتجسد حكايتها.»
لكن حتى في ظل تميز المركز بحظائر منضبطة الحرارة، وعيادة بيطرية ميدانية، سيظل يواجه تحديًا من حيث استنساخ الطابع الحصري لويلينغتون حيث غالبًا ما ينطلق أفراد ذاك المجتمع إلى أرض المنافسات على متن عربات غولف نُقشت عليها أسماؤهم الأولى أو شعارات عائلاتهم.
يشكل الطابع العام السائد في النادي الريفي والتقويم الدائم للأحداث الاجتماعية جزءًا من جاذبية المكان، شأنه في ذلك شأن الأولوية التي تحظى بها الجياد. يقول بيليسيمو: «لا نريد للعائلات أن تشعر بأنها تحت المجهر. فنسيج المكان مهم جدًا إلى الحد الذي يمكن معه لمعظم رجال الأعمال والمشاهير أن يشعروا بأنه ملاذ آمن وبأنهم يستمتعون فيه بصحبة عائلاتهم. تشكل هذه الواحة منتجًا قائمًا بحد ذاته.»
يكاد الشعور بالحميمية يكون طاغيًا. تقول أليكسا ويكس بيسووا، المنافسة الأمريكية في مسابقات قفز الحواجز، والتي يحمل زوجها الفارس البرازيلي رودريغو ميدالية أولمبية: «تتمثل إحدى المزايا المثيرة للاهتمام في ويلينغتون في واقع أن الأمور لا تتغير حقيقة هنا.»
هل يمكن لبلدة تريون أو لمدينة أوكالا أن تزدهر لتشكل ويلينغتون المقبلة؟ تقول بلومبرغ إن الأمر ممكن بالطبع، مضيفة: «لكنه قد يستغرق وقتًا طويلاً ليتحقق. فمشروع ويلينغتون تطور على مدى ثلاثين عامًا، ولا يمكننا إقصاءه بسهولة.»
توفر ويلينغتون أيضًا سهولة الوصول إلى مدينة نيويورك. كما أنها تتيح لمريديها الإفادة من جزيرة بالم بيتش الراقية. تقع ويلينغتون على مسافة رحلة قصيرة بالسيارة إلى المحيط، فيما يحتاج المرء إلى ساعة ونصف ساعة لبلوغ أقرب كتلة مائية إلى أوكالا. والواقع هو أن الانقسام لا يزال قائمًا بين مجتمع بالم بيتش المعزول على أرض الجزيرة ومشهد مجتمع ويلينغتون المنفصل. فأفراد المجتمعين نادرًا ما يتقابلون. يقول المنتج السينمائي دانيال كراون مازحًا: «أخبر أصدقائي على الجزيرة أننا موجودون في ويلينغتون فيسألونني: أين تقع؟»
توجد السمسارة العقارية كارول سولاك، من الفرع المحلي لشركة Engel & Völkers، في المنطقة منذ عام 1978، وتقول إنه من المألوف أن يمتلك زبون مزرعة في مجمع غران بري فيليدج، وبيتًا في نادي البولو، ومنزلاً مستقلاً على أرض الجزيرة. تضيف سولاك: «يمتلك هؤلاء الزبائن منازل في مختلف المواقع. وغالبًا ما يقول الزوج إنه يحب المحيط.»
لهذا السبب ابتاع آل ماكورت أيضًا في مجمع ناطحات السحاب Billionaire’s Row في بالم بيتش بيتًا يحتضن بحسب التقارير واجهة مطلة على الشاطئ بامتداد 320 قدمًا، مقابل سبعة وسبعين مليون دولار. تقول مونيكا ماكورت موضحة: «نحظى بأفضل ما في العالمين.»