باتت الرحلات البحرية السياحية أكثر روعة من ذي قبل في ظل التركيز المستجد اليوم على سفن أصغر حجمًا قادرة على بلوغ الوجهات القصية ومجهّزة بوسائل رفاهية غير منقوصة. 

ربما يجدر بك أن تنسى أمر المدن والانتقال بين الموانئ المزدحمة والمخيّبة للآمال. ففيما بدأ قطاع الرحلات البحرية السياحية يتحرر من الركود الذي دام عامًا كاملاً بسبب جائحة كورونا، عاد ليستجمع كامل طاقاته من خلال إطلاق مجموعة من السفن الرشيقة الجديدة التي تجمع بين الرحلات إلى وجهات قصية ووسائل الرفاهية الوفيرة. 

يقول آشتون بالمر، رئيس Expedition Trips ومؤسس هذه الوكالة التي تركّز خصوصًا على هذه السوق الحصرية: "إن هذه السفن تزاوج بين أفضل ما في هذين العالمين. إننا نشهد طفرة غير مسبوقة في عالم الرحلات البحرية التي تسيّرها السفن الصغيرة، وكل شركة تحاول التفوّق على غيرها، سواء على مستوى التجهيزات أو برامج الرحلات".

يضيف بالمر أنه يجدر حتى بأولئك المخضرمين في مجال استئجار اليخوت التفكير في حجز واحدة من هذه الرحلات التي تزخر بالمغامرات: فالسفن الأكبر حجمًا أكثر ثباتًا فوق الماء بالطبع، كما أنها مجهّزة على نحو أفضل بالوسائل الضرورية، بما في ذلك الطائرات المروحية التي تتيح الوصول إلى الأقاصي الغنية بمظاهر الحياة البرية. 

نذكر مثالاً على ذلك سفينة Le Commandant Charcot من شركة بونان (Ponant). تنطلق السفينة، التي تحتضن 123 مقصورة، الشهر المقبل في رحلة قطبية تنتقل بالضيوف عبر الجزيرة المعزولة التي تحمل اسم السفينة نفسها لرؤية مستعمرات البطريق الإمبراطوري، فيما كانت هذه الرحلة من قبل متاحة للسفن الاستكشافية المخصصة لأغراض بحثية فحسب.

تقول ماري كوري، الخبيرة في مجال الرحلات البحرية السياحية في شركة Adventure Life: "لا شركة في تاريخ الرحلات البحرية السياحية على متن السفن الصغيرة نجحت من قبل في تنظيم مثل هذه الرحلة".

وتشير كوري إلى أن تصنيف PC2 لهذه السفينة الكاسحة للجليد يقع مباشرة دون مستوى تصنيف القوارب العلمية. بل إن السفينة تحتضن أيضًا على متنها مختبرات تتيح للمسافرين الاضطلاع بوظائف علماء مدنيين، فضلاً عن اشتمالها، لأوقات الفراغ، على مسبح داخلي وحمامات مياه عذبة ساخنة، ومطعمين.

تقترح كوري أيضًا السفر على متن سفينة Sylvia Earle من أورورا (Aurora). فهذه السفينة تزهو بتصميم القوس المتقاطع X-Bow، ما يتيح لها الإبحار بسلاسة حتى في أثناء عبور ممر درايك الذي هو عرضة للأمواج المضطربة، وتتميز أيضًا بتقنية الرسو الافتراضي التي تسمح بالحفاظ على قاع البحر. سيوجد عالم الطبيعة الذي تحمل السفينة اسمه على متنها عندما تنطلق في رحلتها الأولى الربيع المقبل لتجوب أرجاء باها كاليفورنيا وبحر كورتيز.

يمكنك أيضًا أن تدرس خيار الإبحار على متن أحدث سفينة من سيبورن (Seabourn)، سفينة الرحلات السياحية Venture التي تصلح للبعثات الاستكشافية فيما تتقمص طابع يخت فاره محتضنة على متنها مرآبًا تحتشد فيه ألعاب مائية ثورية: بالإضافة إلى الزوارق من طراز زودياك Zodiac والدرجات الكهربائية، ستجد على متن السفينة التي تبحر في شهر أبريل نيسان من العام المقبل غواصتين مبنيتين حسب الطلب. 

