على مر ثلاثة أجيال، ومنذ أن غادر حسين مكتبي مدينة أصفهان سنة 1926 ليقيم في بيروت حيث سار على خطى والده الذي أورثه الشغف بجمع فرائد السجاد الشرقي، تحوّل اسم العائلة إلى مرجع في فن حياكة السجاد الفارسي الذي يبقى إلى يومنا هذا فعل إبداع كلما تعتّق أمعن علوًا في التميّز.
بمرور السنين، أتاحت خبرة العائلة ومجموعتها الخاصة من السجاد النادر تعزيز الوعي بجماليات موروث ثقافي وفني استعصى على عاديات الدهر وسقوط الإمبراطورية ليبقى شاهدًا على تمايز حرفة أصيلة يتأتى لهواة جمع الفرائد اكتناز بعض تجلياتها هدية لا يذوي ألقها.
تبيّن السجلات أن أقدم سجادة إيرانية حيكت قبل نحو 400 عام قبل الميلاد في زمن الأخمينيين، أول بناة الحضارة الفارسية، وقد عثر عليها سنة 1949 عالم الآثار الروسي سيرغي إيفانوفيتش في سيبيريا، حيث كانت مطمورة تحت جليد وادي بازيريك الذي نُسبت إليه. صحيح أن اقتناءك هذه التحفة الأثرية اليوم أقرب إلى المستحيل، إلا أن ثمة فرصة تتيحها دار إيوان مكتبي لأحد قراء مجلة Robb Report العربية لامتلاك نموذج نادر من سجّاد حريز، واضعة في متناولك أثرًا من تاريخ حرفة تعاقب عليها أمهر النساجين في بلاد فارس.
فعلى إيقاعات نول قديم داعبته أنامل النساجين في الجزء الشمالي الغربي من تلك البلاد، حُبكت سجادة Heriz Meditation Carpet في النصف الثاني من القرن التاسع عشر شاهدًا على نهضة هذه الحرفة التي أعادت إحياءها ورش عدة انتشرت آنذاك في محيط مدينة حريز.
هو هذا التاريخ القديم لا يسعك إلا أن تستعيده فيما تمسّد السطح الأملس للسجادة التي حُبكت أرضيتها وعُقدها المشدودة وبالغة الصغر من الحرير الخالص على مساحة 158 سنتيمترًا x 119 سنتيمترًا. هنا تعبر الأبصار فوق عقد تشكلت بثراء ألوانها الدافئة، على امتداد الأرضية التي تزهو بلون الصدأ، فسيفساء من رسوم هندسية وزخارف نباتية يثريها رسم لمحراب يرتكز إلى دعامتين موحيًا بمظهر سجادة صلاة تطفو في الهواء.
وعلى ما هو مألوف في السجاد المنسوج من الحرير، تجسّد هذه الهدية تفوّق قدامى النساجين في لعبة الضوء والظلال: فعند النظر إلى تفاصيلها من جهة تساقط الضوء فوقها، تبدو الألوان حادة وداكنة، فيما الجهة الأخرى تُظهرها باهتة ومتلألئة.