أما سفينة Resolution الجديدة من ناشيونال جيوغرافيك، فتحافظ على الغاية المميزة لأسطول هذه المؤسسة من خلال التركيز على الأغراض التعليمية، لكنها ترتقي بتجربة الرفاهية على متنها فوق المستوى المتاح في سفن الأسطول الأخرى، فتحتضن مطعمين وحوض جاكوزي يستلهم تصميم مسبح غير متناه.

في غالاباغوس، أطلقت شركة سيلفرسي (Silversea) مؤخرًا سفينتها Silver Origin التي بُنيت خصيصًا للرحلات السياحية، متيحة على متنها خدمة المساعد الشخصي للأجنحة كافة ونحو فرد واحد من طاقم العمل لكل من الضيوف الذين يبلغ عددهم في الحد الأقصى 100 راكب.

ينوّه ريتشارد تورين من وكالة تشرشل أند تورين (Churchill & Turen) المتخصصة في الرحلات البحرية السياحية، بجناح المالك المهيب على متن هذه السفينة والذي يمتد على مساحة 1,700 قدم مربعة. يقول تورين: "توفر شرفة الجناح، الممتدة على 646 قدمًا مربعة، إطلالات رائعة تأسرك خلال الرحلة عبر أرجاء جزر غالاباغوس. إن الأشخاص الذين اعتادوا استئجار اليخوت سيشعرون بأقصى درجات الراحة هنا".

قد يفكر المخضرمون في مجال استئجار اليخوت أيضًا في يخت Cormorant II الجديد من طراز اليخوت متعدد الهياكل، الذي يستوعب 16 راكبًا يتوزّعون على مقصورات مهيبة تكملها شرفات خارجية، أو اليخت العملاق Evolve من إيكوفنتشورا (Ecoventura) الذي يتسع لعشرين ضيفًا. 

لا شك في أن هذين اليختين يقدمان خيارًا مثاليًا للرحلات الخاصة المستأجرة (تقدم معظم شركات الرحلات البحرية السياحية خيار استئجار كامل السفينة.

توفّر سيبورن على سبيل المثال رحلة مستأجرة تصمم حسب الطلب لسبعة أيام بدءًا من 2.5 مليون دولار)، لكن تورين يوصي بخدمة الاستئجار الجزئية التي تتيح لمجموعة من الضيوف المقربين اختبار رحلات وتجارب عشاء وأنشطة أخرى على متن السفينة تُصمم حسب الطلب. يشبه الأمر الوجود على سفينة داخل سفينة، حتى في حال السفن الأصغر حجمًا. 

أما إذا كنت تسأل عن أفضل الوجهات لأول رحلة بحرية سياحية تختبرها، فإنك تستطيع لحسم قرارك أن تأخذ بنصيحة بالمر، فتقارن القارة القطبية الجنوبية بأحد عروض برودواي، والقارة القطبية الشمالية بمتحف للفن الحديث. يقول بالمر: "من السهل أن تختبر القارة القطبية الجنوبية.

فما تعيشه فيها سيكون واضحًا. لكنك تحتاج إلى أن تبذل جهدًا أكبر لثمين القارة القطبية الشمالية حيث التجربة ذات طابع تأملي دقيق. يتزامن موسم الإبحار في القارة الجنوبية مع فصل الشتاء في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، لكن الرحلات إلى القطب الشمالي تُنظم في فصل الصيف لتوفّر متنفسًا يلوذ إليه المسافرون من الحر الشديد في بلادهم.

يقول بالمر: "إن المسافر الذي ينشد الرفاهية لا يرضى بالمساومة على أي تفصيل. صحيح أنه سيختبر تجربة تتجاوز ما يمكن أن يعيشه أي شخص تقليدي، لكن ذلك لا يعني التغاضي عن وسائل الراحة، بما في ذلك المقصورة الفسيحة. تريد هذه النخبة من المسافرين كل شيء، وبات بمقدورهم الآن الحصول على مبتغاهم".

رفاهية في الإبحار

رحلات بحرية فارهة على متن يخوت للاستئجار
سطح التشميس على متن سفينة Evolve من إيكوفنتشورا.